الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        689 649 - وذكر عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ، ولا [ ص: 243 ] يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل : إني صائم إني صائم " .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        14718 - قال أبو عمر : الصيام في الشريعة : الإمساك عن الأكل والشرب والجماع . هذا فرضه عند جميع الأئمة . وسننه اجتناب قول الزور واللغو والرفث .

                                                                                                                        [ ص: 244 ] 14719 - وأصله في اللغة : الإمساك مطلقا ، وكل من أمسك عن شيء فهو صائم منه ، ألا ترى قول الله تعالى : إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا [ مريم : 26 ] .

                                                                                                                        14720 - وقوله : " جنة " فهي الوقاية والستر عن النار ، وحسبك بهذا فضلا للصائم .

                                                                                                                        14721 - وروي عن عثمان بن أبي العاص ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الصيام جنة : يستجن بها العبد من النار " .

                                                                                                                        14722 - وقوله : " فلا يرفث " فالرفث هنا الكلام القبيح ، والشتم ، والخنا ، والغيبة ، والجفاء ، وأن تغضب صاحبك بما يسوءه ، والمراء ، ونحو ذلك كله .

                                                                                                                        14723 - ومعنى " لا يجهل " قريب مما يصيبنا من الشتم والسباب والقباح ، كقول القائل : [ ص: 245 ]

                                                                                                                        ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا

                                                                                                                        14724 - و " اللغو " هو الباطل . قال الله - عز وجل - : وإذا مروا باللغو مروا كراما [ الفرقان : 72 ] .

                                                                                                                        14725 - قال العجاج :

                                                                                                                        عن اللغا ورفث التكلم



                                                                                                                        14726 - وروي عن أبي العالية أنه قال : خرجنا مع ابن عباس حجاجا ، فأحرم وأحرمنا ، ثم نزل يرتجز يسوق الإبل ويقول :


                                                                                                                        وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير تنك لميسا

                                                                                                                        فقلت : يا أبا عباس : ألست محرما ؟ قال : بلى ، فقلت : هذا الكلام الذي تكلم به ؟ قال : لا يكون الرفث إلا ما واجهت به النساء ، وليس معنا نساء .

                                                                                                                        [ ص: 246 ] 14727 - واختلف العلماء في قوله - عز وجل - : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج [ البقرة : 197 ] .

                                                                                                                        14728 - فأكثر العلماء على أن الرفث هاهنا جماع النساء .

                                                                                                                        14729 - وكذلك لم يختلفوا في قوله تعالى : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم [ البقرة : 187 ] أنه الجماع .

                                                                                                                        14730 - وأما قوله : " فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل : إني صائم " ففيه قولان :

                                                                                                                        14731 - ( أحدهما ) : أن يقول الذي يريد مشاتمته ومقاتلته : إني صائم وصومي يمنعني من مجاوبتك ؛ لأني أصون صومي عن الخنا والزور ، والمعنى في المقاتلة : مقاتلته بلسانه .

                                                                                                                        14732 - وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " .

                                                                                                                        14733 - والمعنى الثاني أن الصائم يقول في نفسه : إني صائم يا نفسي ، فلا سبيل إلى شفاء غيظك بالمشاتمة ، ولا يعلن بقوله : إني صائم ؛ لما فيه من الرياء واطلاع الناس عليه ؛ لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر ، وكذلك يجزي الله الصائم أجره بغير [ ص: 247 ] حساب .

                                                                                                                        14734 - ومعنى قوله : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه " . فمعناه الكراهة والتحذير كما جاء : " من شرب الخمر فليشقص الخنازير " أي يذبحها . وليس هذا على الأمر بتشقيص الخنازير ، ولكنه على تعظيم إثم شارب الخمر .

                                                                                                                        14735 - وكذلك من اغتاب ، أو شهد زورا أو منكرا لم يؤمر بأن يدع صيامه ، ولكنه باجتناب ذلك ليتم له أجر صومه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية