الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1134 [ ص: 200 ] ( 11 ) باب جامع ما لا يجوز من النكاح

                                                                                                                        1085 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار .

                                                                                                                        [ ص: 201 ] والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته . ليس بينهما صداق .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        24033 - هكذا رواه جمهور أصحاب مالك .

                                                                                                                        24034 - وقال فيه ابن وهب ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نكاح الشغار ، وكلهم ذكر عن مالك في تفسير الشغار معنى ما رواه عنه يحيى في " الموطأ " .

                                                                                                                        24035 - وللشغار في اللغة معنى لا مدخل له هاهنا ، وذلك أنه مأخوذ عندهم من شغار الكلب إذا رفع رجله للبول ، وزعموا أن ذلك لا يكون منه إلا بعد مفارقته حال الصغر إلى حال يمكن فيها الوثوب على الأنثى للنسل .

                                                                                                                        24036 - وهو عندهم للكلب علامة بلوغه إلى حال الاحتلام من الرجال ، ولا يرفع رجله للبول إلا وهو قد بلغ ذلك المبلغ ، يقال منه : شغر الكلب يشغر : إذا رفع رجله فبال ، أو لم يبل .

                                                                                                                        24037 - ويقال : شغرت المرأة شغرا : إذا رفعت رجليها للنكاح ، فهذا معنى الشغار في اللغة .

                                                                                                                        [ ص: 202 ] 24038 - وأما معناه في الشريعة فهو أن ينكح الرجل وليته رجلا على أن ينكحه الآخر وليته ، ولا صداق بينهما إلا بضع هذه ببضع هذه على ما فسره مالك ، وجماعة الفقهاء .

                                                                                                                        24039 - وكذلك ذكر " الخليل " أيضا في " العين " .

                                                                                                                        24040 - وأجمع العلماء على أن نكاح الشغار مكروه ، ولا يجوز .

                                                                                                                        24041 - واختلفوا فيه إذا وقع ، هل يصح بمهر المثل أم لا ؟

                                                                                                                        24042 - فقال مالك : لا يصح نكاح الشغار دخل بها ، أو لم يدخل ، ويفسخ أبدا .

                                                                                                                        24043 - قال : وكذلك لو قال : أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بمئة دينار ، فلا خير في ذلك .

                                                                                                                        24044 - قال ابن القاسم لا يفسخ النكاح في هذا إن دخل ، ويثبت بمهر المثل ، ويفسخ في الأول ، دخل أو لم يدخل على ما قال مالك .

                                                                                                                        24045 - وقال الشافعي : إذا لم يسم لواحدة منهما مهرا ، ويشرط أن يزوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ، وهما يليان أمرهما على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ، ولم يسم واحد منهما صداقا ، فهذا الشغار .

                                                                                                                        [ ص: 203 ] 24046 - ولا يصح عقد هذا النكاح ، ويفسخ قبل البناء ، وبعده .

                                                                                                                        24047 - قال : ولو سمى لإحداهما صداقا ، أو لهما جميعا ، فالنكاح ثابت بمهر المثل ، والمهر فاسد ، ولكل واحدة منهما مهر مثلها إن كان دخل بها ، أو نصف [ مهر مثلها ] إن كان طلقها قبل الدخول .

                                                                                                                        24048 - وقال أبو حنيفة : إذا قال : أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ، وتكون كل واحدة بالأخرى ، فهو الشغار ، ويصح النكاح بمهر المثل .

                                                                                                                        24049 - وهو قول الليث ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور .

                                                                                                                        24050 - وبه قال الطبري .

                                                                                                                        24051 - قال أبو عمر : قوله في من نكح على خمر أو خنزير كقولهم في الشغار على ما ذكرنا عنه .

                                                                                                                        24052 - وقال أبو عبيد : لا يكتب النكاح في شيء من ذلك ، ذكره في الخمر والخنزير .

                                                                                                                        24053 - قال أبو عمر : حجة من أبطل النكاح في الشغار وسائر المهور المحرمة نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح الشغار ، فهو فعل طابق النهي ، ففسد ; لقول الله عز وجل : وما نهاكم عنه فانتهوا [ الحشر : 7 ] ولقول رسول [ ص: 204 ] الله ، صلى الله عليه وسلم : " إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ، وإذا أمرتكم بشيء ، فخذوا منه ما استطعتم " .

                                                                                                                        24054 - ولقوله عليه السلام : " كل عمل ليس عليه أمرنا - يعني سنتنا - فهو رد " . يعني مردودا .

                                                                                                                        24055 - وحجة من قال : إن العقد في الشغار صحيح ، والمهر فاسد ، ويصح بمهر المثل : إجماع العلماء على أن الخمر ، والخنزير لا يكون شيء منهما مهرا لمسلم .

                                                                                                                        24056 - وكذلك الغرر ، والمجهول ، وسائر ما نهى عن ملكه ، أو ملكه على غير وجهه ، وسنته .

                                                                                                                        [ ص: 205 ] 24057 - وأجمعوا مع ذلك أن النكاح على المهر الفاسد إذا فات بالدخول ، فلا يفسخ لفساد صداقه ، ويكون فيه مهر المثل بخلاف سائر المعاوضات من البيوع ، والإجارات ، وغيرها المضمونات بأثمانها .

                                                                                                                        24058 - قالوا : وإذا لم يفسخ لذلك بعد الدخول ، فكذلك لا يفسخ قبل الدخول ; لأنه لو لم يكن نكاحا منعقدا حلالا ما صار حلالا بالدخول .

                                                                                                                        24059 - والأصل في ذلك أن التزويج يضمن بنفسه لا بالعوض ، بدليل تجويز الله تعالى النكاح بغير صداق ، وذلك قوله : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة [ البقرة : 236 ] يريد ما لم تمسوهن ، وما لم تفرضوا لهن فريضة ، فلما أوقع الطلاق دل على صحة النكاح دون تسمية صداق ; لأن الطلاق غير واقع إلا على الزوجات .

                                                                                                                        24060 - وكونهن زوجات دليل على صحة النكاح بغير تسمية صداق ، والله أعلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية