الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الثاني : في محلها الذي تجب فيه كاملة أو بعضها ، وقد تقدمت النصوص الدالة على الديات أول الركن الأول . وفي الكتاب في الأنف : الدية ، قطع من المارن أو من أصله ، وفي الحشفة : الدية كما في الذكر ، وفي بعض الحشفة بحساب ما نقص ، ويقاس من الحشفة لا من أصل الذكر ، وما قطع من الأنف يقاس من المارن لا من أصله ; لأن اليد إذا قطعت من الكف تم عقلها ، أو أنملة فبحسابها ، وإن خرم الأنف أو كسر خطأ فبرئ على [ ص: 359 ] غير عثم فلا شيء فيه ، أو على عثم ففيه ( الاجتهاد ، وقال سحنون : ليس فيه اجتهاد ; لأن الأنف إذا قرض فإن برئ على عثم ففيه ) بحسب ما نقص من ديته ، وكل نافذة في عضو إن برئت على غير عثم ( فلا شيء فيه . وإلا فالاجتهاد ، وليس كالموضحة تبرأ على غير عثم ) ففيها ديتها دية مسماة ، بخلاف خرم الأنف ، وفي موضحة الخد عقل الموضحة وليس الأنف ولا اللحي الأسفل من الرأس في جراحهما ; لأنهما عظمان منفردان ، بل الاجتهاد ، وليس فيها سوى الرأس من الجسد إذا وضح عن العظم عقل الموضحة ، وموضحة الرأس أو الوجه إذا برئت على شين زيد في عقلها بقدر الشين ، وعظم الرأس من حيث أصابه فأوضحه فموضحته ونواحيه سواء ، وحد ذلك منتهى الجمجمة ، وأسفل من ذلك من العين لا موضحة فيه ، والموضحة أو المنقلة لا تكون إلا في الوجه والرأس ، وحد الموضحة : ما أفضى إلى العظم ، ولو بقدر إبرة ، والمنقلة : ما أطار فراش العظم وإن صغر ، ولا تكون المأمومة إلا في الرأس ، وهي ما أفضى إلى الدماغ ولو مدخل إبرة ، والجائفة ما أفضى إلى الجوف ولو مدخل إبرة ، وإذا نفذت الجائفة إلى الجانب الآخر فاختلف فيه قول مالك . قال ابن القاسم : وأحب إلي أن يكون فيها ثلث الدية ، وفي اللسان إن قطع من أصله ، أو قطع منه ما منع الكلام : الدية ، وإن لم يمنع من الكلام شيئا : ففيه الاجتهاد بقدر شينه إن شانه ، وإنما الدية في الكلام لا في اللسان كالدية في السمع ، لا في الأذنين ، وفي نقص الحروف فبقدر ذلك ، ولا يعمل في نقص الكلام على عدد [ ص: 360 ] الحروف ، فرب حرف أثقل من حرف في النطق ، لكن بالاجتهاد ، فإن أخذ في الحشفة الدية ، ثم قطع عسيبه ففيه الاجتهاد ، وينتظر بالعقل والقود في الجراح البرء ، فإن طلب تعجيل الدية - إذ لا بد له منها عاش أو مات - لم تجب لذلك ، ولعل أنثييه أو غيرهما تذهب من ذلك ، ولا تعجل دية الموضحة لعله يموت فتكون فيه القسامة ، وكذلك المأمومة توقف للقسامة . قيل لمالك : اللسان يعود يلبث ؟ قال : ينتظر إلى ما يصير إليه ، إن منع الكلام فالدية ، ولا ينتظر القود ، وفي الصلب الدية ، وكذلك إن قعد عن القيام كاليد إذا شلت ، وإن مشى وبرئ على عثم أو على حدب ففيه الاجتهاد ، وإن عاد الصلب فأصيب في الخطأ لا شيء فيه ، وكذلك جميع الخطأ ; لعدم الفوت فلا يجب البدل بخلاف القصاص ; لأنه بدل الألم ، وإن عاد العضو بحاله ، وفي اليدين : المنكب أو الأصابع فقط الدية ، وفي العقل الدية ، وفي الأذن إذا اصطلمت أو شدخت : الاجتهاد ، وفي الأذنين : الدية إذا ذهب السمع اصطلمتا أو بقيتا ، وإن رد السن فنبتت أو دونه فله القود في العمد ، وله العقل في السن في الخطأ ، وفي كل سن خمس من الإبل ، والأضراس والأسنان سواء ، وفي السن السوداء خمس من الإبل كالصحيحة لبقاء المنفعة ، إلا أن يكون يضطرب اضطرابا شديدا ، ففيها الاجتهاد ، وفي السن المأكولة بحساب ما بقي ، وفي جفون العين وأشفارها : الاجتهاد ، وفي حلق الرأس إن لم ينبت : الاجتهاد ، وكذلك اللحية ، ولا قصاص في غير هالك ، وكذلك الحاجبين ، وإن برئ الظفر على عثم ففيه الاجتهاد ، وإن [ ص: 361 ] انخسفت العين أو ابيضت وذهب بصرها وهي قائمة ، ففيها الدية ; لذهاب المنفعة ، وإن نزل ثم برئت رد الدية ، وينظر بالعين سنة فإن مضت السنة وهي منخسفة انتظر برؤها ، ولا يقاد إلا بعد البرء ، وإن سال دمعها انتظرت سنة ، فإن لم يرقأ دمعها فحكومة ، وفي شلل اليد أو الرجل الدية ; لعدم المنفعة ، وفي شلل الأصابع الدية ، وفيها إن قطعت بعد ذلك الحكومة ، ولا قود في عمدها ، وفي الأنثيين إذا أخرجتا أو رضتا : الدية ، وفيهما مع الذكر ديتان ، وإن قطعتا قبل الذكر أو بعده ففيهما الدية ، والبيضة اليمنى واليسرى في كل واحدة : نصف الدية ، وفي كل شفة نصف الدية ، وفي أليتي الرجل والمرأة حكومة ، وفي ثدي الرجل : الاجتهاد ، وفي ثدي المرأة : الدية ; لمنفعتهما . وقطع حلمتيهما وإبطال مخرج اللبن الدية ، فكذلك ثدي الصغيرة إن تيقن ( أنها لا تعود ) وأبطلهما أو شك فيه ، وضعت الدية ، وانتظرت كسن الصبي ، فإن مات قبل أن يعلم الدية ، وفي المفصلين من الإبهام عقل أصبع ; لأنهما أصبع ، وفي كل مفصل عقل الأصبع ، ومن قطعت إبهامه فأخذ ديته ثم قطع العقد الذي بقي من الإبهام في الكف فحكومة ، وكذلك في الكف إذا لم يكن فيها أصبع ، وفي أصبعين مما يليهما من الكف خمسمائة الكف ، ولا حكومة له مع ذلك .

                                                                                                                فائدة ، في التنبيهات : العثم والعثل باللام والعين المهملة المفتوحة والثاء المثلثة مع اللام ، وساكنة مع الميم بمعنى واحد ، وهو الأثر والشين ، وقد تقدمت أسماء الجراح . قال : وظاهر الكتاب : تعجيل القود في سائر الأعضاء كما يقاد في الجراح ، وإن نبت لحمها ، وإنما الانتظار في اللسان في الدية لاحتمال أن ينبت فلا دية ، أو ينبت بعضه فبحسابه ، وخرج بعضهم تأخير القود على قوله في سن الصبي ، وثدي الصغيرة إذا نبت إنه لا قود ، [ ص: 362 ] وينتظر نباته ، قال وليس كذلك ; لأن السن يسقط غالبا بالإثغار ، فإذا نبتت فكأنه لم يجن عليها ، وثدي الصغيرة كأنه لم يقطع ; لأنه ليس بموجود وإنما قطع حلمته ، فإذا كبرت لم يبطل اللبن فلا شيء عليه إلا الشين ، وإن بطل اللبن والجاني رجل فالدية ; إذ لا مثال له في الرجل ، أو امرأة فالقصاص ، واختلف في الاستيناء بالجرح سنة إذا ظهر برؤها فيها ، فتأول بعض الشيوخ لا بد من السنة مخافة انتقاضه حتى تمر عليه الفصول الأربعة ، وإليه ذهب ابن شاس ، وخالفه غيره وقال : متى برأت عقلت ، وهو ظاهر الأصول ، ولا معنى للانتظار بعد البرء . في الموازية : يستأنى بالعين فإن استقرت بمقرها عقل ما ذهب منها وإن كان قبل السنة ، واختلف إن مضت السنة في الجرح قبل البدء : ففي الكتاب : ينتظر برؤها ولا قود ولا دية إلا بعد البرء . قال أشهب : تعقل بحالها عند تمام السنة ، ويطالب بما زاد بعدها . قال اللخمي : لذلك ثلاثة أحوال : إن كان دون الثلث ويجب تناسيه ثم عقله ، وإن أمن تناسيه لم يعقل كالموضحة ، قال ابن القاسم : لا يعقل إلا بعد البرء ، وقال ابن عبد الحكم : يعقل وإن كانت الدية فيوم ما أخذه ، والعين الدامعة لا ينتظر بها بعد انقضاء السنة ، بخلاف العين المنخسفة ; لأن الخسف جرح يبرأ فينتظر البرء ، والدمع يدوم أبدا فلا يزاد على السنة . قال ابن يونس : إذا أخرقت الجائفة . الذي قاله ابن القاسم : من ثلث الدية . قاله أشهب وغيره ، وقضى به الصديق رضي الله عنه ، وعن [ ص: 363 ] الصديق : ثلثا الدية وجعلها جائفتين ، وإذا برئت الجراح المقدرة كالموضحة وغيرها على شين : فرواية لابن القاسم : يزاد للشين . وعن مالك : لا يزاد ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدر ذلك ولم يذكر شيئا ، ولأن الموضحة تكون قدر الإبرة ، وعقلها عقل العظيمة ، فكذلك الشين . قال مالك : وليس للمجروح أجرة الطبيب ، ورأى مالك مرة في إشراف الأذن الدية ثم قال : حكومة ; لعدم المنفعة ، ولاحظ في الأول : قوله عليه السلام : ( في الأذن خمسون من الإبل ) ولأنهما يجمعان الصوت للصحاح ، وروى ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنما أريد بالأذن السمع ) وهو كلام العرب : أذن الرجل إذا سمع ، وعن أشهب : إذا ردت السن أو الأذن في الخطأ فبرئت لا شيء فيهما . قال مالك : وإذا رد الأذن فلم ينبت فاقتص ، فردها الجاني فنبتت ، فالمجروح عقل أذنه وسنه ، وكذلك لو نبتت الأولان ثم اقتص فنشئا للجاني أيضا للأول العقل ، وإن لم ينبت للجاني فلا شيء له ; لأن نبوتهما يبطل حكمة القصاص من التشفي ، ولا قصاص مرتين ، فله العقل ، وقضى عمر رضي الله عنه : في الترقوة بجمل ، وفي الضرس بجمل ، وفي الضلع بجمل . قال سعيد بن المسيب : لما قضى معاوية رضي الله عنه في الضرس بخمسة أبعرة يريد الدية في قضاء عمر ، ولو كنت أنا ; لقضيت في الأضراس ببعيرين فتتم الدية سواء . وقاله ابن أبي مسلمة ومحمد ، وفي الأضراس : عشرون ، والأسنان اثنا عشر ، أربع ثنايا ، وأربع رباعيات ، [ ص: 364 ] وأربعة أنياب ، قاله ابن مزين ; وهو يأتي على قول ابن المسيب ، وغير ابن مزين يقول : الأضراس ستة عشر ، ويريد : أربع ضواحك ، وهي التي بين الأنياب ، وإن ضرب السن فاسودت ، ثم عقلها ، وإن طرحت بعد ذلك تم عقلها أيضا ، قاله عمر فيها ، وقاله مالك ، فإن احمرت أو اصفرت فبحسابها . قال أشهب : الحمرة أقرب للسواد ، ثم الخضرة ثم الصفرة ، وفي ذلك كله بقدر ما ذهب من بياضها ، وقال أشهب : إذا ذهب بياض العين أو ماؤها بعد أخذ عقلها لم يزد شيئا إذا استؤني بها . قال : ولعل ذلك بقضاء قاض ، وإذا لم يبق في الكف أصبع ففي قطعه حكومة ، وقال أشهب : لا شيء فيه . قال مالك : إذا كانت خلقة يده على أربعة أصابع ، ففي كل أصبع عشر من الإبل ، وكذلك إن كانت ثلاثة أو أصبعين ; لأنه ظاهر النص ، ومن في كفه أصبع زائدة ( قوتها كقوة الأصابع ) فعقلها عشر من الإبل ، ولا قصاص فيها عمدا لعدم النظير ، وإن قطعت يده كلها فستون من الإبل ، وإن كانت الزائدة ضعيفة فقطعت يده لم يزد في ديتها ، وإن قطعت وحدها فحكومة ، ثم إن قطعت اليد فديتها ، ولا يحاسب بالحكومة . قال أشهب : إلا أن ينقص ذلك من قوة الأصابع فيحاسب .

                                                                                                                وعن مالك في الذكر والأنثيين المقطوع منهما أولا فيه الدية ، وفي الثاني حكومة ; لعدم الانتفاع به وحده ، وقيل : إن قطعا معا وبدأ من أسفل : فديتان ، أو من فوق فدية وحكومة ; لأن الذكر ينتفع بإيلاجه ، بخلاف الأنثيين ، وعن ابن حبيب : إن قطعتا بعد الذكر فلا دية فيهما ، وفي الذكر الدية قطع قبل أو بعد ، أو قطع الجميع في مرة فديتان ، كان القطع من فوق أو أسفل ، وقيل في اليسرى من البيضتين دية كاملة ; لأن منها النسل ، واليمنى اللحية ، وفي الشفة العليا ثلثا الدية ; لأنها للستر والشارب [ ص: 365 ] ومنع مائية الأنف ، وعكس سعيد بن المسيب وغيره : لأن السفلى تمنع جريان اللعاب والطعام ، والصحيح المشهور : أن اليد اليمنى أشد وأنفع ولم يعصها أحد ، وقال ابن القاسم في إليتي الرجل والمرأة : حكومة ; لأنها للجمال ، وقال أشهب : في إليتي المرأة : دية كاملة ; لأنها تنتفع بها عند زوجها ، بل مصيبتها فيها أعظم ( من الثديين وعينيها ويديها ) ، وقال مالك في شفري فرج المرأة تجب الدية كاملة وفيما هو واحد في الإنسان ، وهو ستة عشر : السوأة ، وجلدة الرأس ، والعقل ، والأنف ، والشم ، واللسان إذا امتنع الكلام ، والصوت ، والذوق ، والصلب والصدر إذا صدمه . قاله عبد الملك . وقال ابن عبدون : حكومة ، والذكر والنسل إذ أفسد الإنعاظ ، وفرج المرأة إذا أفضاها فيبطل الاستمتاع ، أو جذام الرجل أو برصه أو أسقاه فسود جسمه ، والدية في كل اثنين ( من الأسنان ، وفي كل واحد نصف الدية وهي عشر لعين والسبع ولشرف الأذنين ) على اختلاف قول مالك ، والشفتان ، واليدان ، والرجلان ، والأنثيان ، وثديا المرأة ، وشفراها ، وإليتاها على قول أشهب . وفي جفون العين والحاجبين حكومة ، وقال ( ش ) وأصحاب الرأي : فيها الدية في كل جفن ربع الدية ( وقال سعيد بن المسيب : في الحاجبين الدية ) وقياس قول مالك في السن تسود أن فيها عقلها . قال : لأنه أذهب جمالها ، وإن بقيت منفعتها أن في الجفون الدية ، بل أولى ; لأن ذهابها أفحش وأضر بالبصر ، وتجب في العقل إن كان مطبقا لا يفيق ، فإن كان يذهب عقله يوما وليلة من الشهر : فله من الدية جزء من ثلاثين ، وعلى هذه النسبة ، فإن لازم النقص وبقي تمييز فبحسابه يقوم عبدا صحيحا ومعيبا ، وتلزم تلك النسبة ( من الدية ) .

                                                                                                                وعن مالك في الذكر أن ما نقص منه يقاس بحسابه ، وهو أشبه بقوله عليه [ ص: 366 ] السلام : ( إذا أوعب جدعه ) وقال ابن القاسم : إذا ذهب الأنف والشم معا فدية واحدة . قال صاحب الجلاب : والقياس : ديتان . والأول أحسن ; كاللسان والذكر ، وإذا ذهب مع اللسان الصوت والذوق لم يرد شيئا ، وإن ذهب بعض كلامه وصوته فالدية كاملة ، أو نصف كلامه ونصف صوته فثلاثة أرباع الدية : النصف لنصف الكلام ، ويسقط ما يقابله من الصوت ، وهو النصف ; لأنه لو ذهب كل الكلام والصوت لم يزد للصوت شيء وفي الصلب ثلاثة أقوال : إذا أقعد عند ابن القاسم كاليد إذا شلت ، وفي الحدب والعقل : الاجتهاد ، وعن مالك : إذا انحنى فبقدره ، وقيل : فيه الدية إذا صار كالراكع ، وما دون ذلك فبحسابه . قال عبد الملك : فيه الدية إذا عجز عن الجلوس ، وإن نقص عن جلوسه فيقدر من الدية ، قال اللخمي : وتصح فيه الدية للأمرين : إذا قدر على المشي منحنيا وإن لم يبلغ الركوع ، وإذا أفسد قيامه وصار كالراكع ، وإن كان يقدر على الجلوس ولم يبلغ الركوع ، فبحساب ما بين قيامه معتدلا وراكعا ، فإن استوى ما بينهما فنصف الدية ، وقال عبد الملك : في الصلب ثلاث وثلاثون فقارة ، في كل فقارة ثلاثة من الإبل ، فراعى الصلب دون ما يترتب عليه من المشي .

                                                                                                                وعن مالك في قطع الذكر والأنثيين معا : دية واحدة فيصير فيهما بما تقدم خمسة أقوال : وللذكر ستة أحوال : الدية في ثلاثة ، وتسقط في واحد ، ويختلف في اثنين ; فالثلاثة : قطعه أو قطع الحشفة وحدها ، أو يبطل النسل منه بطعام أو شراب ، وإن لم يبطل الإنعاظ ، وتسقط إذا وقع بعد قطع الحشفة ، ففيه حكومة ، ويختلف إذا قطعه ممن لا يصح منه النسل وهو قادر على الاستمتاع ، أو عاجز عنه ، والشيخ الكبير ، ولمالك في العنين والذي لم يخلق له ما يصيب به النساء [ ص: 367 ] قولان ، وإن اتفقوا في الجراح المقدرة : الموضحة ، والمأمومة ، والمنقلة ، والجائفة ; أن فيها ديتها وإن عادت لحالها ، وقاس ابن القاسم : اليسير عليها إذا عادت ، ويختلف في الأذنين إذا ردهما فعادا ، فعلى القول إن فيها حكومة : لا شيء فيهما ، وعلى القول بالدية : فيهما الدية كالسن ، وبخلاف عود السمع والبصر والعقل ; لأنها إذا تبين أنها ما زالت ، وإنما حدثت لها حجب ، وإن شق الشفة وتبين ما بين الشفتين فبحسابه من الدية بقدر ما بان كل واحد منهما عن صاحبه ; لأن ذلك يصير في معنى القطع ، وإن لم يبن ما بينهما وحصل شين فحكومة ، وإن اجتمع قطع وشق ففي القطع حسابه من الدية ، وإن قطع من الشفة ما أذهب بعض الكلام عقل الأكثر مما ذهب منها أو من الكلام ، وقيل في هذا الأصل : يكونان له جميعا ، ويستوي في الرجل من أصل الفخذ أو الركبة أو الكعب أو الأصابع ، أو إبطال منفعتها أو يبقى من المنفعة ما لا قدر له وإن لم يقطع منها شيئا ، وكذلك اليد من المنكب أو الأصابع أو المنفعة فقط ; فإن أذهب بعض المنفعة فبحسابه من الدية ، وتعتبر القوة من الأصابع لا من جملة اليد إلا أن يكون ما ضعف من اليد أكثر مما ضعف من الأصابع ; فإن أبان بعضا وضعف الباقي فبقدر ما أبان من العضو والقوة ، فإن أبان نصف الأصابع ونصف القوة من الباقي فنصف الدية للمقطوع ، وربعها لنصف منفعة الباقي ، وإن أذهب الأصابع وبقي الباقي على قوته لم ينقص العقل أو نقصت ( منفعة ) قوته لم يزد فيه ، فإن ضعفت وصغرت : ففي الضعف بحسابه ، وفي الصغر بقدر ما ذهب منها . وعن مالك : إن رجع إلى أن في الإبهام ثلاثة أنامل ; لأن الثالث وإن لم يكن بائنا فهو يتحرك بحركة الإبهام ، فيكون في كل مفصل ثلاثة أبعرة وثلث ، وعن سحنون في الأصبع السادسة في اليد : نصف الدية ، قال : وقد قيل : في اليد نصف الدية ، وفي [ ص: 368 ] الزائد : حكومة ، ولم يفرق بين ضعفها وقوتها ، وإبهام الرجل مفصلان ، قولا واحدا لمناسبته في الخلقة لإبهام اليد ، فليس بعد المفصلين إلا مشط الرجل ، ومن أخذ عقل أصبع ثم قطع الأربع مع الكف فدية الأربع ، ولا يزاد للكف شيء ; فإن بقي ثلاثة فأقل فسواء عند سحنون ، وقال ابن القاسم : إن لم يبق إلا أصبع فديته وحكومة في الكف ; وإن زاد فديتهما ، ولا شيء في الكف . وقال عبد الملك في الثلاث الخطأ ديتها ، وفي الكف حكومة في خمسيه دون ثلاثة أخماسه ; لأنه مقابل المأخوذ منه الدية ، واختلف في الهاشمة إن هشمت العظم ولم تنقله . قال محمد : فيه الموضحة ، وقال ابن القصار : مع ذلك حكومة ، وقال الأبهري : فيها ما في المنقلة ، والثاني أرجح ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب في الموضحة نصف العشر مع سلامة العظم ، فلا بد للزائد من أثر ، والدية في السن بأربع جنايات ، طرحت أو اسودت أو طرحت بعد السواد ، أو تحركت تحريكا بينا ، وإن أسقطها إنسان بعد ذلك فحكومة ، وإن تحركت وبقيت فيها قوة فبحساب ما ذهب من قوتها ; فإن سقطت بعد ذلك فبحساب ما بقي ، وإن نقص الكلام لذهاب الأسنان ، ( فله الأكثر من دية الأسنان ) أو ما نقص من الكلام ، ويحمل قوله عليه السلام : ( في السن خمس من الإبل ) على السن الواحدة ; لأن الكلام لا يتغير غالبا بها .

                                                                                                                وفي المقدمات : في الجسد على المذهب ثماني عشرة دية : إحدى عشرة في الرأس : العقل ، والسمع ، وإشراف الأذنين عند أشهب ، والبصر ، والشم ، والأنف ، والذوق ، ولا أعلم فيه نصا لأصحابنا ، والكلام ، والشفتان ، والشوى وهي جلدة الرأس ، والأضراس ، والأسنان فيها عند مالك أكثر من دية . وسبع في الجسد : اليدان ، والرجلان ، والصلب ، والصدر ، والذكر ، والأنثيان ، والجماع [ ص: 369 ] في المرأة ثمان عشرة أيضا ، غير أن فيها ثلاثا ليست في الرجل : الشفران ، والحلمتان ، والإليتان عند أشهب . وفي الرجل ثلاثة : الجماع ، والذكر ، والأنثيان .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية