الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        617 577 - وذكر مالك ، عن جعفر بن محمد بن علي ، عن أبيه ; أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس ، فقال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم . فقال عبد الرحمن بن عوف : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        13357 - وهذا الحديث قد رواه أبو علي الحنفي ، عن مالك ، عن [ ص: 292 ] جعفر بن محمد عن أبيه ، عن جده . وهو أيضا منقطع ، الصحيح عن ذلك ما في " الموطأ " .

                                                                                                                        13358 - وفي حديث جعفر من الفقه أن الحبر العالم قد يجهل ما يجد عند من هو دونه في العلم .

                                                                                                                        13359 - وفيه انقياد العالم إلى العلم حيث كان .

                                                                                                                        13360 - وفيه إيجاب العمل بخبر الواحد .

                                                                                                                        13361 - وأما قوله : " سنوا فيهم سنة أهل الكتاب " ، فهو من الكلام الخارج مخرج العموم ، والمراد منه الخصوص ؛ لأنه إنما أراد : سنوا بهم سنة أهل الكتاب في الجزية ، لا في نكاح نسائهم ، ولا في أكل ذبائحهم .

                                                                                                                        13362 - وهذا لا خلاف فيه بين العلماء إلا شيء يروى عن سعيد بن المسيب : أنه لم ير بذبح المجوس لشاة المسلم إذا أمره المسلم بذبحها بأسا ، والناس على خلافه .

                                                                                                                        13362 - والمعنى عند طائفة من الفقهاء في ذلك : أن أخذ الجزية صغار لهم وذلة لكفرهم ، وقد ساووا أهل الكتاب في الكفر بل هم أشد كفرا فوجب أن يجروا مجراهم في الذل والصغار ؛ لأن الجزية لم تؤخذ من الكتابيين [ ص: 293 ] رفقا بهم ؛ وإنما أخذت منهم تقوية للمسلمين وذلا للكافرين .

                                                                                                                        13363 - وليس نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم من هذا الباب ؛ لأن ذلك مكرمة بالكتابيين لموضع كتابهم واتباعهم الرسل - عليهم السلام - فلم يجز أن يلحق بهم من لا كتاب له في هذه المكرمة .

                                                                                                                        13364 - هذه جملة اعتل بها أصحاب مالك وغيرهم ، ولا خلاف بين علماء المسلمين أن الجزية تؤخذ من المجوس ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس أهل البحرين ، ومن مجوس هجر . وفعله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي رضي الله عنهم .

                                                                                                                        13365 - واختلف الفقهاء في مشركي العرب ومن لا كتاب له هل تؤخذ منهم الجزية أم لا ؟

                                                                                                                        13366 - فقال مالك : تقبل الجزية من جميع الكفار ، عربا كانوا أو عجما لقول الله عز وجل : من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ( التوبة : 29 ) .

                                                                                                                        13367 - قال : وتقبل من المجوس بالسنة .

                                                                                                                        [ ص: 294 ] 13368 - وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه ، وأبي ثور ، وأحمد ، وداود ، وإليه ذهب عبد الله بن وهب .

                                                                                                                        13369 - وقال الأوزاعي ، ومالك ، وسعد بن عبد العزيز إن الفرازنة ومن لا دين له من أجناس الترك والهند ، وعبدة النيران ، والأوثان ، وكل جاحد مكذب بدين الله عز وجل يقاتلون حتى يسلموا ، أو يعطوا الجزية ، فإن بذلوا جزية قبلت منهم ، وكانوا كالمجوس في تحريم مناكحهم وذبائحهم وسائر أمورهم .

                                                                                                                        13370 - قال أبو عبيد : كل عجمي تقبل منه الجزية إن بذلها ولا تقبل من العرب إلا من كتابهم .

                                                                                                                        13371 - وحجة من رأى الجزية : القياس على المجوس ؛ لأنهم في معناهم في أن لا كتاب لهم ، وقد تقدمت حجة الشافعي ومن قال بقوله .

                                                                                                                        [ ص: 295 ] 13372 - وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " . دليل على أنهم ليسوا أهل كتاب .

                                                                                                                        13373 - وعلى ذلك جمهور العلماء .

                                                                                                                        13374 - ومما احتجوا به قول الله تعالى : إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا ( الأنعام : 156 ) يعني اليهود والنصارى . وقوله عز وجل : ياأهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل . ( المائدة : 68 ) .

                                                                                                                        13375 - قالوا : فلا أهل كتاب إلا أهل التوراة والإنجيل .

                                                                                                                        13376 - وقد روي عن الشافعي أنهم كانوا أهل كتاب فبدلوه .

                                                                                                                        13377 - وأظنه ذهب في ذلك إلى ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من وجه فيه ضعف يدور على أبي سعد البقال واسمه سعيد بن المرزبان ، وليس بقوي عندهم . وقد سئل عنه أبو زرعة الرازي عنه ، فقال : صدوق مدلس وقال مرة : لين الحديث فيه ضعف ، قيل : هو صدوق ؟ قال : نعم ، [ ص: 296 ] كان لا يكذب . [ ص: 297 ] وقد ذكرنا ذلك الحديث في " التمهيد " .

                                                                                                                        13378 - ومن ذهب إلى أن المجوس أهل كتاب ، قال في قوله صلى الله عليه وسلم سنوا بهم سنة أهل الكتاب يحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد : سنوا بهم سنة أهل الكتاب الذين يعلم كتابهم علم ظهور واستفاضة ، وأما المجوس فعلم كتابهم على خصوص ، وقد أنزل الله تعالى كتبا وصحفا على جماعة من أنبيائه منها زبور داود ، وصحف إبراهيم .

                                                                                                                        13379 - وأي الأمرين كان فلا خلاف بين العلماء أن المجوس تؤخذ منهم الجزية .

                                                                                                                        13380 - والآثار في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلة ومرسلة .

                                                                                                                        13381 - من المتصلة حديث شهاب ذكره موسى بن عقبة عنه ، حدثني عروة ، عن المسور بن مخرمة أنه أخبره أن عمر بن عوف وهو حليف لبني عامر بن لؤي ، وكان قد شهد بدرا أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها ، وكان قد صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء . [ ص: 298 ] بن الحضرمي . . . ، وذكر الحديث .

                                                                                                                        13382 - والدليل على أن أهل البحرين مجوس ما رواه قيس بن مسلم عن الحسن بن محمد : أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مجوس البحرين يدعوهم إلى الإسلام ; فمن أسلم منهم قبل منه ، ومن أبى وجبت عليه الجزية ، ولا تؤكل لهم ذبيحة ، ولا تنكح لهم امرأة .

                                                                                                                        13383 - وقد ذكرنا الآثار بهذا المعنى في " التمهيد " مسندة ومرسلة .

                                                                                                                        [ ص: 299 ] 13384 - واختلف العلماء في مقدار الجزية . فروى :




                                                                                                                        الخدمات العلمية