الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                في التنبيهات : قوله يصدق في الاستبراء ظاهره بغير يمين وهو مذهب الموازية ، وفي طلاق السنة بيمين . وقال محمد بن مسلمة : إن اتهم حلف ، وإن نكل لحق به الولد ولا ترد اليمين . وروي عن مالك ، والمغيرة لا يرى نفيه بالاستبراء جملة وقال عبد الملك : لا تستبرأ بأقل من ثلاث حيض . والرجل يتزوج المرأة فيطلقها فيزعم أنه لم يمسها فالطلقة بائنة ، ولا ترجع إليه إلا بعقد جديد فإن ظهر بها حمل فادعاه لحق به وكانت له الرجعة بغير عقد ولا صداق قال التونسي : يصدق في الاستبراء بغير يمين ، قال : وانظر هل تحد الأمة مع إقرار السيد بالوطء فإنه استبراء . والحامل يمكن أن تحيض مع قوله في المطلقة تحيض ثلاث حيض ثم تلد : لا ينتفي الولد إلا باللعان ; لأن الحامل تحيض ، وعنه : لا يلحقه إذا حاضت حيضة مستقيمة ، قال : وهو ضعيف ، قال : فإن قيل : إذا تزوجت زوجا ثانيا بعد حيضة مستقيمة فالولد للثاني إن ولد لستة أشهر ، قيل : الثاني أقوى ; لأن الحيض على الحامل نادر ، وهو من الثاني غالبا فغلب ، وحمله على الولد عند عدم الثاني أولى من إلزامها الزنا ; لأن الشرع طلب الستر فجعل المغيرة الأمة الثانية في ملك الرجل لا ينتفع فيها بالاستبراء ، كما لا ينتفع في الحرة بعد الطلاق بالاستبراء إذا لم تتزوج غيره حتى يمضي ما لا يلحق فيه الولد وهو خمس سنين ، وإذا وطئها ثم استبرأها بحيضة ، ثم ظهر بها حمل قبل ثلاثة أشهر من حين حاضت ، أو تحرك لأقل من أربعة أشهر لزمه الولد ، وحمل على أن الاستبراء وقع مع الحمل ; لأنه لا يمكن أن يظهر الولد لأقل [ ص: 326 ] من ثلاثة أشهر أو يتحرك لأقل من أربعة أشهر ، وقوله : كنت أعتقت هذا العبد في صحتي ، قيل : إنه باطل ، وقيل : إنه من الثلث ، وقيل : إن حمله الثلث جاز وإلا بطل كله ; لأن حمل الثلث له ينفي تهمته إذ لو شاء عينه من الثلث وإن كان عليه دين ، وقال : ولدت مني لم يصدق ، كما لو قال : كنت أعتقت .

                                                                                                                واختلف إذا باعها فقال : ولدت مني ولا ولد معها ، والأشبه أن لا يعتق ; لأنه لا يصدق في العبد فأولى في الأمة ; لأنه يستمتع بها ، قال ابن يونس : إنما سقطت عن السيد اليمين لأنه كدعواها عليه العتق والطلاق ، وكذلك الحدود لا يمين لمدعيها ، ووجه اليمين : أن الحرائر يلزم فيهن اللعان فإن نكل عن اليمين دخله الخلاف إذا شهد واحد بالعتق فنكل أنه يحبس أم لا ، فإنه يحبس هاهنا على ذلك القول حتى يحلف ، وإن أقر بالوطء مع العزل لحقه ما أتت به ، وإن قال : كنت أفخذ ولا أنزل فيها أو أطأ في الفرج ولا أنزل : لم يلحقه الولد ، قال محمد : وإن قال : كنت أطأ في الدبر أو بين الفخذين حمل عليه ، ولحقه ولا لعان له في الحرة ، والفرق بين ولدت مني ، وبين أعتقت في صحتي أن الولادة شأنها الإسرار ، والغالب في العتق الإشهار فلما لم يعلم إلا من قوله في المرض اتهم ولم يكن في الثلث ; لأنه لم يرد الوصية ، وإن كانت في الصحة وأقر بقبض الكتابة في المرض ، وورثه كلالة ، وحمله الثلث ، جاز في أحد قوليه ، والفرق بين ثبوت الكتابة في الصحة ، وإقراره بالكتابة كوصيته بوضع الكتابة ، قال اللخمي : لم يختلف المذهب في تصديقه إذا نفى الوطء كانت رائعة أو من [ ص: 327 ] الوخش ، قال محمد : لا يمين عليه لأنها دعوى عتق ، قال : وأرى اليمين في الرائعة ; لأن العادة تصدقها وللوطء تشترى ، والفرق : أن العتق نادر والوطء غالب ، ولو قيل : لا يصدق في العلي وإن طال المقام لكان وجها ، وإن علم من السيد ميله لذلك الجنس أحلف ، وإن اعترف لوطء وأنكر الولادة ولا ولد معها صدق مع يمينه إن ادعت عليه العلم ، وإن كان غائبا لم يحلف ، وقال عبد الملك : يقبل قولها مات السيد أم هو حي وإن باعها ، فإن شهدت امرأة بالولادة فخلاف أو امرأتان كانت أم ولد عند ابن القاسم ، ومنع سحنون إلا أن يكون معها ولد ، وإن شهد رجلان على إقراره بالوطء وامرأتان بالولادة كانت أم ولد وثبت نسب الولد ، قال محمد : يصدق قولها إذا صدقها جيرانها أو أحد حضرها ، وليس يحضر مثل هذا الثقات ، وإن شهد رجلان على الوطء ولا بينة على الولادة ولا ولد معها لم يقبل عند مالك قولها ، ويختلف إن كان معها ولد ، وإن شهد شاهد على الوطء وامرأتان على الولادة وليس معها ولد وحلف على تكذيب الشاهد فخلاف ، وإن شهد شاهدان على الوطء وامرأة على الولادة حلف على تكذيب شهادة المرأة إن لم يكن معها ولد شهد ، ويختلف إن كان معها ولد هل تصدق ويحلف ، أو يقبل قولها وإن شهد رجل على الوطء وامرأة على الولادة ومعها ولد حلف على تكذيب شاهد الوطء ، وإن لم يكن معها ولد ففي يمينه قولان ، واليمين أحسن ; لأنها أقامت لطخا فإن حلف على تكذيب إحدى الشهادتين لم يحلف للأخرى ، وإن اعترف بالوطء والولادة ولم [ ص: 328 ] يدع الاستبراء فلا يمين إن أتت به لأقل من مدة الحمل أو أكثرها ، إلا أن يختلفا في وقت الإصابة فيصدق مع يمينه ; لأن الأصل بقاء ملكه ، وإن اعترف بالوطء في الدبر أو بين الفخذين فقولان ، وقال محمد : إن كان الموضع يصل منه الماء إلى الفرج لحق به الولد ، وقيل : لا يلحق لأن الماء يفسد بملاقاة الهواء ، قال : والأحسن : اللحوق ; لأن فساده بالهواء مظنون فلا تبطل به الأنساب ، وإن أنزل بين شفري الفرج لحقه قولا واحدا ، وإن قال بعد البيع : ولدت مني : قال مالك : ترد إليه إلا أن يتهم عليها ، وقال أشهب : لا ترد إلا أن يكون معها ولد ، وعن مالك : يصدق في ولدها دونها ; لأن إقراره بالنسب يبعد التهمة فيه بكثرة أحكامه ، ويرد نصيبه من الثمن ، وبه قال ابن القاسم إلا أن يثبت إقراره بالمسيس قبل البيع فترد مع الولد ، وإن كان معدما أتبع بالثمن وبه قال ابن القاسم إلا أن يثبت إقراره بالمسيس قبل البيع فترد مع الولد وإن كان معدما أتبع بالثمن ، وعن ابن القاسم : ترد إليه إلا أن يتهم بالعشق أو بزيادة أو إصلاح حال ما في نفسها وهو موسر ، وإلا لم يقبل قوله لتقرر الولاء ، وعن عبد الملك : إن سمع إقراره بمسيسها قبل بيعها ردت إليه في ملائه وعدمه اتهم أم لا معها ولد أم لا ، عتقت أم لا ، كأم ولد بيعت ، قال : وأرى تصديقه تقدم إقراره بالوطء أم لا ; لأنها إن كانت من العلي فشأنهن الوطء ، أو من الوخش ، فإن ولدهن يكتم خشية المعرة إلا أن يعلم أن له هوى في تلك الأمة ، ويقبل الإقرار بالولد إذا ولد لستة أشهر من يوم ملك أمه ، أقر عند قيام الغرماء أو في مرضه أو ورثه كلالة أو باعه والورثة ولد ، واختلف إذا كان كلالة لم يقبله مالك ، وقبله غيره إذا لم يعلم له نسب لغيره ، قال سحنون : وعليه العمل .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية