الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( ولو احتجم وظن أن ذلك يفطره ثم أكل متعمدا عليه القضاء والكفارة ) لأن الظن ما استند إلى دليل شرعي ، وإلا إذا أفتاه فقيه بالفساد ، لأن الفتوى دليل شرعي في حقه ، ولو بلغه الحديث فاعتمده فكذلك عند محمد رحمه الله ، لأن قول الرسول عليه الصلاة والسلام [ ص: 43 ] لا ينزل عن قول المفتي . وعن أبي يوسف رحمه الله خلاف ذلك ، لأن على العامي الاقتداء بالفقهاء لعدم الاهتداء في حقه إلى معرفة الأحاديث ، وإن عرف تأويله تجب الكفارة لانتفاء الشبهة ، وقول الأوزاعي [ ص: 44 ] رحمه الله لا يورث الشبهة لمخالفته القياس .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : ولو بلغه ، الحديث ، يشير إلى حديث : { أفطر الحاجم والمحجوم }" ، وله طرق :

                                                                                                        حديث ثوبان : رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والنسائي من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على رجل يحتجم في رمضان ، فقال : أفطر الحاجم والمحجوم }" انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، والحاكم في " مستدركه " . وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وذكر النسائي الاختلاف في طرقه ، وصححه أحمد ، وابن المديني ، وغيرهما ، ونقل الحاكم في " المستدرك " عن أحمد أنه قال : هو أصح ما روي في الباب ، انتهى .

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " ، ثم أسند إلى ثوبان أنه قال : إنما قال النبي عليه السلام : { أفطر الحاجم والمحجوم }" انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي في " علله الكبرى " : قال البخاري : ليس في هذا الباب أصح من حديث ثوبان ، وشداد بن أوس ، فذكرت له الاضطراب ، فقال : كلاهما عندي صحيح ، فإن أبا قلابة روى الحديثين جميعا : رواه عن أبي أسماء عن ثوبان . ورواه عن أبي الأشعث عن شداد ، قال الترمذي : وكذلك ذكروا عن ابن المديني أنه قال : [ ص: 43 ] حديث ثوبان ، وحديث شداد صحيحان انتهى .

                                                                                                        حديث شداد بن أوس : رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن { شداد بن أوس أنه مر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الفتح على رجل يحتجم بالبقيع ، لثمان عشرة خلت من رمضان ، فقال : أفطر الحاجم والمحجوم }" انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والعشرين ، من القسم الخامس ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : هو ظاهر الصحة ، وصححه أحمد ، وابن المديني ، وإسحاق بن راهويه ، واستقصى النسائي طرقه والاختلاف فيه في " سننه الكبرى " وقد روى مسلم في " صحيحه " بهذا الإسناد حديث : { إن الله كتب الإحسان على كل شيء } ، ونقل الحاكم في " المستدرك " عن ابن راهويه ، أنه قال : إسناده صحيح تقوم به الحجة ، ونقل عن بعض الرواة أنه زاد فيه : والمستحجم .

                                                                                                        حديث رافع بن خديج : رواه الترمذي من طريق عبد الرزاق أنبأ معمر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج عن النبي عليه السلام ، قال : { أفطر الحاجم والمحجوم }" انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، قال : وذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال : هو أصح شيء في هذا الباب ، انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، والحاكم في " مستدركه " ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، ونقل عن أحمد أنه قال : هو أصح شيء في الباب ، ونقل عن ابن المديني أنه قال : لا أعلم في الباب أصح منه ، وفيما قاله نظر ، فإن ابن قارظ انفرد به مسلم قال صاحب " التنقيح " : قال الإمام أحمد في هذا الحديث : تفرد به معمر ، وفيه نظر ، فإن الحاكم رواه من حديث معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير [ ص: 44 ] بإسناد صحيح ، فلم يتفرد به معمر إذا ، والله أعلم . وقال أبو حاتم الرازي : هذا الحديث عندي باطل .

                                                                                                        وقال البخاري : هو غير محفوظ ، وقال إسحاق بن منصور : هو غلط ، وقال يحيى بن معين : هو أضعفها انتهى كلام صاحب " التنقيح " .

                                                                                                        حديث أبي موسى : رواه النسائي من حديث روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن مطر الوراق عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع عن أبي موسى ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { أفطر الحاجم والمحجوم }" انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " مستدركه " ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، وأسند إلى ابن المديني أنه قال فيه : صحيح انتهى .

                                                                                                        قال النسائي : رفعه خطأ وقد وقفه حفص ، ثم أخرجه عن حفص ثنا سعيد بن أبي عروبة به موقوفا ، ثم أخرجه من حديث حميد عن بكر عن أبي العالية موقوفا عليه وقال صاحب " التنقيح " : قال أحمد بن حنبل : حديث بكر عن أبي رافع عن أبي موسى خطأ ، لم يرفعه أحد ، إنما هو بكر عن أبي العالية .

                                                                                                        حديث معقل بن سنان : رواه النسائي من حديث محمد بن فضيل عن عطاء ، قال : شهد عندي نفر من أهل البصرة : منهم الحسن عن { معقل بن سنان الأشجعي ، أنه قال : مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أحتجم في ثمان عشرة من رمضان ، فقال : أفطر الحاجم والمحجوم }انتهى . ثم أخرجه من حديث سليمان بن معاذ عن عطاء بن السائب به ، وقال معقل بن يسار : ثم قال : وعطاء بن السائب كان قد اختلط ، ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث عنه غير هذين ، على اختلافهما عليه فيه انتهى . وفيما قاله نظر ، فإن أحمد رواه في " مسنده " من حديث عمار بن زريق عن عطاء بن السائب به ، سواء ، وفي " كتاب العلل " للترمذي ، قلت لمحمد بن إسماعيل : حديث الحسن عن معقل بن يسار أصح أو معقل بن سنان ؟ فقال : معقل بن يسار أصح ، ولم يعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب ، وقال صاحب " التنقيح " : قال علي بن المديني : رواه بعضهم عن عطاء بن السائب عن الحسن عن معقل بن سنان الأشجعي ، ورواه بعضهم عن عطاء عن الحسن عن معقل بن يسار ، ورواه بعضهم عن الحسن عن أسامة ، ورواه بعضهم عن الحسن عن علي ، ورواه بعضهم عن الحسن عن أبي هريرة ، ورواه التيمي ، فأثبت روايتهم جميعا ، والحسن [ ص: 45 ] لم يسمع من عامة هؤلاء ، ولا لقيه عندنا منهم ثوبان ، ومعقل بن سنان ، وأسامة ، وعلي ، وأبو هريرة ، انتهى .

                                                                                                        حديث أسامة بن زيد : رواه النسائي من حديث أشعث بن عبد الملك عن الحسن عن أسامة بن زيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أفطر الحاجم والمحجوم }" انتهى . ثم قال : لا نعلم تابع أشعث على روايته أحد .

                                                                                                        حديث بلال : رواه النسائي من حديث أبي العلاء أيوب بن مسكين ، ويقال : ابن أبي مسكين عن قتادة عن شهر بن حوشب عن بلال مرفوعا ، كما تقدم . ثم قال : خالفه همام ، فرواه عن قتادة عن شهر عن ثوبان ، ثم أخرجه كذلك ، ثم قال : خالفهما سعيد بن أبي عروبة ، فرواه عن شهر ، فأدخل بينه وبين ثوبان عبد الرحمن بن غنم ، ثم أخرجه كذلك ، ثم قال : خالفهم بكير بن أبي السميط ، فرواه عن قتادة عن سالم عن مقداد بن أبي طلحة عن ثوبان ، ثم أخرجه كذلك ، ثم قال : خالفهم الليث بن سعد ، فرواه عن قتادة عن الحسن عن ثوبان ، ثم أخرجه كذلك ، ثم قال : ما علمت أحدا تابع الليث ، ولا بكير بن أبي السميط على روايتهما ، والله أعلم انتهى .

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " ، وقال : إن بلالا مات في خلافة عمر ، ولم يدركه شهر انتهى .

                                                                                                        حديث علي : رواه النسائي أيضا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن علي مرفوعا نحوه ، ثم قال : وقفه أبو العلاء عن قتادة به موقوفا ، ثم قال : ورواه سعيد بن أبي عروبة ، واختلف عليه فيه ، فرواه يزيد بن أبي ذريع عن أبي عروبة عن مطر عن الحسن عن علي عن النبي عليه السلام ، ورواه عبد الأعلى عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن ، فوقفه على علي ، ثم أخرجهما كذلك ، ورواه البزار في " مسنده " ، وقال : جميع ما يرويه الحسن عن علي مرسل ، وإنما يروي عن قيس بن عباد ، وغيره عن علي .

                                                                                                        حديث عائشة : رواه النسائي أيضا من حديث شيبان عن ليث عن عطاء عن عائشة مرفوعا نحوه ، وليث هو ابن أبي سليم ، متكلم فيه ، وقد اختلف عليه فيه ، فرواه شيبان عنه مرفوعا ، كما ذكرناه ، ورواه عبد الواحد بن زياد عنه فوقفه ، رواه النسائي [ ص: 46 ] كذلك أيضا .

                                                                                                        حديث أبي هريرة : رواه النسائي أيضا ، وابن ماجه من حديث عبد الله بن بشر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا ، قال النسائي : وقفه إبراهيم بن طهمان ، ثم أخرجه عن إبراهيم بن طهمان عن الأعمش به موقوفا ، ثم رواه من طريق ابن المبارك أنا معمر عن خلاد عن شقيق بن ثور عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال : يقال : { أفطر الحاجم والمحجوم }" ، وأما أنا فلو احتجمت ما باليت أبو هريرة يقول ذلك ، قال النسائي : ورواه عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة ، واختلف عليه فيه ، فرواه محمد بن عبد الله الأنصاري ، وداود بن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا ، ثم أخرج حديثهما ، ثم قال : وقفه عبد الرزاق ، والنضر بن شميل عن ابن جريج ، ثم أخرج حديثهما ، قال النسائي : وعطاء لم يسمعه من أبي هريرة ، أخبرني إبراهيم بن الحسن عن الحجاج عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة ، ولم يسمعه منه ، قال : { أفطر الحاجم والمحجوم }" ، قال : وخالفه ابن أبي حسين ، فرواه عن عطاء ، قال : سمعت أبا هريرة يقول : " أفطر الحاجم والمحجوم " ، قال : والصواب رواية حجاج عن ابن جريج ، لمتابعة عمرو بن دينار إياه على ذلك ، ثم أخرجه عن عمرو بن دينار عن عطاء عن رجل عن أبي هريرة ، قال : ورواه خالد بن عبد الله عن ابن جريج ، فجعله من قول عطاء ، ثم أخرجه كذلك ورواه النسائي أيضا من حديث الحسن عن أبي هريرة مرفوعا ، والحسن لم يسمع من أبي هريرة على الصحيح قال البزار في " مسنده في آخر ترجمة سعيد بن المسيب " عن أبي هريرة : روى الحسن عن أبي هريرة أحاديث ، ولم يسمع منه وقال الحاكم في " مستدركه في كتاب البيوع " بعد أن روى حديث الحسن عن أبي هريرة مرفوعا : " { ليأتين على الناس زمان لا يبقى فيه أحد إلا أكل الربا ، فمن لم يأكل أصابه من غباره }" ، اختلف أئمتنا في سماع الحسن من أبي هريرة ، فإن صح سماعه ، فالحديث صحيح ، انتهى . وقال عبد الحق في " أحكامه " : لم يصح سماع الحسن من أبي هريرة ، ووافقه ابن القطان على ذلك ، وقال الترمذي في " فضائل القرآن من جامعه في حديث الحسن عن أبي هريرة : { من قرأ حم الدخان في ليلة جمعة غفر له }" : الحسن لم يسمع من أبي هريرة انتهى . مع أني وجدت هذا الحديث في مسند أبي يعلى الموصلي عن الحسن ، قال : سمعت أبا هريرة ، والله أعلم . [ ص: 47 ] قال النسائي : وقد رواه عن الحسن عن أبي هريرة أبو حرة ، ويونس بن عبيد ، واختلف عليهما فيه ، فرواه عبد الرحمن عنه به مرفوعا ، وخالفه بشر بن السري ، وأبو قطن ، فروياه عنه به موقوفا ، ثم أخرج أحاديثهم ورواه عبد الوهاب عن يونس بن عبيد عن الحسن به مرفوعا ، وخالفه بشر بن المفضل ، فرواه عن يونس من قول الحسن ، ثم أخرج حديثهما كذلك ، والله أعلم .

                                                                                                        حديث ابن عباس : رواه النسائي من حديث قبيصة ثنا [ فطر ] عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا نحوه ، وزاد فيه : " والمستحجم " ، ثم قال : خالفه محمد بن يوسف فأرسله ، ثم أخرجه من حديث محمد بن يوسف ثنا فطر عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ورواه البيهقي عن قبيصة به مسندا ، وقال : هكذا رواه جماعة عن قبيصة ، ورواه محمود بن غيلان عن قبيصة أنه حدثه في " كتابه " عن فطر عن عطاء عن النبي عليه السلام مرسلا ، وهو المحفوظ . وذكر ابن عباس فيه وهم انتهى . قال النسائي : وقد روي عن ابن عباس أنه كان لا يرى بالحجامة للصائم بأسا ، ثم أخرج عن الضحاك عن ابن عباس أنه لم يكن يرى بالحجامة للصائم بأسا انتهى .

                                                                                                        حديث الحسن عن سمرة : رواه الطبراني في " معجمه " .

                                                                                                        حديث أنس : في مسند البزار من رواية قتادة عنه .

                                                                                                        حديث جابر : في مسند البزار ، وأخرج الطبراني في " معجمه الأوسط " عن سلام أبي المنذر عن مطر الوراق عن عطاء عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { أفطر الحاجم والمحجوم }" ، انتهى .

                                                                                                        وقال : لم يروه عن مطر إلا سلام أبو المنذر انتهى .

                                                                                                        حديث ابن عمر : رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث الحسن بن أبي جعفر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أفطر الحاجم والمحجوم }" انتهى .

                                                                                                        وأعله بالحسن هذا ، وجعله من منكراته ، وقال : لا أعلمه يرويه كذلك غيره ، وهو عندي ممن لا يتعمد الكذب ، ولكنه يهم ويغلط انتهى . ورواه كذلك الطبراني [ ص: 48 ] في " معجمه الأوسط " .

                                                                                                        حديث سعد بن مالك : رواه ابن عدي أيضا من حديث داود بن الزبرقان عن محمد بن جحادة عن عبد الأعلى عن مصعب بن سعد بن مالك عن أبيه مرفوعا نحوه ، ورواه الطبراني في " الجزء الذي جمعه من أحاديث محمد بن جحادة " وهو جزء لطيف ، جملته خمس عشرة ورقة : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري ثنا الحسن بن عمر بن شقيق حدثنا داود بن الزبرقان عن محمد بن جحادة به حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا إسماعيل بن زرارة الرقي ثنا داود بن الزبرقان عن محمد بن جحادة عن يونس بن الحصيب عن مصعب به .

                                                                                                        حديث أبي زيد الأنصاري : رواه ابن عدي أيضا من حديث داود بن الزبرقان ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي زيد الأنصاري مرفوعا نحوه ، وأعله ، والذي قبله : بداود بن الزبرقان ، وضعفه عن النسائي ، وابن معين قال : وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم .

                                                                                                        حديث ابن مسعود : رواه العقيلي في " ضعفائه " حدثنا أحمد بن داود بن موسى بصري ثنا معاوية بن عطاء ثنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود قال : { مر النبي عليه السلام على رجلين يحجم أحدهما الآخر ، فاغتاب أحدهما ، ولم ينكر عليه الآخر ، فقال : أفطر الحاجم والمحجوم }" ، قال عبد الله : لا للحجامة ، ولكن للغيبة انتهى .



                                                                                                        أحاديث الخصوم : روى البخاري في " صحيحه " من حديث عكرمة عن ابن عباس { أن النبي عليه السلام احتجم وهو محرم ، واحتجم وهو صائم }انتهى .

                                                                                                        ورواه الترمذي من حديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس مقتصرا على : { احتجم وهو صائم } ، وقال : حديث صحيح انتهى . قال صاحب " التنقيح " : حديث ابن عباس روي على أربعة أوجه : أحدها : { احتجم وهو محرم }" والثاني : { احتجم وهو صائم }" . والثالث : { احتجم وهو صائم محرم }" . والرابع : { احتجم وهو محرم ، واحتجم وهو صائم }" ، وهذا الرابع انفرد به البخاري ، فأما احتجامه وهو محرم ، فمجمع على صحته ، وأما [ ص: 49 ] احتجامه وهو صائم ، فصححه البخاري ، والترمذي ، وغيرهما ، وضعفه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن سعيد القطان ، وغيرهما ، قال : سألت أحمد بن حنبل عن حديث ابن عباس أن النبي عليه السلام احتجم وهو صائم محرم ، فقال : ليس فيه : صائم ، إنما هو محرم ، قلت : من ذكره ؟ قال سفيان بن عيينة : عن عمرو بن دينار عن عطاء ، وطاوس عن ابن عباس { أنه عليه السلام احتجم وهو محرم } ، وكذلك رواه روح عن زكريا بن إسحاق عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس مثله ، وكذلك رواه عبد الرزاق عن معمر عن ابن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، مثله قال أحمد : فهؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياما ، وقال شعبة : لم يسمع الحكم حديث مقسم في الحجامة للصائم ، وأجيب عن حديث ابن عباس على تقدير صحته ، فإنه عليه السلام إنما احتجم صائما وهو محرم ، ولم يكن محرما إلا وهو مسافر ، قال الحاكم في " مستدركه " سمعت أبا بكر محمد بن جعفر المزكى يقول : سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة وهو إمام أهل الحديث في عصره يقول : ثبتت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أفطر الحاجم والمحجوم }" ، واحتج من خالفنا بأنه عليه السلام احتجم وهو صائم محرم ، وليس فيه حجة ، لأنه عليه السلام إنما احتجم وهو صائم محرم ، ولم يكن قط محرما إلا وهو مسافر ، والمسافر يباح له الإفطار انتهى .

                                                                                                        ولفظ البخاري ربما يدفع هذا التأويل ، لأنه فرق بين الخبرين ، فقال : احتجم وهو محرم ، واحتجم وهو صائم ، فلينظر في ذلك ، والله أعلم . وقال ابن حبان في " صحيحه " بعد أن روى حديث ثوبان : وحديث شداد ، وحديث رافع ، كما تقدم ، وحديث ابن عباس : { أنه عليه السلام احتجم وهو صائم محرم }لا يعارض هذه الأحاديث ، لأنه عليه السلام لم يكن قط محرما إلا وهو مسافر ، والمسافر يباح له الإفطار ، وروي من حديث أبي الزبير عن جابر { أن النبي عليه السلام أمر أبا طيبة أن يأتيه مع غيبوبة الشمس ، فأمره أن يضع المحاجم مع إفطار الصائم ، فحجمه ، ثم سأله ، فقال : كم خراجك ؟ قال : صاعان ، فوضع النبي عليه السلام عنه صاعا }انتهى . وكأن ابن حبان احتج بهذا الحديث أنه عليه السلام إنما احتجم وقت الإفطار ، فكان [ ص: 50 ] مفطرا بالحجامة ، فلا ينهض الاستدلال بحديث ابن عباس ، والله أعلم . وهذا لا يصلح جوابا ثانيا عن حديث ابن عباس ، وهو غير ناجح لمن يتأمله ، ومن الخصوم من ادعى نسخ أحاديث : { أفطر الحاجم والمحجوم } ، بحديث ابن عباس ، ونقل ذلك البيهقي عن الشافعي في " كتاب المعرفة " ، فقال : قال الشافعي : وسماع ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، ولم يكن يومئذ محرما ، ولم يصحبه محرما قبل حجة الإسلام ، فذكر ابن عباس حجامة النبي عليه السلام عام حجة الإسلام ، سنة عشر ، وحديث : { أفطر الحاجم والمحجوم }" في الفتح ، سنة ثمان ، قبل حجة الإسلام بسنتين ، فإن كانا ثابتين ، فحديث ابن عباس ناسخ لحديث : { أفطر الحاجم } ، وقال بعض من روى : أفطر الحاجم : إنه عليه السلام مر بهما ، وهما يغتابان رجلا ، والفطر في الحديث محمول على سقوط الأجر ، كما روى : { من ترك العصر فقد حبط عمله } ، تفرد به البخاري عن بريدة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله }" انتهى .

                                                                                                        أي سقط أجره ، وكما روي : { أن رجلا تكلم في الجمعة ، فقال له بعض الصحابة : لا جمعة لك ، فقال النبي عليه السلام : صدق }" أي سقط أجرك بدليل أنه عليه السلام لم يأمره بالإعادة انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } للخصوم : روى البخاري في " صحيحه " من حديث ثابت { أنه سأل أنس بن مالك ، أكنتم تكرهون الحجامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، إلا من أجل الضعف }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : دال على النسخ ، روى الدارقطني في " سننه " من حديث خالد بن مخلد عن عبد الله بن المثنى عن ثابت عن أنس ، قال : { أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم ، فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أفطر هذان ثم رخص النبي عليه السلام بعد في الحجامة للصائم } ، وكان أنس يحتجم ، وهو صائم انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : كلهم ثقات ، ولا أعلم له علة انتهى . قال صاحب " التنقيح " : هذا حديث منكر ، لا يصح الاحتجاج به ، لأنه شاذ الإسناد والمتن ، وكيف يكون هذا الحديث صحيحا سالما من الشذوذ ، والعلة ، ولم يخرجه أحد من أصحاب [ ص: 51 ] الكتب الستة ، ولا هو في المصنفات المشهورة ، ولا في السنن المأثورة ، ولا في المسانيد المعروفة ، وهم يحتاجون إليه أشد احتياج ، ولا نعرف أحدا رواه في الدنيا إلا الدارقطني ، رواه عن البغوي عن عثمان بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد به ، وكل من رواه بعد الدارقطني إنما رواه من طريقه ، ولو كان معروفا لرواه الناس في " كتبهم " ، وخصوصا الأمهات " كمسند " أحمد ، " ومصنف " ابن أبي شيبة ، " ومعجم " الطبراني ، وغيرهما ، ثم إن خالد بن مخلد القطواني ، وعبد الله بن المثنى ، وإن كانا من رجال الصحيح ، فقد تكلم فيهما غير واحد من الأئمة ، قال أحمد بن حنبل في خالد : له أحاديث مناكير ، وقال ابن سعد : منكر الحديث ، مفرط التشيع ، وقال السعدي : كان معلنا بسوء مذهبه ، ومشاه ابن عدي ، فقال : هو عندي إن شاء الله لا بأس به . وأما ابن المثنى ، فقال أبو عبيد الآجري : سألت أبا داود عن عبد الله بن المثنى الأنصاري ، فقال : لا أخرج حديثه ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وقال : ربما أخطأ ، وقال الساجي : فيه ضعف ، لم يكن صاحب حديث ، وقال الموصلي : روى مناكير ، وذكره العقيلي في " الضعفاء " ، وقال : لا يتابع على أكثر حديثه ، ثم قال : حدثنا الحسين الدارع ثنا أبو داود سمعت أبا سلمة يقول : ثنا عبد الله بن المثنى ، وكان ضعيفا منكر الحديث .

                                                                                                        وأصحاب الصحيح إذا رووا لمن تكلم فيه ، فإنهم يدعون من حديثه ما تفرد به ، وينتقون ما وافق فيه الثقات ، وقامت شواهده عندهم ، وأيضا فقد خالف عبد الله بن المثنى في رواية هذا الحديث عن ثابت أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج ، فرواه بخلافه ، كما هو في " صحيح البخاري " ، ثم لو سلم صحة هذا الحديث لم يكن فيه حجة ، لأن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قتل في غزوة مؤتة ، وهي قبل الفتح ، وحديث : { أفطر الحاجم والمحجوم }كان عام الفتح ، بعد قتل جعفر بن أبي طالب انتهى كلام " صاحب التنقيح " .

                                                                                                        { حديث آخر } دال على النسخ ، روى النسائي في " سننه " عن إسحاق بن راهويه حدثنا معتمر بن سليمان سمعت حميدا الطويل يحدث عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للصائم ، ورخص في الحجامة [ ص: 52 ] للصائم } ، ثم أخرجه عن إسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان بسند الطبراني ومتنه ، ثم أخرجه عن ابن المبارك عن خالد الحذاء به موقوفا ، وهذا الحديث ، استدل به الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ " على نسخ حديث : { أفطر الحاجم } ، قال : لأن ظاهر الرخصة يقتضي تقدم النهي ، انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا محمود بن محمد الواسطي ثنا يحيى بن داود الواسطي ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري { أن النبي عليه السلام رخص في الحجامة للصائم }انتهى .

                                                                                                        وقال : لم يروه عن سفيان ، إلا إسحاق الأزرق قال الترمذي في " علله الكبرى " : حديث إسحاق الأزرق هذا خطأ ، إنما هو موقوف ، حدثنا إبراهيم بن سعيد ثنا ابن علية عن حميد الطويل عن أبي المتوكل عن أبي سعيد . قوله : ولم يرفعه ، وهذا أصح انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } للخصوم : { ثلاث لا يفطرن الصائم }. وسيأتي الكلام عليه مستوفى إن شاء الله تعالى .

                                                                                                        { حديث آخر } دال على النسخ ، لم أر أحدا تعرض له ، رواه الطبراني في " معجمه الوسيط " ، فقال : حدثنا محمود بن المروزي ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ثنا أبي ثنا أبو حمزة العسكري عن أبي سفيان عن أبي قلابة عن أنس { أن النبي عليه السلام احتجم بعدما قال : أفطر الحاجم والمحجوم }انتهى .

                                                                                                        ثم قال : لم يروه عن أبي قلابة إلا أبو سفيان السعدي ، واسمه : طريف ، تفرد به أبو حمزة العسكري انتهى . وينظر في إسناده .

                                                                                                        وبالجملة فهذا الحديث أعني حديث : { أفطر الحاجم }روي من طرق كثيرة ، وبأسانيد مختلفة كثيرة الاضطراب ، وهي إلى الضعف أقرب منه إلى الصحة ، مع عدم سلامته من معارض أصح منه ، أو ناسخ له ، والإمام أحمد الذي يذهب إليه ، ويقول به لم يلتزم صحته ، وإنما الذي نقل عنه ، كما رواه ابن عدي في " الكامل في ترجمة سليمان الأشدق " بإسناده إلى أحمد بن حنبل أنه قال : أحاديث : أفطر الحاجم والمحجوم يشد [ ص: 53 ] بعضها بعضا ، وأنا أذهب إليها ، فلو كان عنده منها شيء صحيح لوقف عنده ، وقوله : أصح ما في هذا الباب حديث رافع ، لا يقتضي صحته ، بل معناه أنه أقل ضعفا من غيره وقال صاحب " التنقيح " : وقد ضعف يحيى بن معين هذا الحديث ، وقال : إنه حديث مضطرب ، ليس فيه حديث يثبت ، قال : ولما بلغ أحمد بن حنبل هذا الكلام ، قال : إن هذا مجازفة ، وقال إسحاق بن راهويه : هو ثابت من خمسة أوجه .

                                                                                                        وقال بعض الحفاظ : إنه متواتر ، قال : وليس ما قاله ببعيد ، ومن أراد معرفة ذلك فلينظر " مسند أحمد " ، " ومعجم الطبراني " ، " والسنن الكبير للنسائي " انتهى كلامه .




                                                                                                        الخدمات العلمية