الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 329 - 332 ] ( وإذا مات الكافر وله ولي مسلم فإنه يغسله ويكفنه ويدفنه ) بذلك أمر علي رضي الله عنه في حق أبيه أبي طالب لكن يغسل غسل الثوب النجس ، ويلف في خرقة ، وتحفر حفيرة من غير مراعاة سنة التكفين واللحد ، ولا يوضع فيها ، بلى يلقى .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الحادي عشر : قال المصنف رحمه الله : وإن مات الكافر ، وله ولي مسلم [ ص: 333 ] يغسله ويكفنه ويدفنه ، بذلك أمر علي رضي الله عنه في حق أبيه أبي طالب ، قلت : أخرجه أبو داود والنسائي عن سفيان عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن { علي ، قال : لما مات أبوه أبو طالب ، قال : انطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : إن عمك الشيخ الضال ، قد مات ، قال : اذهب فوار أباك ، ثم لا تحدثن شيئا حتى تأتيني ، فذهبت فواريته ، وجئته ، فأمرني ، فاغتسلت ، ودعا لي }. انتهى ورواه أحمد وإسحاق بن راهويه وابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار في " مسانيدهم " ، وليس في الحديث الغسل والكفن ، إلا أن يؤخذ ذلك من مفهوم قوله : فأمرني ، فاغتسلت ، فإن الاغتسال شرع من غسل الميت ، ولم يشرع من دفنه ، ولم يستدل به البيهقي وغيره من الشافعية ، إلا على الاغتسال من غسل الميت ، مع أنه قد جاء مصرحا به في بعض الأحاديث ، فروى ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا محمد بن عمر الواقدي حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن { علي ، قال : لما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بموت أبي طالب بكى ، ثم قال لي : اذهب فغسله ، وكفنه ، وواره ، قال : ففعلت ، ثم أتيته ، فقال لي : اذهب فاغتسل ، قال : وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر له أياما ، ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } }الآية . انتهى .

                                                                                                        وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " الحديث بسند السنن ، قال : إن عمك الشيخ الكافر قد مات ، فما ترى فيه ؟ قال : أرى أن تغسله ، وتجنه ، وأمره بالغسل . انتهى وروى أبو يعلى الموصلي في " مسنده " من طريق السدي عن أبي عبد الرحمن السلمي عن { علي ، قال : لما توفي أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : إن عمك الشيخ الضال قد مات ، قال : اذهب فواره ، ولا تحدث شيئا حتى تأتيني ، قال : فواريته ، ثم أتيته ، قال : اذهب فاغتسل ، فاغتسلت ، ثم أتيته ، فدعا لي بدعوات ما يسرني [ ص: 334 ] أن لي بها حمر النعم أو سودها }.

                                                                                                        قال : وكان علي إذا غسل ميتا اغتسل . انتهى .

                                                                                                        ورواه الشافعي وأبو داود الطيالسي وابن راهويه في " مسانيدهم " عن شعبة عن أبي إسحاق به ، بلفظ السنن ، زاد الشافعي فيه : فقلت : يا رسول الله إنه مات مشركا ، قال : اذهب فواره ، ومن طريق الشافعي ، رواه البيهقي في " سننه الوسطى " ، ثم قال : وناجية بن كعب لا يعلم روى عنه غير أبي إسحاق ، قال ابن المديني وغيره من الحفاظ . انتهى وروى البيهقي في " سننه " حديث علي هذا من طرق ، وقال : إنه حديث باطل ، وأسانيده كلها ضعيفة ، وبعضها منكر ، وأما حديث أبي هريرة مرفوعا : { من غسل ميتا ، فليغتسل ، ومن حمله ، فليتوضأ } ، فقد رواه أبو داود والترمذي ، وحسنه ، وضعفه ، الجمهور ، وبسط البيهقي القول في طرقه ، وقال : الصحيح وقفه ، قال : قال الترمذي ، عن البخاري ، عن أحمد بن حنبل وابن المديني ، قالا : لا يصح في هذا الباب شيء .

                                                                                                        وقال محمد بن يحيى الذهلي ، شيخ البخاري : لا أعلم فيه حديثا ثابتا ، وقال ابن المنذر : ليس فيه حديث ثابت ، وأما حديث عائشة { أنه عليه الصلاة والسلام كان يغتسل من الجنابة ويوم الجمعة ومن الحجامة وغسل الميت } ، فرواه أبو داود بسند ضعيف ، والله أعلم .

                                                                                                        واستدل ابن الجوزي في " التحقيق " للإمام أحمد في منعه المسلم غسل قريبه الكافر ودفنه ، بحديث أخرجه الدارقطني في " سننه " ، عن أبي معشر عن محمد بن كعب بن مالك القرظي عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه ، قال : { جاء ثابت بن قيس بن شماس ، فقال : يا رسول الله إن أمي توفيت ، وهي نصرانية ، وإني أحب أن أحضرها ، فقال له عليه السلام : اركب دابتك ، وسر أمامها ، فإنك إذا كنت أمامها لم تكن معها }. انتهى وهذا مع ضعفه ليس فيه حجة ، كما تراه ، ثم استدل لخصومه بحديث أبي طالب ، وأجاب بأنه كان في ابتداء الإسلام ، وهذا أيضا ممنوع ، والله أعلم .



                                                                                                        أحاديث الصلاة على الغائب : فيه حديث النجاشي ، أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وخرج بهم إلى [ ص: 335 ] المصلى ، فصف بهم ، وكبر أربعا . انتهى وأخرجاه عن جابر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكنت في الصف الثاني أو الثالث . انتهى ولأصحابنا عنه أجوبة : أحدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع له سريره ، فرآه ، فتكون الصلاة عليه ، كميت رآه الإمام ، ولا يراه المأمومون . قال الشيخ تقي الدين : وهذا يحتاج إلى نقل يثبته ، ولا يكتفى فيه بمجرد الاحتمال . انتهى . قلت : ورد ما يدل على ذلك ، فروى ابن حبان في " صحيحه " في النوع الحادي والأربعين ، من القسم الخامس ، من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن أخاكم النجاشي توفي ، فقوموا صلوا عليه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفوا خلفه ، فكبر أربعا } ، وهم لا يظنون إلا أن جنازته بين يديه .

                                                                                                        الثاني : أنه من باب الضرورة ; لأنه مات بأرض لم يقم فيها عليه فريضة الصلاة ، فتعين فرض الصلاة عليه لعدم من يصلي عليه ثم ، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على غائب غيره ، وقد مات من الصحابة خلق كثير ، وهم غائبون عنه ، وسمع بهم فلم يصل عليهم ، إلا غائبا واحدا ورد أنه طويت له الأرض حتى حضره ، وهو معاوية بن معاوية المزني ، روى حديثه الطبراني في " معجمه الوسط " و " كتاب مسند الشاميين " حدثنا علي بن سعيد الرازي ثنا نوح بن عمرو بن حوي السكسك ثنا بقية بن الوليد عن محمد بن زياد الألهاني عن { أبي أمامة ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك ، فنزل عليه جبرائيل ، فقال : يا رسول الله ، إن معاوية بن معاوية المزني مات بالمدينة ، أتحب أن أطوي لك الأرض فتصلي عليه ؟ قال : نعم ، فضرب بجناحه على الأرض ، فرفع له سريره ، فصلى عليه ، وخلفه صفان من الملائكة ، في كل صف سبعون ألف ملك ، ثم رجع ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجبرائيل : بم أدرك هذا ؟ قال : بحب سورة { قل هو الله أحد } ، وقراءته إياها جائيا ، وذاهبا ، وقائما ، وقاعدا ، وعلى كل حال }. انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن سعد في " الطبقات في ترجمة معاوية بن معاوية المزني " ، قال : ويقال : الليثي من حديث أنس ، فقال : أخبرنا يزيد بن هارون ثنا العلاء أبو محمد الثقفي ، سمعت أنس بن مالك ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر [ ص: 336 ] نحوه ، أخبرنا عثمان بن الهيثم البصري ثنا محبوب بن هلال المزني عن ابن أبي ميمونة عن أنس ، فذكر نحوه ، وبسند ابن سعد الأول رواه البيهقي ، وضعفه ، قال النووي في " الخلاصة " : والعلاء هذا ابن زيد ، ويقال : ابن يزيد ، اتفقوا على ضعفه ، قال البخاري : وابن عدي وأبو حاتم هو منكر ، قال البيهقي : وروي من طريق أخرى ضعيفة .

                                                                                                        وغائبان آخران ، وهما : زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ، ورد أنه أيضا كشف له عنهما أخرجه الواقدي في " كتاب المغازي " فقال : حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة حدثني عبد الجبار بن عمارة عن عبد الله بن أبي بكر ، قال : { لما التقى الناس بمؤتة ، جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، وكشف له ما بينه وبين الشام ، فهو ينظر إلى معركتهم ، فقال عليه السلام : أخذ الراية زيد بن حارثة ، فمضى حتى استشهد ، وصلى عليه ، ودعا له ، وقال : استغفروا له ، وقد دخل الجنة ، وهو يسعى ، ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب ، فمضى حتى استشهد ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعا له ، وقال : استغفروا له ، وقد دخل الجنة ، فهو يطير فيها بجناحين حيث شاء } ، مختصر ، وهو مرسل من الطريقين المذكورين .



                                                                                                        أحاديث رفع اليدين في التكبيرة الأولى . حديث : أخرجه الترمذي في " كتابه " عن يحيى بن يعلى عن أبي فروة يزيد بن سنان عن زيد بن أبي شيبة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة رفع يديه في أول تكبيرة ، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى }. انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . انتهى وأعله ابن القطان في " كتابه " بأبي فروة ، ونقل تضعيفه عن أحمد والنسائي وابن معين والعقيلي ، قال : ففيه علة أخرى ، وهو أن يحيى بن يعلى الراوي عن أبي فروة ، وهو أبو زكريا القطواني الأسلمي ، هكذا صرح به عند الدارقطني ، وهو ضعيف ، ولهم آخر في طبقته " يكنى أبا المحيا " ذاك ثقة ، وليس هو هذا . انتهى .

                                                                                                        قلت : قال ابن حبان في أبي فروة : كثير الخطأ ، لا يعجبني الاحتجاج به إذا وافق الثقات ، فكيف إذا انفرد ، ثم نقل عن ابن معين أنه قال : ليس بشيء .

                                                                                                        [ ص: 337 ] حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن الفضل بن السكن ثنا هشام بن يوسف ثنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ، ثم لا يعود انتهى ، وسكت عنه . لكن أعله العقيلي في " كتابه " بالفضل بن السكن ، وقال : إنه مجهول . انتهى ولم أجده في ضعفاء ابن حبان .

                                                                                                        { حديث آخر } : يعارض ما تقدم أخرجه الدارقطني في " علله " عن عمر بن شيبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأ يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أن النبي عليه السلام كان إذا صلى على الجنازة رفع يديه في كل تكبيرة ، وإذا انصرف سلم . انتهى قال الدارقطني : هكذا رفعه عمر بن شيبة ، وخالفه جماعة ، فرووه عن يزيد بن هارون موقوفا ، وهو الصواب انتهى ولم يرو البخاري في كتابه " المفرد في رفع اليدين " شيئا في هذا الباب ، إلا حديثا موقوفا على ابن عمر ، وحديثا موقوفا على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم ، والله أعلم

                                                                                                        .



                                                                                                        الخدمات العلمية