الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 57 ] باب الأذان

وصفته معروفة ولا ترجيع فيه ، والإقامة مثله ( ف ) ، ويزيد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين ، وهما سنتان للصلوات الخمس والجمعة ، يزيد في أذان الفجر بعد الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين ، ويرتل الأذان ، ويحدر الإقامة ، ويستقبل بهما القبلة ، ويجعل إصبعيه في أذنيه ويحول وجهه يمينا وشمالا بالصلاة والفلاح ، ويجلس بين الأذان والإقامة إلا في المغرب ، ويكره التلحين في الأذان ، وإذا قال حي على الصلاة قام الإمام والجماعة ، وإذا قال قد قامت الصلاة كبروا ، وإذا كان الإمام غائبا أو هو المؤذن لا يقومون حتى يحضر ، ويؤذن للفائتة ويقيم ، ولا يؤذن لصلاة قبل وقتها ، ولا يتكلم في الأذان والإقامة ، ويؤذن ويقيم على طهارة .

[ ص: 57 ]

التالي السابق


[ ص: 57 ] باب الأذان

وهو في اللغة : مطلق الإعلام ، قال تعالى : ( وأذان من الله ورسوله ) .

وفي الشرع : الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ معلومة مأثورة على صفة مخصوصة ، وهو سنة محكمة .

قال أبو حنيفة في قوم صلوا في المصر بجماعة بغير أذان وإقامة : خالفوا السنة وأثموا ، وقيل هو واجب لقول محمد : لو اجتمع أهل بلد على ترك الأذان لقاتلتهم ، وذلك إنما يكون على الواجب ، والجمع بين القولين أن السنة المؤكدة كالواجب في الإثم بتركها ، وإنما يقاتل على تركه لأنه من خصائص الإسلام وشعائره .

( وصفته معروفة ) وهي : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله . هكذا حكى عبد الله بن زيد بن عبد ربه أذان النازل من السماء ، ووافقه عمر وجماعة من الصحابة ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " علمه بلالا فإنه أندى منك صوتا " وعلمه فكان يؤذن به .

قال : ( ولا ترجيع فيه ) لأن الجماعة الذين رووا أذان النازل من السماء الذي هو أصل الأذان لم يرووا الترجيع ، وأيضا فإنهم قالوا : ثم صبر هنيهة ثم قال مثل ذلك ، وزاد فيه : قد قامت الصلاة مرتين ، ولا ترجيع في الإقامة إجماعا ، وما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - لقن أبا محذورة الأذان وأمره بالترجيع فإنه كان تعليما ، والتعليم غالبا يرجع فيه للحفظ فظنه من الأذان ، والترجيع أن يخفض صوته بالشهادتين أولا ، ثم يرفع بهما صوته .

قال : " والإقامة مثله ، ويزيد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين ) لما روينا ، ولما [ ص: 58 ] روي عن أبي محذورة أنه قال : " علمني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأذان خمس عشرة كلمة ، والإقامة سبع عشرة كلمة " قال أئمة الحديث : أصح ما روي في ذلك حديث أبي محذورة .

قال : ( وهما سنتان للصلوات الخمس والجمعة ) ; لأنه - عليه الصلاة والسلام - واظب عليهما فيها ، ولأن لها أوقاتا معلومة ، وتؤدى في الجماعات فتحتاج إلى الإعلام ولا كذلك غيرها . قال محمد : ومن صلى في بيته بغير أذان ولا إقامة جاز ، وإن فعل فحسن . أما الجواز فروي عن ابن عمر ذلك . وعن ابن مسعود أنه كان يصلي في داره بغير أذان ولا إقامة ويقول : يجزينا أذان المقيمين حولنا وفعله أفضل لأنهما أذكار تتعلق بالصلاة كغيره من الأذكار .

قال : ( ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين ) لما روي : " أن بلالا أتى باب حجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليعلمه بصلاة الفجر وهو راقد ، فقال : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ما أحسن هذا ، اجعله في أذانك " ، وتوارثته الأمة من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا ، ولا تثويب في غير أذان الفجر لقول بلال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا بلال ثوب بالفجر ولا تثوب في غيرها " ، ولأن الفجر وقت نوم وغفلة ولا كذلك غيرها . وعن أبي يوسف : لا بأس بذلك للأمراء ؛ لأن عمر لما ولي الخلافة نصب من يعلمه بأوقات الصلوات; قيل وكذلك القاضي والمفتي وكل من يشتغل بأمور المسلمين ; وقيل في زماننا يثوب في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية ، والتثويب : زيادة الإعلام بين الأذان والإقامة بما يتعارفه أهل كل بلدة .

قال : ( ويرتل الأذان ويحدر الإقامة ) بذلك أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا .

( ويستقبل بهما القبلة ) لحديث النازل من السماء فإنه استقبل بهما القبلة .

[ ص: 59 ] ( ويجعل أصبعيه في أذنيه ) بذلك أمر رسول الله بلالا وقال : " إنه أندى لصوتك " .

( ويحول وجهه يمينا وشمالا بالصلاة والفلاح ) وقدماه مكانهما هكذا نقل من فعل بلال ، ولأنه خطاب للناس فيواجههم به ، وما عدا ذلك تكبير وتهليل .

قال : ( ويجلس بين الأذان والإقامة إلا في المغرب ) وقالا يجلس في المغرب جلسة خفيفة ؛ لأن الفصل بينهما سنة في سائر الصلوات ، إلا أنه يكتفي في المغرب بالجلسة الخفيفة تحرزا عن التأخير . ولأبي حنيفة أن المستحب المبادرة وفي الجلسة التأخير ، والفصل يحصل بالسكوت بينهما مقدار ثلاث آيات ، وهو روايةالحسن عنه ، وكذلك يحصل باختلاف الموقف والنغمة . ( ويكره التلحين في الأذان ) لأنه بدعة .

( وإذا قال حي على الصلاة قام الإمام والجماعة ) إجابة للدعاء .

( وإذا قال قد قامت الصلاة كبروا ) تصديقا له ، إذ هو أمين الشرع . وعن أبي يوسف : لا يكبروا حتى يفرغ ليدرك المؤذن تكبيرة الإحرام .

( وإذا كان الإمام غائبا أو هو المؤذن لا يقومون حتى يحضر ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا تقوموا حتى تروني قمت مقامي " ولأنه لا فائدة في القيام .

( ويؤذن للفائتة ويقيم ) هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فاتته صلاة الصبح ليلة التعريس .

قال : ( ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها ) لأنه شرع للإعلام بالوقت وفي ذلك تضليل ، وإن [ ص: 60 ] أذن أعاد . وقال أبو يوسف : لا يعيد في الفجر خاصة ; لأن بلالا كان يؤذن بليل . ولنا قوله - عليه الصلاة والسلام - لبلال : " لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ومد يده عرضا " ، وأذان بلال لم يكن للصلاة ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إن بلالا يؤذن بليل ليركع قائمكم ، ويوقظ نائمكم ، ويتسحر صائمكم " ، والكلام في الأذان للصلاة .

قال : ( ولا يتكلم في الأذان والإقامة ) ولا يرد السلام لأنه يخل بالتعظيم ويغير النظم .

( ويؤذن ويقيم على طهارة ) لأنه ذكر ، فتستحب فيه الطهارة كالقرآن ، فإذا أذن على غير وضوء جاز لحصول المقصود ويكره ، وقيل لا يكره ، وقيل لا تكره الإقامة أيضا; والصحيح أنها تكره لئلا يفصل بين الإقامة والصلاة ، وإن أذن وأقام على غير وضوء لا يعيد ، ويستحب إعادة أذان الجنب والصبي الذي لا يعقل والمجنون والسكران والمرأة ليقع على الوجه المسنون ، ولا تعاد الإقامة لأن تكرارها غير مشروع ، ويكره الأذان قاعدا لأنه خلاف المتوارث ، وكره أبو حنيفة أن يكون المؤذن فاجرا ، أو يأخذ على الأذان أجرا ، ويستحب أن يكون المؤذن صالحا تقيا عالما بالسنة وأوقات الصلوات ، مواظبا على ذلك ، والله أعلم .




الخدمات العلمية