الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثالث في موضعه ، وهو خمسة : العنوة ، والصلح ، ودار الحرب ، والفيافي ، والمجهول الحال ، وفي ( الكتاب ) : ما وجد في الفيافي أو أرض العرب فهو لواجده وعليه الخمس ، لقوله عليه السلام : ( العجماء جبار والبئر جبار ، [ ص: 68 ] والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس ) ، وما وجد في أرض العنوة فهو لجميع من افتتحها من المسلمين وفيه الخمس ، أو بأرض الصلح فهو للذين صولحوا ولا يخمس ، ولو وجد في دار أحدهم إلا أن يجده رب الدار فهو له خاصة ، إلا أن يكون ليس منهم فيكون لهم دونه أو بدار الحرب فهو لجميع الجيش . قال سند : في أرض الصلح ثلاثة أقوال : للإمام ، مراعاة لعقد الصلح ، وقال ابن نافع : هو لمن وجده ; لأن عقد الصلح لم يتناوله . وقال أشهب : إن جاز أن يكون لهم كان لقطة يعرف فيكون لمن عرفه ، وإن لم يجز أن يكون لهم بسبب أن لكل ملة سكة وعلامات ، ولا لمن له ذمة ، ولا لوارث ذي ذمة ، فهو لواجده وفيه الخمس ، وفي ( الجواهر ) : لأهل الصلح وإن كان واجده منهم ، وإذا قلنا : إنه لقطة حلف مدعيه في الكنيسة ، وقال أصبغ : هو لواجده كان في أرض الصلح أو العنوة أو للعرب ، نظرا إلى أن الموجب لاستحقاق ما فوق الأرض من فتح أو صلح أو إسلام لا يوجب استحقاق ما تحتها ، ويقويه مالك في ( الكتاب ) : إن ما في قبور الجاهلية لواجده ، ولم يكن في أرض العرب من يدفن المال ، وإنما يستقيم ذلك في فارس والروم ، والذين بلادهم عنوة . قال سند : وقال أشهب : إن كان لأهل العنوة أو ورثتهم فهو لأهل الفتح ، وإن كان عاديا فهو لواجده ; لأنه كالصيد والحشيش ، ولا يستحق الجيش إلا ما كان بأيدي من قاتلوه . وإذا قلنا : للجيش ، فإن كان موجودا خمس ودفع إليهم باقيه ، ومن غاب رفع له نصيبه كالغنيمة ، وإن انقرض الجيش ولم تنضبط ذريته : قال سحنون : هو كاللقطة يفرق على مساكين تلك البلدة إن كانوا من بقايا أهل الفتح ، والاجتهاد فيه للإمام ، وقال أشهب : هو لعامة المسلمين ، وعلى القولين يدفع للسلطان العدل ، فإن لم يكن عدلا أخذ [ ص: 69 ] واجده خمسه وعمل في باقيه ما يعمله في اللقطة ، ولو وجد في دار الحرب قبل الفتح من دفن الجاهلية : ففي ( الكتاب ) : هو لجماعة الجيش الذين مع الواجد ; لأنه إنما أخذه بهم . وعلى قول ابن الماجشون يختص به واجده إذ لا ملك للكفار عليه . وعلى قول أشهب إن كان عاديا فلواجده وفيه الخمس ، وإن كان لأهل تلك الدار أو لمن هو من ورثتهم فهو غنيمة للجيش ، ويخمس جميعه عينا أو عرضا . ولو وجد بين أرض الصلح والعنوة : قال سحنون : إذا جهل أعنوة هو أم صلح ؟ فهو لواجده ، لعدم تعيين غيره . قال : وما تقدم إنما هو في موات الأرض . أو ما وجد في ملك أحد من العنوة أو الصلح أو غيرهما ، فإن وجده صاحب الدار أو الأرض فهو له عند عبد الملك ، وقاله ابن القاسم : في غير العنوة . أما من وجده في دار غيره فلرب الدار عند مالك ; لأن يده على ظاهرها فيكون على باطنها . وقاله ابن القاسم في أرض الصلح ، ولا فرق عنده بين أن يكون رب الدار هو الواجد ، وهو من أهل الصلح ، أو وجد في داره ; لأن يده على داره ، وهو المراد بفتواه في ( الكتاب ) . وقال مالك أيضا : هو لمن وجده إن كان جاهليا كالصيد يختص به السابق إليه . وعلى الأول : لو انتقلت إليه بالتملك فهو للبائع ، وعند مالك والشافعية : إن ادعاه البائع ، فعلى هذا لو كانت الدار موروثة وقسمت كانت لجملة الورثة . ويقضي منه دين الميت إلا أن يكون الميت اشترها كما تقدم ; لأن العقود إنما تنقل ما حصل به الرضا حالة المعارضة . والمجهول لا يدخل تحت الرضا . فإن ادعاه المبتاع دون البائع وأنه الذي حفظه في موضعه قضي له به لليد مع عدم المعارضة . وعلى القول بأن ما يوجد في الدار لربها : يحلف أنه ما وجده فيها . وعلى قول ابن نافع : لا يحلف ، فإن ادعاه البائع دون المبتاع فلا يدفع له على قول ابن نافع حتى تثبت صحة ما ادعاه ، فإن ادعاه رب الدار والمستأجر : فالقول قول المستأجر عند ابن نافع . وقول رب الدار عند غيره ، نظرا إلى استيلاء اليد أو اشتمال الدار عليه كاليد . أما ما وجد عليه علامة الإسلام كالقرآن وأسماء الخلفاء [ ص: 70 ] فهو لقطة ، ليس بركاز . وإنما الركاز في أموال الكفار على ظهر الأرض أو بطنها في البر أو البحر . فإن أشكل فلواجده ويخمس لعدم تحقق المعارض . وفي ( الجواهر ) : ما لفظه البحر ولم يتقدم عليه ملك فلواجده لا يخمس لعدم شبهه بالخمس ، وإن تقدم عليه ملك معصوم : فهل هو لواجده ; لأن الترك بالفعل كالترك بالقول وهو صحيح ، أو لربه ؟ روايتان ، أما لو تركه بغير اختياره لعطب البحر فلصاحبه ، وعليه لجالبه كراء مؤنته ، وكذلك المتروك بمضيعة بالبر أو البحر ، أو عجز عنه ربه ، فيه خلاف .

                                                                                                                فرع : كره في ( الكتاب ) : حفر قبور الجاهلية ، والطلب فيها من غير تحريم ، قال : وفي ركازها الخمس ، أما الكراهة : فحذرا من مواطن العذاب ، أو من أن يصادف قبر نبي أو ولي ، أو لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا وأنتم باكون ) فلا يدخل للدنيا . وفي أبي داود أنه عليه السلام مر بقبر فقال : هذا قبر أبي رغال ، وكان بهذا الحرم يدفع عنه ، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه ، وآية ذلك : أنه دفن معه غصن ذهب إن أنتم نبشتم عنه أصبتموه معه ) فابتدره الناس وأخرجوا الغصن تحقيقا لصدقه عليه السلام . قال سند : لم يكرهه أشهب قياسا لمماتهم على حياتهم ، فإن كان نفس القبر رصاصا أو رخاما خمس على الخلاف ; لأنه منقول بخلاف ما يكون جدارا في الأرض فإنه تابع للأرض لا يخمس كالأرض .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية