الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفرض الرابع : غسل اليدين مع المرفقين ، وقيل : لا يجب غسل المرفقين .

                                                                                                                حجة الأول : أن أبا هريرة رضي الله عنه توضأ ، وأدار الماء عليهما ، وقال عند كمال وضوئه : هكذا توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                واختلف العلماء في قوله تعالى : ( إلى المرافق ) فقيل : إلى بمعنى مع ؛ كقوله تبارك وتعالى حكاية عن عيسى ابن مريم عليه السلام : ( من أنصاري إلى الله ) أي مع الله ، وكذلك : ( ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ) ، وقيل : هي [ ص: 256 ] للغاية ، واختلف في الغاية هل تدخل مع المغيا ، أو لا تدخل ، أو يفرق بين ما هو من الجنس فيدخل ، أو من غيره ، فلا يدخل ، أو يفرق بين الغاية المنفصلة بالحس كقوله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) فإن الليل منفصل عن النهار بالحس ، فلا تدخل ، وبين ما لا يكون منفصلا بالحس كالمرافق فيدخل - أربعة أقوال ، هذا خلافهم في الغاية من حيث الجملة .

                                                                                                                ثم اختلفوا في الغاية التي في الآية ، فمنهم من جعلها غاية للمغسول لأنه المذكور في الآية السابق للفهم ، ومنهم من يقول : اليد اسم للعضو ، والمغيا لا بد أن تتقرر حقيقته قبل الغاية ، ثم ينبسط إلى الغاية ، وهاهنا لا تكمل حقيقة المغيا الذي هو غسل اليد إلا بعد الغاية فيستحيل أن يكون غاية له فيتعين أن يكون غاية للمتروك ، ويكون العامل فيها فعلا مضمرا حتى يبقى معنى الآية ، فاغسلوا وجوهكم وأيديكم ، واتركوا من آباطكم إلى المرافق ، والغاية لا تدخل في المغيا على الخلاف ، فتبقى الغاية ، وهي المرافق مع المغسول ، وعلى هذا المأخذ يتخرج الخلاف هناك في الكعبين .

                                                                                                                تنبيهان :

                                                                                                                أحدهما : أن القول بأن إلى غاية للمغسول يقتضي أن لفظ اليد استعمل مجازا في بعضها كآية السرقة ، والقول بأنها غاية المتروك يقتضي أن اليد استعملت حقيقة في كلها لكن يقتضي الإضمار ، وإذا تعارض المجاز ، والإضمار اختلف الأصوليون في أن المجاز أرجح ، أو يستويان ؟

                                                                                                                الثاني : المرفق : يقال بفتح الميم ، وكسر الفاء ، وبكسر الميم ، وفتح الفاء .

                                                                                                                فروع ثمانية :

                                                                                                                الأول : من قطع من الساعد ، أو من المرفقين لا يجب عليه شيء ; لأن القطع يأتي عليها .

                                                                                                                [ ص: 257 ] قال ابن القاسم في الكتاب : والتيمم مثله . قال صاحب الطراز : يريد في استيعاب المرفقين لا في الوجوب ؛ لاختصاص التيمم عندنا بالكوعين .

                                                                                                                الثاني : في الطراز : لو وقع القطع بعد الوضوء ، وقد بقي شيء من المرفقين لم يجب عليه خلافا لمحمد بن جرير الطبري ; لأن موجب الأمر قد حصل قبل القطع .

                                                                                                                الثالث : لو بقيت جلدة متعلقة بالذراع ، أو المرفق . قال صاحب الطراز : يجب غسلها ; لأن أصلها في محل الفرض ، وإن جاوزت إلى العضد لم تجب اعتبارا بأصلها ، وموضع استمداد حياتها ، وإن انقطعت من العضد ، وتعلقت بالمرفق ، أو الذراع وجب غسلها قال : وفيه نظر ; لأن ما لا يجب في أصل خلقته لا يكون واجبا ، ولهذا المعنى يمكن الفرق بين هذا الفرع ، وبين السلعة إذا ظهرت في الذراع .

                                                                                                                الرابع : إذا وجد الأقطع من يوضئه لزمه ذلك ، وإن كان بأجر كما يلزمه شراء الماء ، فإن لم يجد ، وقدر على مس الماء من غير تدلك وجب عليه ذلك ، وسقط عنه المعجوز عنه ، ويحتمل أن يقال : لا يجزئه ; لأن حقيقة الغسل الإمساس مع الدلك ، فإذا فات أحدهما ، فلا غسل ، ويجب عليه مسح وجهه بالأرض ، والأول أظهر ; لأن التيمم لا يجوز لمن يقدر على مس الماء ، واعتبارا بما لا تصل اليد إليه من الظهر .

                                                                                                                الخامس : من طالت أظفاره عن أصابعه كأهل السجن ، وغيرهم قال : وجب عليهم غسل الخارج عن الأصابع ، فإن تركوه خرج على الخلاف فيما طال من شعر الرأس ، واللحية ، أو يفرق بينهما ، فإن الشعر زيادة على العضو ، والظفر منه ; لأن أصله حي بمنزلة العضو ، وإنما فارقته الحياة ؛ لما طال ، فأشبه الأصبع الشلاء .

                                                                                                                [ ص: 258 ] السادس : من له أصبع زائدة في كفه قال : يجب غسلها لأنها من اليد فيتناولها الخطاب ، وكذلك إذا كانت له كف زائدة في ذراعه وجب غسلها تبعا لمحل الفرض قال : وكذلك لو كانت يد زائدة في محل الفرض ، فإن كان أصلها في العضد ، أو المنكب ، ولها مرفق وجب غسلها لمرفقها لتناول الخطاب لها ، وإن لم يكن لها مرفق لم تدخل في الخطاب سواء بلغت أصابعها للمرفق أم لا .

                                                                                                                السابع : قال : في تخليل الأصابع ثلاثة أقوال : وجوبه في اليدين ، واستحبابه في الرجلين لمالك في العتبية ، وابن حبيب ، وعدم الوجوب فيهما لابن شعبان ، وهو ظاهر المذهب ، وروى عنه ابن وهب الرجوع إلى تخليلها .

                                                                                                                ومنشأ الخلاف أمران : هل خلل الأصابع من الباطن فيسقط كداخل الفم ، والأنف ، والعين ، أو من الظاهر فيجب ، وهل محاكتها ، وتدافعها حالة الغسل تقوم مقام الغسل أم لا ؟

                                                                                                                فرع : مرتب : قال بعض العلماء : يبدأ بتخليل الرجلين بخنصر اليمنى لأنه يمنى أصابعها ، ويختم بإبهامها لأنه يسرى أصابعها ، ويبتدئ بإبهام اليسرى لأنه يمنى أصابعها ، ويختم بخنصرها .

                                                                                                                الثامن : قال : في الخاتم ثلاثة أقوال قال مالك في الواضحة : يحركه إن كان ضيقا ، وإلا فلا ، وقال ابن شعبان : يحركه مطلقا ، ولمالك في الموازية لا يحركه مطلقا لأنه يطول لبسه ، فجاز المسح عليه قياسا على الخف .

                                                                                                                قال : وإذا جوزنا المسح عليه ، وكان ضيقا ، فنزعه بعد وضوئه ، ولم يغسل موضعه لم يجزه إلا أن يتيقن إصابة الماء ؛ لما تحته ، وقد علم الاختلاف فيمن توضأ ، وعلى يده خيط من عجين .

                                                                                                                فإن كان الخاتم ذهبا لم يعف عن غسل ما تحته في حق الرجال لتحريمه عليهم ، والحرمة تنافي الرخصة . قال سحنون : لبسه في الصلاة يوجب الإعادة في الوقت .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية