الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 439 - 446 ] فصل في العروض

                                                                                                        ( الزكاة واجبة في ) ( عروض التجارة ) ( كائنة ما كانت ، إذا بلغت قيمتها نصابا من الورق أو الذهب ) لقوله عليه الصلاة والسلام فيها { يقومها فيؤدي من كل مائتي درهم خمسة دراهم }ولأنها معدة للاستنماء بإعداد العبد ، فأشبه المعد بإعداد الشرع ، وتشترط نية التجارة ليثبت الإعداد . ثم قال : ( يقومها بما هو أنفع للمساكين ) احتياطا لحق الفقراء ، قال رضي الله عنه : وهذا رواية عن أبي حنيفة رحمه الله ، وفي الأصل خيره ; لأن الثمنين في تقدير قيم الأشياء بهما سواء ، وتفسير الأنفع أن يقومها بما يبلغ نصابا . [ ص: 447 ] وعن أبي يوسف أنه يقومها بما اشترى إن كان الثمن من النقود لأنه أبلغ في معرفة المالية ، وإن اشتراها بغير النقود قومها بالنقد الغالب .

                                                                                                        وعن محمد رحمه الله أنه يقومها بالنقد الغالب على كل حال ، كما في المغصوب والمستهلك . ( وإذا كان النصاب كاملا في طرفي الحول فنقصانه فيما بين ذلك لا يسقط الزكاة ) لأنه يشق اعتبار الكمال في أثنائه ، أما لا بد منه في ابتدائه للانعقاد وتحقق الغنى ، وفي انتهائه للوجوب ، ولا كذلك فيما بين ذلك لأنه حالة البقاء ، بخلاف ما لو هلك الكل حيث يبطل حكم الحول ولا تجب الزكاة لانعدام النصاب في الجملة ، ولا كذلك في المسألة الأولى ; لأن بعض النصاب باق ، فيبقى الانعقاد .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        فصل في العروض

                                                                                                        الحديث الخامس والعشرون : قال عليه السلام : { يقومها يعني عروض التجارة فيؤدي من كل مائة درهم خمسة دراهم } ، قلت : حديث غريب ، وفي الباب أحاديث مرفوعة ، وموقوفة ، فمن المرفوعة ما أخرجه أبو داود في " سننه " عن جعفر بن سعد [ ص: 447 ] حدثنا خبيب بن سليمان عن أبيه عن سمرة بن جندب { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع }انتهى . سكت عنه أبو داود ، ثم المنذري بعده ، وقال عبد الحق في " أحكامه " : خبيب هذا ليس بمشهور ، ولا نعلم روى عنه إلا جعفر بن سعد ، وليس جعفر ممن يعتمد عليه انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان في " كتابه " [ ص: 448 ] متعقبا على عبد الحق ، فذكر في " كتاب الجهاد " : حديث { من كتم غالا فهو مثله } ، وسكت عنه من رواية جعفر بن سعد هذا عن خبيب بن سليمان عن أبيه ، فهو منه تصحيح . انتهى .

                                                                                                        وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : وسليمان بن سمرة بن جندب لم يعرف ابن أبي حاتم بحاله ، وذكر أنه روى عنه ربيعة ، وابنه خبيب . انتهى كلامه . وقال أبو عمر بن عبد البر وقد ذكر هذا الحديث : رواه أبو داود ، وغيره بإسناد حسن . انتهى .

                                                                                                        ورواه الدارقطني في " سننه " ، والطبراني في " معجمه " به عن سمرة . قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالرقيق ، الرجل والمرأة الذي هو تلاده ، وهم عملة لا يريد بيعهم ، أن لا يخرج عنهم الصدقة ، وكان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع }. انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الحاكم في " المستدرك " عن سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ثنا عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البز أو تبر صدقته ، ومن رفع دراهم ، أو دنانير ، أو فضة ، لا يعدها لغريم ، ولا ينفقها في سبيل الله ، فهو كنز يكوى به يوم القيامة }.

                                                                                                        وقال الحاكم : تابعه ابن جريج عن عمران بن أبي أنس ، ثم أخرجه كذلك عن زهير بن حرب عن محمد بن بكر عن ابن جريج به ، وقال : كلا الإسنادين صحيحان على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه انتهى .

                                                                                                        وفيه نظر ، فإن الترمذي رواه في " كتاب العلل الكبير " حدثنا يحيى بن موسى ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج به ، ثم قال : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث ، فقال ابن جريج : لم يسمع من عمران بن أبي أنس ، هو يقول : حدثت عن عمران بن أنس . انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " : ابن جريج مدلس ، لم يقل : حدثنا عمران ، فالحديث منقطع ، ثم نقل كلام الترمذي ، وقال الشيخ في " الإمام " : كلا الإسنادين يرجع إلى عمران بن أبي أنس ، وهو مذكور فيمن انفرد به مسلم ، فكيف يكون على شرطهما ؟ . انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الله بن معاوية عن محمد بن بكر به ، وأخرجه [ ص: 449 ] أيضا عن موسى بن عبيدة عن عمران بن أبي أنس به ، وفي آخره : { وفي البز صدقة } ، قالها بالزاي . انتهى بحروفه . قال ابن القطان في " كتابه " : الأول : فيه عبد الله بن معاوية ، ولا يعرف حاله . والثاني : فيه موسى بن عبيدة الربذي ، وهو ضعيف . انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ في " الإمام " : فقد رواه محمد بن بكر يحيى بن موسى البلخي المعروف ببخت وهو ثقة ، كما رواه الترمذي في " العلل " فلم يبق فيه إلا الانقطاع الذي ذكره البخاري ، والله أعلم . قلت : ورواه أحمد في " مسنده " حدثنا محمد بن بكر به ، وهذا فات الشيخ .

                                                                                                        وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : وقد ذكر سندي الدارقطني : الإسناد الذي فيه عبد الله بن معاوية أصلح من إسناد موسى بن عبيدة ، مع أن عبد الله بن معاوية ضعفه البخاري ، والنسائي . ولكن موسى بن عبيدة أشد ضعفا منه ، قال أحمد : لا يحل عندي الرواية عنه .

                                                                                                        وتعقبه صاحب " التنقيح " فقال : عبد الله بن معاوية الذي ضعفه البخاري ، والنسائي : هو عبد الله بن معاوية الزبيري من ولد الزبير بن العوام ، يروي عن هشام بن عروة ، وأما راوي هذا الحديث فهو الجمحي ، وهو صالح الحديث ، وليس كما قال ابن القطان : إنه لا يعرف حاله ، بل هو مشهور ، روى عنه أبو داود ، وابن ماجه ، وغيرهما . انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ رحمه الله في " الإمام " : واعلم أن الأصل الذي نقلت منه هذا الحديث من " كتاب المستدرك " ليس فيه : البز بالزاي المعجمة وفيه ضم الباء في الموضعين ، فيحتاج إلى كشفه من أصل آخر معتبر ، فإن اتفقت الأصول على ضم الباء فلا يكون فيه دليل على مسألة زكاة التجارة . انتهى .

                                                                                                        وهذا فيه نظر ، فقد صرح به في " مسند الدارقطني " قالها بالزاي ، كما تقدم ، وقال النووي في " تهذيب الأسماء واللغات " : هو بالباء والزاي وهي الثياب التي هي أمتعة البزاز ، قال : ومن الناس من صحفه بضم الباء ، وبالراء المهملة وهو غلط . انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ : وسعيد بن سلمة المذكور في " سند الحاكم مديني ، كنيته : أبو عمر ، وأخرج له مسلم في " صحيحه " ، وقد صرح فيه بالتحديث من عمران . انتهى .

                                                                                                        وأما الموقوفة : فمنها ما رواه مالك في " الموطأ " عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حبان ، وكان على جوار مصر في زمان الوليد ، وسليمان ، وعمر بن عبد العزيز ، فذكر أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه [ ص: 450 ] كتب إليه أن انظر من مر بك من المسلمين ، فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارة ، من كل أربعين دينارا ، فما نقص فبحساب ذلك ، حتى يبلغ عشرين دينارا ، فإن نقصت ثلث دينار ، فدعها ، ولا تأخذ منها شيئا ، ومن مر بك من أهل الذمة ، فخذ مما يديرون من التجارة من كل عشرين دينارا دينارا ، فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير ، فإن نقصت ثلث دينار ، فدعها ، ولا تأخذ منها شيئا ، واكتب لهم بما تأخذ منهم كتابا ، إلى مثله من الحول . انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ في " الإمام " : زريق هذا مختلف في تقديم الزاي فيه على الراء وبالعكس ، فقيل : إن أهل مصر ، والشام يقدمون الزاي ، وأهل العراق يقدمون الراء ، قال أبو عبيد : وأهل مصر ، والشام أعلم به ، وذكره الدارقطني ، وعبد الغني بتقديم الراء وزريق لقلب له ، واسمه : سعيد ، وكنيته : أبو المقدام . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى أحمد في " مسنده " ، وعبد الرزاق في " مصنفه " ، والدارقطني في " سننه " من حديث يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه ، أنه قال : كنت أبيع الأدم والجعاب ، فمر بي عمر بن الخطاب ، فقال : أد صدقة مالك ، فقلت : يا أمير المؤمنين إنما هو في الأدم ، قال : قومه ، ثم أخرج صدقته ، ورواه الشافعي عن سفيان ثنا ابن عجلان عن أبي الزناد عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه ، فذكره .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : في كل مال يدار في عبيد ، أو دواب ، أو بز للتجارة ، تدار الزكاة فيه كل عام . انتهى .

                                                                                                        وأخرج عن عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم ، قالوا : في العروض تدار الزكاة كل عام ، لا يؤخذ منها الزكاة حتى يأتي ذلك الشهر عام قابل . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى البيهقي من طريق أحمد بن حنبل رضي الله عنهما ثنا حفص بن غياث [ ص: 451 ] ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : ليس في العروض زكاة ، إلا ما كان للتجارة . انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية