الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الشرط الرابع : المسجد ، قال صاحب المقدمات : هو شرط في الوجوب ، والصحة على رأي من يشترط فيه البنيان ، وأما على رأي من لا يشترطه بل يكتفي بالفضاء إذا حبس وعين للصلاة ، وحكم له بالمسجد ، يكون شرطا في الصحة فقط ، فإن مثل هذا لا يتعذر ، وأفتى الباجي إذا انهدم سقف المسجد ، لا تقام فيه الجمعة ، قال : وهو يعيد بل تقام فيه ; لأنه يسمى مسجدا حينئذ ، وحكمه في التعظيم الشرعي حكم المسجد ، وقال الباجي : لا تقام إلا في الجامع ; فلو منع مانع لم تقم في المساجد حتى يحكم الإمام لواحد منهما بكونه جامعا ، قال وهو بعيد بل تقام فيه من غير نقل حكم إليه ، قال : فإن قيل لو جاز ذلك ; لجاز للراعف أن يتم بقية الجمعة في بعض المساجد ، قال : قلت : قد جوزه بعض الأصحاب وإن منعنا ; فلأنه التزم الصلاة في الجامع ابتداء . وفي الجواهر : يشترط في ذلك البنيان المعتاد للمساجد ، وأن يتفق على الاجتماع فيه على التأبيد ; فكل جامع مسجد ، وليس كل مسجد جامعا ، [ ص: 336 ] واستقرأ الصالحي عدم وجوبه - استقراء باطلا ، ودليل وجوبه قوله تعالى : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) ، والنداء إنما يكون عادة في المساجد للعمل ، قال سند : ولا يكون عند مالك إلا داخل المصر ، وجوز ( ح ) مصلى العيد لشبه الجمعة بالعيد ; لنا أنه مكان تقصر فيه الصلاة فيكون منافيا لوجوب الجمعة .

                                                                                                                قاعدة :

                                                                                                                متى كان فعله - عليه السلام - بيانا لمجمل ، كان حكمه حكم ذلك المجمل إن واجبا فواجب ، وإن مباحا فمباح ; لأن البيان مراد للمتكلم حالة التخاطب ، فهو موجود في الكلام الأول ، وآية الجمعة مجملة لم تدل على خصوص صلاة ، فيحتمل الصبح ، والظهر ، والعصر ، والسر ، والجهر ، وغير ذلك ، فبين - عليه السلام - جميع ذلك ; فجميع بيانه يكون واجبا إلا ما دل الدليل على خلافه . فبهذه القاعدة يستدل على وجوب المسجد والخطبة وسائر الفروض .

                                                                                                                فروع ثلاثة :

                                                                                                                الأول في الكتاب : لا يصلى في المواضع المحجور عليها حول المسجد - وإن أذن أهلها في ذلك ، قال سند : قال ابن القاسم : ويعيدون وإن ذهب الوقت ; [ ص: 337 ] لأن عدم الحجر من خواص المسجد ; فإذا عدم فقد الشرط ، ولأن السعي واجب ، وتجوز ذلك يبطله بخلاف الطرق فإنها لا تبطل السعي ، وقال ابن نافع : يكره فإن اتصلت الصفوف صح اعتبارا بحجر أزواجه - عليه السلام - ، وأجيب بأن الحجر كن في المسجد من جريد ، ومسوح الشعر - ولم يفت الشرط ، أو بأنها كانت تدخل بغير إذن ، وقال مالك : ليست من المسجد بل أبوابها شارعة في المسجد ، وكان المسجد يضيق على أهله فيتسع الناس بها ، وهذا هو الذي يتجه ; لأنها لو كانت في المسجد لامتنع الوطء ، واللبث في زمن الحيض والجنابة .

                                                                                                                الثاني في الجلاب : لا يصلى في بيت القناديل ، ولا على سطح المسجد ، وفي الكتاب يعيد بعد الوقت أربعا ، قال سند : وروى مطرف ، وعبد الملك الجواز ، وقاله أشهب ، وأصبغ ; لأنه أولى من الأفنية فإن أهوية الأوقاف أوقاف .

                                                                                                                سؤال : قد حنثه مالك إذا حلف لا يدخل المسجد فصعد السطح

                                                                                                                جوابه : أنه احتياط في الصورتين ، والحنث لا يتوقف على الصلاة ، بدليل التحنيث بأكل اللبابة من الرغيف المحلوف عليه ، وهي ليست رغيفا عرفا ولا لغة .

                                                                                                                الثالث جوز في الكتاب : الصلاة في الأفنية المباحة ، وإن لم تتصل بها الصفوف [ ص: 338 ] إذا ضاق المسجد ; لأن المسجد لما تعذر لم يعتبر الصف ، وفي الطرق ذات الأرواث إذا ضاق المسجد ، وحكى اللخمي عن سحنون منعه .

                                                                                                                القسم الثاني : شروط الوجوب دون الصحة ، وهي ستة : الشرط الأول : والثاني ، والثالث ، والرابع ، في الجواهر : البلوغ ، والإقامة ، والحرية ، والذكورية ، ونقل ابن شعبان عن مالك الوجوب في العبد . لنا قوله - عليه السلام - في أبي داود : الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : عبد مملوك ، وامرأة ، أو صبي ، أو مريض ، وأنه - عليه السلام - كان مسافرا في حجة الوداع فلم يصل الجمعة ، قال سند : وفي الكتاب يغتسل من حضر منهم ، ويكره للشابة الحضور ، ويستحب للعبد إن أذن له السيد ، وفي الجلاب يستحب للمكاتب بخلاف المدبر .

                                                                                                                تمهيد :

                                                                                                                الواجب عليهم إحدى الصلاتين : إما الظهر أو الجمعة ، فمتعلق الوجوب القدر المشترك الذي هو مفهوم إحداهما ، ولا تخيير فيه والخصوص متعلق التخيير ، ولا إيجاب فيهما كما قلنا في خصال الكفارة ، فكما يتصف كل واحد من خصال الكفارة بالوجوب وتبرأ الذمة به فكذلك هاهنا ، وليست ذلك من باب إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب ، وكذلك المسافر يجب عليه أحد الشهرين رمضان أو شهر القضاء ، وإحدى الصلاتين القصر أو الإتمام .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية