الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وصفة القران أن يهل بالعمرة والحج معا من الميقات ، ويقول [ ص: 205 ] عقيب الصلاة اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني ) ; لأن القران هو الجمع بين الحج والعمرة من قولك : قرنت الشيء بالشيء إذا جمعت بينهما ، وكذا إذا أدخل حجة على عمرة قبل أن يطوف لها أربعة أشواط ; لأن الجمع قد تحقق إذ الأكثر منها قائم ، ومتى عزم على أدائهما يسأل التيسير فيهما وقدم العمرة على الحج فيه ; ولذلك يقول : لبيك بعمرة وحجة معا ; لأنه يبدأ بأفعال العمرة ، فكذلك يبدأ بذكرها وإن أخر ذلك في الدعاء والتلبية لا بأس به ; لأن الواو للجمع ; ولو نوى بقلبه ولم يذكرهما في التلبية أجزأه اعتبارا بالصلاة .

                                                                                                        ( فإذا دخل مكة ابتدأ فطاف بالبيت سبعة أشواط يرمل في الثلاث الأول منها ويسعى بعدها بين الصفا والمروة وهذه أفعال العمرة ، ثم يبدأ بأفعال الحج فيطوف طواف القدوم سبعة أشواط ويسعى بعده كما بينا في المفرد ويقدم أفعال العمرة ) لقوله تعالى: { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج }والقران في معنى المتعة ( ولا يحلق بين العمرة والحج ) ; لأن ذلك جناية على إحرام الحج ، وإنما يحلق في يوم النحر كما يحلق المفرد ويتحلل بالحلق عندنا لا بالذبح كما يتحلل المفرد ثم هذا مذهبنا .

                                                                                                        وقال الشافعي رحمه الله : يطوف طوافا واحدا ويسعى سعيا واحدا لقوله عليه الصلاة والسلام { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة }ولأن مبنى القران على التداخل حتى اكتفي فيه بتلبية واحدة وسفر واحد وحلق واحد فكذلك في الأركان . [ ص: 206 - 209 ] ولنا أنه لما طاف صبي بن معبد طوافين وسعى سعيين قال له عمر رضي الله عنه : هديت لسنة نبيك ، ولأن القران ضم عبادة إلى عبادة وذلك إنما يتحقق بأداء عمل كل واحد على الكمال ولأنه لا تداخل في العبادات المقصودة والسفر للتوسل والتلبية للتحريم ، والحلق للتحلل فليس هذه الأشياء بمقاصد بخلاف الأركان ، ألا ترى أن شفعي التطوع لا يتداخلان وبتحريمة واحدة يؤديان ، ومعنى ما رواه { دخل وقت العمرة في وقت الحج }.

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : قال عليه السلام : " { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة }; [ ص: 205 ] قلت : أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي عليه السلام أنه قال : { هذه عمرة استمتعنا بها ، فمن لم يكن عنده هدي فليحل الحل كله ، وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن ، ومعناه أنه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج انتهى .

                                                                                                        وقال أبو داود : هذا حديث منكر ، إنما هو قول ابن عباس ، قال المنذري : وفيما قاله نظر ، فقد رواه أحمد بن حنبل ، ومحمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، وعثمان بن أبي شيبة عن محمد بن جعفر عن شيبة مرفوعا ، ورواه أيضا يزيد بن هارون ، ومعاذ بن معاذ العنبري ، وأبو داود الطيالسي ، وعمر بن مرزوق عن شيبة مرفوعا ، وتقصير من قصر من الرواة لا يؤثر فيما أثبته الحافظ ، [ ص: 206 ] والله أعلم .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه النسائي حدثنا محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن { سراقة بن جعشم ، قال : يا رسول الله ، رأيت عمرتنا هذه ، لعامنا أم للأبد ؟ فقال : لا ، بل للأبد ، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن ماجه عن مسعر عن عبد الملك به ; قال في " الإمام " : قال شيخنا المنذري : هو حديث حسن ، وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن أبي الزبير عن جابر عن سراقة ، فذكره ; قال الدارقطني : رواته كلهم ثقات ، انتهى .

                                                                                                        والمصنف احتج بهذا الحديث للشافعي أن القارن يطوف طوافا واحدا ، ويسعى سعيا واحدا يعني أن العبادتين تتداخلان ; وفي حديث جابر الطويل { أنه عليه السلام لما طاف وسعى بين الصفا والمروة ; قال : إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ، ولجعلتها عمرة ، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة ، فقال سراقة بن جعشم : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فشبك عليه السلام أصابعه واحدة في الأخرى ، وقال : دخلت العمرة في الحج مرتين لا ، بل للأبد }.

                                                                                                        أحاديث الباب : أخرج البخاري ، ومسلم عن الليث عن نافع { عن ابن عمر ، أنه أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير ، فقيل له : إن الناس كائن بينهم قتال ، وإنا نخاف أن يصدوك ، فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة إذا أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء ، قال : ما شأن الحج والعمرة إلا واحد ، أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي ، وأهدى هديا اشتراه بقديد ، فلم ينحر ، ولم يحل من شيء حرم منه ، ولم يحلق ، ولم يقصر حتى كان يوم النحر ، فنحر ، وحلق ، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، وقال ابن عمر : كذلك فعل رسول الله }صلى الله عليه وسلم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجاه في " الصحيحين " أيضا عن الزهري عن عروة عن { عائشة ، [ ص: 207 ] قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، وأهللنا بعمرة ، ثم قال : من كان معه هدي فليحل بالحج والعمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما ، فطاف الذين أهلوا بالعمرة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر ، بعد أن رجعوا من منى ، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة ، فإنما طافوا طوافا واحدا }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم { عن عائشة أنها حاضت بسرف ، فتطهرت بعرفة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجزئ عنك طوافك : بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك } ، انتهى . وفي سماع مجاهد من عائشة كلام ، تقدم في الحديث الخامس والثمانين من " الحج " .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الترمذي ، وابن ماجه عن الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد ، وسعي واحد حتى يحل منهما جميعا }; ورواه أحمد ، ولفظه : { من قرن بين حجة وعمرة أجزأه بهما طواف واحد }انتهى . قال الترمذي : حديث حسن غريب ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه عن ليث بن أبي سليم حدثني عطاء ، وطاوس ، ومجاهد عن جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس { أن النبي عليه السلام لم يطف هو وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا لعمرتهم وحجتهم }انتهى .

                                                                                                        قال في " التنقيح " : قال البرقاني : سألت الدارقطني عن ليث بن أبي سليم ، فقال : صاحب سنة يخرج حديثه ، وإنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء ، وطاوس ، ومجاهد فحسب انتهى .

                                                                                                        وقال ابن سعد في " الطبقات " : كان رجلا صالحا ، إلا أنه ضعيف الحديث ، يقال : إنه [ ص: 208 ] كان يسأل عطاء ، وطاوسا عن شيء فيختلفون فيه ، فيرويه باتفاقهم من غير تعمد لذلك انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الدارقطني حدثنا البغوي حدثنا داود بن عمرو ثنا منصور بن أبي الأسود عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف طوافا واحدا لحجه وعمرته }قال في " التنقيح " : إسناده صحيح ، فإن عبد الملك صدوق ، روى له مسلم ; ومنصور ، وثقه ابن معين ، وغيره ، وهو شيعي ، وداود من شيوخ مسلم انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الترمذي عن حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن جابر { أن النبي عليه السلام قرن بين الحج والعمرة ، فطاف لهما طوافا واحدا }انتهى والحجاج ضعيف ، وأخرجه الدارقطني عن الربيع بن صبيح عن عطاء عن جابر ، قال : { ما طاف لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا طوافا واحدا ، وسعيا واحدا لحجة وعمرة }انتهى . والربيع ضعيف .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن علي بن عاصم : ثنا أبي عن حصين بن عبد الرحمن ، قال : قال لي منصور : حدثتني أنت يا حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه طافوا لحجتهم وعمرتهم طوافا واحدا }انتهى .

                                                                                                        قال ابن الجوزي : وعلي بن عاصم ضعيف ، قال في " التنقيح " ; هكذا وجدته في نسختين صحيحتين ، والصواب عاصم بن علي ، والله أعلم .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد { أن النبي عليه السلام جمع بين الحج والعمرة ، فطاف لهما بالبيت طوافا واحدا ، وبالصفا والمروة طوافا واحدا }انتهى .

                                                                                                        قال ابن الجوزي : وابن أبي ليلى هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهو ضعيف ، قال في " التنقيح " : وعطية أضعف منه . [ ص: 209 ] الحديث الرابع : روي أن صبي بن معبد لما طاف طوافين ، وسعى سعيين قال له عمر : هديت لسنة نبيك ; قلت : هذا الحديث لم يقع هكذا ، فقد أخرجه أبو داود ، والنسائي عن منصور ، وابن ماجه عن الأعمش ، كلاهما عن أبي وائل عن الصبي بن معبد التغلبي ، قال : أهللت بهما معا ، فقال عمر : هديت لسنة نبيك انتهى .

                                                                                                        وذكر بعضهم فيه قصة ; ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع العاشر ، من القسم الخامس ، وأحمد ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو داود الطيالسي ، وابن أبي شيبة في " مسانيدهم " ، وقال الدارقطني في " كتاب العلل " : وحديث الصبي بن معبد هذا حديث صحيح ، وأصحه إسنادا حديث منصور عن الأعمش عن أبي وائل عن الصبي عن عمر .




                                                                                                        الخدمات العلمية