الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 235 ] ( ومنها الخطبة ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلاها بدون الخطبة في عمره ( وهي قبل الصلاة بعد الزوال ) به وردت السنة ( ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة ) به جرى التوارث . [ ص: 236 ] ( ويخطب قائما على طهارة ) لأن القيام فيهما متوارث ، ثم هي شرط الصلاة فيستحب فيها الطهارة كالأذان ( ولو خطب قاعدا أو على غير طهارة جاز ) لحصول المقصود ، إلا أنه يكره لمخالفته التوارث ، وللفصل بينهما وبين الصلاة ( فإن اقتصر على ذكر الله جاز عند أبي حنيفة رحمه الله ، وقالا : لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة ) لأن الخطبة هي الواجبة ، والتسبيحة أو التحميدة لا تسمى خطبة . وقال الشافعي رحمه الله : لا تجوز حتى يخطب خطبتين ، اعتبارا للمتعارف ; وله قوله تعالى: { فاسعوا إلى ذكر الله }من غير فصل ، [ ص: 237 ] وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال : الحمد لله ، فارتج عليه ، فنزل وصلى .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل الجمعة بدون الخطبة } ، قلت : ذكره البيهقي . واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " على وجوب الخطبة بهذا ، مع قوله صلى الله عليه وسلم { : صلوا كما رأيتموني أصلي }. قوله : وهي قبل الصلاة ، ثم قال : به وردت السنة " يعني الخطبة " ، قلت : يؤخذ هذا من حديث السائب بن يزيد ، رواه البخاري عنه ، قال : { كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر يوم الجمعة حين يجلس الإمام ، فلما كان عثمان ، وكثر الناس أمر بالأذان الثاني ، على الزوراء }.

                                                                                                        ووجهه أن الأذان لا يكون إلا قبل الصلاة ، فإذا كان الأذان حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة ، دل على أن الصلاة بعد الخطبة ، ويؤخذ أيضا من حديث أبي بردة بن أبي موسى الأشعري ، أخرجه مسلم عنه ، قال : { قال لي ابن عمر : أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان ساعة الجمعة ؟ قال : قلت : نعم ، سمعته يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الصلاة ، قال أبو بردة : يعني على المنبر }انتهى . قوله : ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة ، به جرى التوارث ، قلت : فيه أحاديث ، فأخرج البخاري . ومسلم عن ابن عمر ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب [ ص: 236 ] خطبتين ، يقعد بينهما } ، وفي لفظ لهما : { كان يخطب قائما ، ثم يقعد ، ثم يقوم ، كما يفعلون الآن }. انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما ، ثم يجلس ، ثم يقوم ، فيخطب قائما ، فمن حدثك أنه كان يخطب جالسا ، فقد كذب ، وقد ، والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة }انتهى .

                                                                                                        حديث آخر : أخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر ، قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين ، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ أذان المؤذن ، ثم يقوم ، فيخطب ، ثم يجلس ، فلا يتكلم ، ويقوم ، فيخطب } ، انتهى والعمري فيه مقال .

                                                                                                        { حديث آخر } مرسل : أخرجه أبو داود في " مراسيله " من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب ، قال : بلغنا { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبدأ ، فيجلس على المنبر ، فإذا سكت المؤذن ، قام ، فخطب الخطبة الأولى ، ثم جلس شيئا يسيرا ، ثم قام ، فخطب الخطبة الثانية ، حتى إذا قضاها استغفر الله ، ثم نزل ، فصلى }.

                                                                                                        قال ابن شهاب : { وكان إذا قام أخذ عصا ، فتوكأ عليها ، وهو قائم على المنبر } ، ثم كان أبو بكر الصديق وعمر وعثمان يفعلون ذلك . انتهى .

                                                                                                        وفي هذا المرسل ، وفي الحديث قبله جلوسه عليه السلام على المنبر قبل الخطبة ، وليس ذلك في غيرهما ، وكل منهما يقوي الآخر . قوله : ويخطب قائما على الطهارة ، لأن القيام فيها متوارث ، قلت : تقدم في [ ص: 237 ] الأحاديث المذكورة ما فيه كفاية . قوله : عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : الحمد لله ، فارتج عليه ، فنزل ، وصلى ، قلت : غريب ، واشتهر في الكتب أنه قال على المنبر : الحمد لله ، فارتج عليه ، فقال : إن أبا بكر . وعمر كانا يعدان لهذا المكان مقالا ، فإنكم إلى إمام فعال ، أحوج منكم إلى إمام قوال ، وستأتي الخطبة بعد هذا ، والسلام ، وذكره الإمام القاسم بن ثابت السرقسطي في " كتاب غريب الحديث " من غير سند ، فقال : روي عن عثمان أنه صعد المنبر ، فارتج عليه ، فقال : الحمد لله ، إن أول كل مركب صعب ، وإن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا ، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل ، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها ، ويعلم الله ، إن شاء الله ، قال : يقال ارتج على فلان ، إذا أراد قولا ، فلم يصل إلى إتمامه . انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية