الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                لنا : أن آيات المواريث اقتضت فروضا مقدرة ، فلو قلنا بالرد لبطلت حكمة التقدير ، ولأن مفهوم قوله تعالى : فلها النصف أي لا يكون لها غيره ، وكذلك بقية الفروض ، ولأن الإسلام يوجب حقا والقرابة توجب حقا ، والقول بالرد يبطل حق الإسلام لعدم توريث بيت المال ، وعدم الرد جمع بين الحقين .

                                                                                                                احتجوا بقوله تعالى : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ، فيجمع بين الاثنين بآية الفروض على أصل المال وهذه على ما فضل ، وهو أولى من الترادف ولأنه قول جمهور الصحابة ، ولأنه يعارض في الباقي ذوو الفروض [ ص: 55 ] والمسلمون ، وذوو الفروض أرجح إجماعا من حيث الجملة فيقدمون ، ولأن ذوي الفروض لما نقصوا بالعول حيث النقص وجب أن يزادوا بالرد حيث الزيادة لتجبر إحدى الحالتين الأخرى .

                                                                                                                والجواب عن الأول : قد تقدم في توريث ذوي الأرحام أن الآية تدل عليهم وسلمنا دلالتها لكن طريق الجمع أن قوله تعالى : أولو مطلق لا عموم فيه فيحمل على البر والصلة والمعاضدة ونحوه فيحصل الجمع .

                                                                                                                والجواب عن الثاني : أن قول الصحابة يعارض بعضه ببعض .

                                                                                                                والجواب عن الثالث : سلمنا رجحان ذوي الفروض لكن اعتبر رجحانهم في استحقاق الفروض ، وإذا وفي بمقتضاه سقط اعتباره .

                                                                                                                والجواب عن الرابع : أن العول ثبت لمزاحمة من أجمعنا على توريثه فلولا العول بطل حقه فهو موطن ضرورة وهذه العلة تقتضي عدم الرد لإبطاله توريث بيت المال ، فانعكس عليكم القول ، فهو لنا لا لكم .

                                                                                                                وإذا فرعنا على قول ( ح ) فالمسائل أربعة أقسام .

                                                                                                                أحدها : أن يكون في المسألة جنس واحد من يرد عليه عند عدم من لا يرد عليه فالمسألة من رءوسهم ، كما إذا ترك ابنتين أو أختين أو جدتين ، واجعل المسألة من اثنين .

                                                                                                                وثانيهما : أن يكون في المسألة جنسان أو ثلاثة ممن يرد عليه عند عدم من لا يرد عليه فاجعل المسألة من سهامهم أعني من اثنين إن كانا سدسين ، أو ثلاثة إن كان ثلث وسدس ، أو من أربعة إن كان نصف وسدس ، أو خمسة إن كان ثلثان وسدس أو سدسان ونصف ، أو نصف وثلث .

                                                                                                                وثالثهما : أن يكون مع الأول من لا يرد عليه فأعط فرض من لا يرد عليه من مخارجه ، فإن استقام الباقي على رءوس من يرد عليه كزوج وثلاث بنات فذلك ، وإلا فاضرب وفق رءوسهم في مخرج فرض من لا يرد عليه ، فما خرج فمنه تصح كزوج وست بنات ، أصل من لا يرد عليه من أربعة ، للزوج سهم ، [ ص: 56 ] يبقى ثلاثة لا تنقسم عليهن ، لكن بين الباقي ورءوسهم موافقة بالثلث ، فترد رءوسهم للثلث وتضربه في مخرج فرض من لا يرد عليه يخرج ثمانية ، كان للزوج من أصل المسألة سهم مضروب في اثنين باثنين ، ولهن ثلاثة مضروبة في اثنين بستة تنقسم عليهن ، وإن لم يكن وفق ضربت عدد رءوسهم في مخرج فرض من لا يرد عليه كزوج وخمس بنات فيتحصل من الضرب عشرون ومنه تصح ، ومن له شيء من أصل المسألة أخذه مضروبا في خمسة .

                                                                                                                ورابعها : أن يكون مع الثاني من لا يرد عليه ( فاقسم ما بقي من مخرج فرض من لا يرد عليه ) على مسألة من يرد عليه ، فإن استقام فذلك كزوج وأربع جدات وست أخوات لأم ، فإن لم ينقسم فاضرب جميع مسألة من يرد عليه في مخرج فرض من لا يرد عليه فالمبلغ مخرج فرض الفريقين كأربع جدات وتسع بنات وست أخوات ، ثم اضرب سهام من لا يرد عليه في مسألة من يرد عليه ، وسهام من يرد عليه فيما بقي من مخرج من لا يرد عليه ، وإن انكسر على البعض صحح المسألة بالأصول المذكورة .

                                                                                                                المسألة الثالثة

                                                                                                                قال ابن يونس : مسألة خالف فيها ابن عباس عليا وزيدا وافقهما فيها ابن مسعود ، وكل مسألة خالف فيها ابن مسعود عليا وزيدا وافقهما فيها ابن عباس ، هذا في مسائل الصلب ، وانفرد ابن عباس عن الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - بخمس مسائل ، هي : الغراوين ، وهما زوج وأبوان ، وزوجة وأبوان ، فأعطى الأم ثلث جميع المال ، وقال الصحابة وعامة الفقهاء بثلث ما بقي ، ولم يقل بالعول وأدخل النقص على البنات وبنات الابن والأخوات الأشقاء أو لأب ، وافقه جماعة من التابعين ، ولم يجعل الأخوات عصبة للبنات وخالفه جميع الفقهاء ولم يحجب الأم بدون الثلاثة من الإخوة خلافا للفقهاء ، وانفرد ابن مسعود بخمسة : حجب الزوج والزوجة والأم بالكفار دون العبيد والقاتلين .

                                                                                                                [ ص: 57 ] وأسقط الأخوات بالولد المشرك والولد المملوك ، وعنه لم يسقطهن وأسقط الجدة بالأم المشركة والمملوكة ، وعنه عدم إسقاطها ، وإذا استكمل البنات الثلثين جعل الباقي لبني البنين دون أخواتهم ، وإذا استكمل الأخوات الشقائق الثلثين جعل الباقي للإخوة للأب دون أخواتهم ، وبقية الصحابة يجعلونه للذكر مثل حظ الأنثيين وكان يقول في بنت وبنات ابن وبني ابن للبنت النصف ولبنات الابن الأضر بهن من المقاسمة أو السدس ، ويجعل الباقي لبني الابن ، وكذلك أخت شقيقة وأخوات وإخوة لأب ، للأخوات للأب الأضر بهن من المقاسمة أو السدس ، والباقي للإخوة ، وكذلك إن كان مع البنت أو الأخت ذو فرض ، وسائر الصحابة يقولون للذكر مثل حظ الأنثيين فسنردها مسألة ونخص هذه بالمسألة الأولى .

                                                                                                                لنا في الغراوين أنهما ذكر وأنثى اجتمعا في رتبة واحدة فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين ، كما إذا كان ابنا وبنتا أو أخا وأختا ، وبالقياس عليهما إذا انفردا ، ولا يصح هذا إلا بثلث ما بقي ، احتج بقوله تعالى : فلأمه الثلث وجوابه أنه محمول على ما إذا كان للأب الثلثان أو لا يكون أب فلا يبخس الأب ، أما إذا كان فلم يتعرض له النص فعيناه بالقواعد .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية