الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 300 - 302 ] فصل في الغسل ( وإذا أرادوا غسله وضعوه على سرير ) لينصب الماء عنه ( وجعلوا على عورته خرقة ) إقامة لواجب الستر ، ويكتفي بستر العورة الغليظة ، هو الصحيح ، تيسيرا ( ونزعوا ثيابه ) ليمكنهم التنظيف ( ووضوءه من غير مضمضة واستنشاق ) لأن الوضوء سنة الاغتسال ، غير أن إخراج الماء منه متعذر فيتركان ( ثم يفيضون الماء عليه ) اعتبارا بحال الحياة ( ويجمر سريره وترا ) لما فيه من تعظيم الميت ، وإنما يوتر لقوله صلى الله عليه وسلم { إن الله وتر يحب الوتر }( ويغلى الماء بالسدر أو بالحرض ) مبالغة في التنظيف ( فإن لم يكن فالماء القراح ) لحصول أصل المقصود ( ويغسل رأسه ولحيته بالخطمي ) ليكون أنظف له ( ثم يضجع على شقه الأيسر فيغسل بالماء والسدر حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه ، ثم يضجع على شقه الأيمن فيغسل حتى يرى أن الماء قد وصل إلى ما يلي التخت منه ) ; لأن السنة هو البداءة بالميامن ( ثم يجلسه ويسنده إليه ، ويمسح بطنه مسحا رفيقا ) تحرزا عن تلويث الكفن ( فإن خرج منه شيء غسله ، ولا يعيد غسله ولا وضوءه ) . [ ص: 303 ] لأن الغسل عرفناه بالنص ، وقد حصل مرة .

                                                                                                        ( ثم ينشفه بثوب ) كي لا تبتل أكفانه

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        فصل في الغسل الحديث الثاني : قال عليه الصلاة والسلام : { إن الله وتر يحب الوتر } ، قلت : روي من حديث أبي هريرة ، ومن حديث علي ، ومن حديث ابن عمر ، ومن حديث الخدري فحديث أبي هريرة : أخرجه البخاري ومسلم في " الذكر والدعاء " عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن لله تسعة وتسعين اسما ، مائة [ ص: 303 ] إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة ، إنه وتر يحب الوتر }. انتهى وحديث علي : أخرجه أصحاب السنن الأربعة في " الصلاة " عن عاصم بن ضمرة عن علي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يا أهل القرآن أوتروا ، فإن الله وتر يحب الوتر }انتهى ورواه أحمد في " مسنده " وابن خزيمة في " صحيحه " .

                                                                                                        وقال الترمذي : حديث حسن انتهى وحديث ابن عمر : رواه البزار في " مسنده " حدثنا يحيى بن ورد بن عبد الله ثنا أبي ثنا عدي بن الفضل ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا : { إن الله وتر يحب الوتر }. انتهى وسكت عنه .

                                                                                                        وحديث الخدري : رواه البزار أيضا : حدثنا عمرو بن علي ثنا يحيى بن سعيد ثنا محمد بن عمر ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن الخدري مرفوعا ، نحوه ، وفيه قصة قوله : لأن الغسل عرفناه بالنص ، قلت : روى الحاكم في " المستدرك " من طريق ابن إسحاق عن محمد بن ذكوان عن الحسن عن أبي بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كان آدم عليه الصلاة والسلام رجلا أشعر طوالا ، آدم ، كأنه نخلة سحوق ، فلما حضره الموت ، نزلت الملائكة بحنوطه ، وكفنه من الجنة ، فلما مات غسلوه بالماء ، والسدر ثلاثا ، وجعلوا في الثالثة كافورا ، وكفنوه في وتر ثياب ، وحفروا له لحدا ، وصلوا عليه ، وقالوا : هذه سنة ولد آدم من بعده }. انتهى . وسكت عنه ، ثم أخرجه عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب مرفوعا ، نحوه ، وفيه : فقالوا : يا بني آدم ، هذه سنتكم من بعده ، فكذاكم فافعلوا ، وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ; لأن عتي بن ضمرة ليس له راو غير الحسن . انتهى .

                                                                                                        وضعف النووي في " الخلاصة " الأول [ ص: 304 ] وذكر النووي في " الخلاصة في باب حديث الذي وقصته راحلته " أخرجاه عن ابن عباس ، وفيه : اغسلوه بماء وسدر ، الحديث ، وحديث أم عطية { أنه عليه السلام ، قال لهن في حق ابنته : اغسلنها ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا }رواه الجماعة ، وحديث أخرجه أبو داود عن محمد بن سيرين أنه كان يأخذ الغسل عن أم عطية ، يغسل بالسدر مرتين ، والثالثة بالماء والكافور ، قال : وإسناده على شرط البخاري ومسلم . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه البيهقي في " المعرفة " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني بكر بن محمد الصيرفي ثنا عبد الصمد بن الفضل ثنا عبد الله بن يزيد المقري ثنا سعيد بن أبي أيوب عن شرحبيل بن شريك عن علي بن أبي رباح ، قال : سمعت أبا رافع ، يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من غسل ميتا ، فكتم عليه غفر له أربعون كبيرة ، ومن كفنه كساه الله من السندس والإستبرق ، ومن حفر له قبرا حتى يجنه ، فكأنما أسكنه مسكنا حتى يبعث }. انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه " حدثنا هارون بن ملول المصري ثنا عبد الله بن يزيد المقري به سندا ومتنا ، ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرط مسلم ( حديث آخر ) : أخرجه أبو حفص بن شاهين في " كتاب الجنائز " ، عن حماد بن عمرو الضبي عن السري بن خالد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن { علي بن أبي طالب ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي غسل الموتى ، فإنه من غسل ميتا غفر له سبعون مغفرة ، لو قسمت مغفرة منها على جميع الخلائق لوسعتهم ، قلت : يا رسول الله ، ما يقول من يغسل ميتا ؟ قال : يقول : غفرانك يا رحمن ، حتى يفرغ من الغسل }انتهى وأخرجه ابن ماجه في " سننه " عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي مرفوعا { من غسل ميتا ، وحنطه ، وحمله وصلى عليه ، ولم يفش عليه ما رأى ، خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه }. انتهى .

                                                                                                        وعمرو بن خالد هذا متهم بالوضع ، وقد غسل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشرف المخلوقين ، وأمر [ ص: 305 ] بتغسيل ابنته ، وغسل أبو بكر بعده ، والناس يتوارثون خلفا عن سلف ، ولم ينقل عن أحد من المسلمين أنه مات ، فدفن من غير غسل إلا الشهداء ، وأما قول الشيخ جلال الدين الخبازي في " حواشيه " : وقوله : لأن الغسل عرفناه بالنص ، ورد { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : للمسلم على المسلم ثمانية حقوق ، وذكر منها غسل الميت } ، فهذا حديث ما عرفته ، ولا وجدته ، والذي وجدناه من هذا النوع ما أخرجاه في " الصحيحين " عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس }. انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لهما : خمس يجب للمسلم على أخيه ، وفي لفظ لمسلم : حق المسلم على المسلم ست ، فزاد : وإذا استنصحك فانصح له ، وروى أبو القاسم الأصبهاني في " كتاب الترغيب والترهيب " من حديث أبي محمد القاسم بن محمد بن جعفر حدثني أبي عن أبيه محمد بن عبد الله عن أبيه عمر عن أبيه علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { للمسلم على أخيه المسلم ثلاثون حقا ، لا براءة له منها ، إلا بالأداء أو العفو : يغفر له زلته ويرحم عترته ويستر عورته ويقيل عثرته ويقبل معذرته ويرد غيبته ويديم نصيحته ويحفظ خلته ويرعى ذمته ويعود مرضه ويشهد ميتته ويشمت عطسته ويرشد ضالته ويرد سلامه ويطيب كلامه ويبر إنعامه ويصدق إقسامه وينصره ظالما أو مظلوما ويواليه ، ولا يعاديه ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ، ويكره له من الشر ما يكره لنفسه ، وإن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا حتى العطسة ، يدع تشميته عليها ، فيطالبه يوم القيامة ، فيقضى له بها عليه }. انتهى .

                                                                                                        قوله : لأن السنة هي البداية بالميامن ، قلت : فيه حديث عائشة { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في كل شيء ، حتى في تنعله وترجله } ، رواه الجماعة وحديث أم عطية رواه الجماعة أيضا ، واللفظ للبخاري ، قالت : { لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لنا ونحن نغسلها : ابدءوا بميامنها ، ومواضع الوضوء منها }. انتهى وابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه هي : زينب زوج أبي العاص ، وهي أكبر بناته ، وهو مصرح به في لفظ لمسلم عن { أم [ ص: 306 ] عطية ، قالت : لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لنا عليه السلام : اغسلنها وترا } ، الحديث .

                                                                                                        وقد جاء في " سنن " أبي داود و " مسند " أحمد وتاريخ البخاري الوسط " أنها أم كلثوم ، أخرجوه عن ابن إسحاق حدثني نوح بن حكيم الثقفي عن رجل من بني عروة بن مسعود الثقفي ، يقال له : داود ، قد ولدته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن { ليلى بنت قانف الثقفية ، قالت : كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها ، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقو ، ثم الدرع ، ثم الخمار ، ثم الملحفة ، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر ، قالت : ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند الباب ، معه كفنها ، يناولناها ثوبا ثوبا }. انتهى .

                                                                                                        قال المنذري في " مختصره " : فيه محمد بن إسحاق ، وفيه من ليس بمشهور ، والصحيح أن هذه القصة في زينب ، لأن أم كلثوم توفيت ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب ببدر . انتهى . قال ابن القطان في " كتابه " : ونوح بن حكيم رجل مجهول ، لم تثبت عدالته ، فأما الرجل الذي يقال له : داود ، فلا يدرى من هو ، فإن داود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي ، رجل معروف ، يروي عن عثمان بن أبي العاص وابن عمر وسعيد بن المسيب ، وروى عنه ابن جريج ويعقوب بن عطاء ، وقيس بن سعيد وغيرهم ، وهو مكي ثقة ، قاله أبو زرعة ، ولا يجزم القول بأنه هو ، وموجب التوقف في ذلك أنه وصف في الإسناد ، بأنه ولدته أم حبيبة ، وأم حبيبة كان لها بنت واحدة قدمت بها من أرض الحبشة ، ولدتها من زوجها عبيد الله بن جحش بن رئاب ، المفتتن بدين النصرانية ، المتوفى هنالك ، واسم هذه البنت : حبيبة ، فلو كان زوج حبيبة هذه أبا عاصم بن عروة بن مسعود أمكن أن يقال : إن داود المذكور ابنه منها ، فهو حينئذ لأم حبيبة ، وهذا شيء لم ينقل ، بل المنقول خلافه ، وهو أن زوج حبيبة هذه ، هو داود بن عروة بن مسعود ، كذا قال أبو علي بن السكن وغيره ، فداود الذي لأم حبيبة عليه ولادة ، ليس داود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود ، إذ ليس أبو عاصم زوجا لحبيبة ، ولا هو بداود بن عروة بن مسعود الذي هو زوج حبيبة ، فإنه لا ولادة لأم حبيبة عليه ، والله أعلم من هو فالحديث من أجله ضعيف . انتهى .

                                                                                                        قلت : يبقى على هذا حديث رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا [ ص: 307 ] عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن محمد بن سيرين عن { أم عطية ، قالت : دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نغسل ابنته أم كلثوم ، فقال : اغسلنها ثلاثا ، أو خمسا ، أو أكثر من ذلك ، إن رأيتن ذلك ، بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا ، فإذا فرغتن ، فآذنني ، فلما فرغنا آذناه ، فألقى إلينا حقوه ، وقال : أشعرنها إياه }. انتهى وهذا سند صحيح ، رجاله مخرج لهم في الكتب ، وفي " كتاب الصحابة " لابن الأثير ، قال : زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكبر بناته ، وأمها خديجة بنت خويلد ، توفيت في السنة الثامنة ، ونزل عليه السلام في قبرها ، وأختها أم كلثوم شقيقتها ، توفيت سنة تسع ، وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي غسلتها أم عطية ، وحكت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اغسلنها ثلاثا ، أو خمسا }انتهى كلامه وهذا يقوي ما ذكره .




                                                                                                        الخدمات العلمية