الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1262 [ ص: 196 ] ( 34 ) باب ما جاء في العزل

                                                                                                                        1222 - مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ; أنه قال : دخلت المسجد ، فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه ، فسألته عن العزل ؟ فقال أبو سعيد الخدري : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلق . فأصبنا سبيا من سبي العرب . فاشتهينا النساء . واشتدت علينا العزبة ، وأحببنا الفداء فأردنا أن نعزل . فقلنا : نعزل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا قبل أن نسأله ؟ فسألناه عن ذلك . فقال : " ما عليكم أن لا تفعلوا ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة " .

                                                                                                                        [ ص: 197 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 197 ] 27489 - قال أبو عمر : هكذا روى هذا الحديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن ابن محيريز ، عن أبي سعيد الخدري ، فقال فيه : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة بني المصطلق .

                                                                                                                        27490 - وكذلك رواه أبو الزناد ، عن محمد بن يحيى بن حبان بإسناده ، فقال فيه كما قال ربيعة في غزوة بني المصطلق .

                                                                                                                        27491 - وبنو المصطلق هم من خزاعة وكانت الوقعة بهم في موضع يقال له : المريسيع . من نحو فريد ، وذلك في نحو سنة ست من الهجرة ، والغزوة تعرف بغزوة المريسيع ، وغزوة بني المصطلق عند أهل السير .

                                                                                                                        27492 - وروى هذا الحديث موسى بن عقبة ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، [ ص: 198 ] عن ابن محيريز ، عن أبي سعيد بالإسناد المذكور إلا أنه قال فيه : أصبنا سبيا من سبي أوطاس ، وأنهم أرادوا أن يستمتعوا منهن ، ولا يحملن ، فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ؟ فقال : " ما عليكم ألا تفعلوا ، فإن الله كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة " فجعل موسى بن عقبة هذا الحديث في سبي أوطاس .

                                                                                                                        27493 - وسبي أوطاس هو سبي هوازن ، وسبي هوازن إنما سبي يوم حنين ، وذلك في سنة ثمان من الهجرة ، فوهم موسى بن عقبة في ذلك ، والله أعلم .

                                                                                                                        27494 - وروى هذا الحديث محمد بن شهاب الزهري ، عن ابن محيريز ، عن أبي سعيد الخدري ، فلم يذكر فيه بني المصطلق ، ولا هوازن ، ولا أوطاسا ، وإنما قال فيه : جاء رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله ! إنا نصيب سبيا ، ونحب الأثمان ، فكيف ترى في العزل ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وإنكم لتفعلون ذلك ، لا عليكم أن لا تفعلوا ذاكم ، فإنه ليس نسمة في كتاب الله أن تخرج إلا وهي خارجة .

                                                                                                                        27495 - فهذا ما في حديث ابن محيريز ، وكان من جلة التابعين ، وكبار الفضلاء ، منهم سمعه ابن أبي سعيد ، وسمعه منه محمد بن يحيى بن حبان ، وجماعة .

                                                                                                                        [ ص: 199 ] 27496 - ورواه ابن سيرين عن أبي سعيد الخدري ، فلم يذكر فيه إلا السؤال عن العزل فقط .

                                                                                                                        27497 - ورواه أبو إسحاق السبيعي سمعه من أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري أنه سمعه يقول : لما أصبنا سبي خيبر سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العزل ؟ فقال : ليس من كل الماء يكون الولد ، فإذا أراد الله أن يخلق شيئا لم يمنعه شيء .

                                                                                                                        27498 - هكذا رواه شعبة ، والثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد في سبي خيبر .

                                                                                                                        27499 - قال يحيى بن معين : أبو الوداك جبر بن نوف ثقة .

                                                                                                                        27500 - ومعلوم أن سبي خيبر يهوديات وسبي بني المصطلق ، وسبي [ ص: 200 ] أوطاس ، وثنيات .

                                                                                                                        27501 - وفي رواية مالك وغيره لهذا الحديث دليل على أن الصحابة في تلك الغزوة انطلقوا على وطء ما وقع في سهامهم من النساء اللواتي سبوا وغنموا ، وذلك لا يكون إلا بعد الاستبراء ، وهو الشأن في الوطء بملك اليمين عند جماعة العلماء لمن يحل وطؤه من الإماء .

                                                                                                                        27502 - والوطء بملك اليمين ، وإن كان مطلقا في القرآن ، فهو مقيد في الشريعة ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        27503 - فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الغزاة وغيرها : " لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة " .

                                                                                                                        27504 - وفي القرآن تقييد ذلك أيضا بالنسب والرضاع والشرك ، فمن ملك [ ص: 201 ] من النساء من حرم الله عليه وطأها كالبنات ، والأمهات ، ومن ذكر معهن في النسب ، والرضاع لم يحل له وطؤها بملك يمينه وكذلك المشركات ; لقوله تعالى : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [ البقرة : 221 ] فحرم وطء كل كافرة إلا أن تكون كتابية ; لقوله تعالى : والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ المائدة : 5 ] .

                                                                                                                        27505 - ولاستيفاء الكلام في ذلك موضع غير هذا ، ولا تخلوا نساء بني المصطلق من أن تكن كتابيات ، فيوطأن بعد الاستبراء ، إلا أن من العرب جماعة دانوا بدين أهل الكتاب من قبل الإسلام ، فكانت النصرانية في ربيعة بن نزار في بني تغلب ، والنمر بن قاسط ، وبني عجل ، وخواص من بني شيبان .

                                                                                                                        27506 - وكذلك كانت النصرانية أيضا في لخم ، وجذام ، وغسان ، وقضاعة ، وبني الحارث بن كعب ، وطوائف من مذحج .

                                                                                                                        27507 - وكانت اليهودية في خيبر ، وفي الأنصار : الأوس والخزرج ، وطوائف ممن ساكن يهود خيبر ، من وطء وغيرها .

                                                                                                                        27508 - وكانت المجوسية في طوائف من بني تميم ، ومن عدا هؤلاء من العرب فأهل أوثان ، وعبدة أصنام .

                                                                                                                        [ ص: 202 ] 27509 - وربما شذ من القبيل واحد أو اثنان ، فتنصر أو تهود .

                                                                                                                        27510 - فإن كان بنو المصطلق يهود ، أو نصارى ، فوطؤهن جائز مع السبي بعد الاستبراء .

                                                                                                                        27511 - وإن كن عبدة أصنام وأوثان ، لم يحل وطؤهن إلا بعد الإسلام عند جمهور العلماء ، وجماعة أئمة الفتوى بالأمصار ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سن لأمته أن تؤخذ الجزية من المجوس على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ، ولا تنكح منهم امرأة .

                                                                                                                        27512 - وقد روي إجازة وطء الإماء الوثنيات ، والمجوسيات عن طائفة من التابعين منهم : طاوس ، وسعيد بن المسيب ، والإسناد عنهم ليس بالقوي .

                                                                                                                        27513 - واختلف في ذلك عن عطاء ومجاهد .

                                                                                                                        27514 - وذلك كله شذوذ ، ولا يعرج عليه ، ولا يلتفت الفقهاء إليه .

                                                                                                                        27515 - والصحيح في وطء المجوسيات والوثنيات ما ذكره الحسن البصري ، من فعل الصحابة - رضي الله عنهم - في غزوهم الفرس ، وسائر من ليس من أهل الكتاب .

                                                                                                                        27516 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا جعفر بن سليمان ، قال : أخبرنا [ ص: 203 ] يونس بن عبيد ; أنه سمع الحسن يقول : كنا نغزو مع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أصاب أحدهم الجارية من الفيء ، فأراد أن يصيبها أمرها ، فغسلت ثيابها ، واغتسلت ، ثم علمها الإسلام ، وأمرها بالصلاة ، واستبرأها بحيضة ، ثم أصابها .

                                                                                                                        27517 - وروى معمر ، عن الزهري ، قال : لا يحل لرجل اشترى جارية مشركة أن يطأها حتى تغتسل ، وتصلي ، وتحيض عنده حيضة .

                                                                                                                        27518 - قال عبد الرزاق : سمعت سفيان الثوري يقول : السنة أن لا يقع عليها حتى تصلي إذا استبرأها ، وإن كانت من أهل الكتاب ، فيستبرئها ، وتغسل نفسها ثم يصيبها .

                                                                                                                        27519 - وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، وجمهور أهل العلم . والحمد لله .

                                                                                                                        27520 - وأما قوله : وأحببنا الفداء ، فأردنا أن نعزل ، فقد احتج به من ذهب مذهبنا في أم الولد أنه لا يجوز بيعها ; لأنه لو جاز بيعها لم يراعوا العزل ، ولم يبالوا بالحمل .

                                                                                                                        [ ص: 204 ] 27521 - وهذا عندي لا حجة فيه قاطعة لازمة ; لأن الأمة المجتمعة على أن أم الولد لا يجوز بيعها ، وهي حامل من سيدها ، وممكن أن يريدوا تعجيل البيع والفداء ، وخشوا إن لم يعزلوا أن يحملن منهم ، وأرادوا العزل ، ولم يعرفوا جوازه في الشرع ; لأن اليهود كانوا بين أظهرهم يحرمون العزل ، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، فأخبرهم بما في الحديث على حسب ما تقدم ذكره .

                                                                                                                        27522 - واختلف العلماء في بيع أم الولد بعد وضعها من سيدها ، وسيأتي القول في ذلك مستوعبا في باب أمهات الأولاد - إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                        27523 - وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : " ما عليكم أن لا تفعلوا فما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة " ، فقد اختلف في معناه :

                                                                                                                        27524 - فقيل : ما عليكم في العزل ، ولا في امتناعكم منه شيء ، فاعزلوا ، أو لا تعزلوا ، فقد فرغ من الخلق ، وإعدادهم ، وما قضي وسبق في علم الله ، فلا بد أن يكون لا محالة .

                                                                                                                        27525 - قال الله - عز وجل - : وكل شيء أحصيناه كتابا [ النبأ : 29 ] ، وقال - عز وجل - : وكل شيء فعلوه في الزبر ، وكل صغير وكبير مستطر [ ص: 205 ] [ القمر : 52 ، 53 ] .

                                                                                                                        27526 - وقيل : بل معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : أن لا تفعلوا ، أي لا تفعلوا العزل كأنه نهى عنه .

                                                                                                                        27527 - ذكر سنيد ، عن إسماعيل ابن علية ، عن ابن عوف ، قال : ذكرت للحسن في قوله - عليه السلام - في العزل : لا عليكم ألا تفعلوا ، فقال : لا عليكم ، والله لكأن هذا زاجر .

                                                                                                                        27528 - وقد اختلف العلماء من السلف والخلف في العزل عن النساء الحرائر والإماء :

                                                                                                                        27529 - فروي عن ابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي أيوب [ ص: 206 ] الأنصاري أنهم كانوا يرخصون في العزل .

                                                                                                                        27530 - وهو قول جمهور العلماء بالحجاز والعراق .

                                                                                                                        27531 - وروي عن عمر ، وعثمان ، وابن عمر : أنهم كرهوا العزل .

                                                                                                                        27532 - وروى هشيم ، قال : أخبرنا منصور ، عن الحارث العكلي ، وعن إبراهيم النخعي قال : سئل ابن مسعود عن العزل ؟ فقال : ما عليكم ألا تفعلوا ، فلو أن النطفة التي أخذ الله ميثاقها كانت في صخرة لنفخ فيها الروح .

                                                                                                                        27533 - وروى هشيم ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : كان عمر وعثمان يكرهان العزل .

                                                                                                                        [ ص: 207 ] 27534 - قال هشيم : وأخبرنا ابن عوف ، قال : حدثني نافع ، عن ابن عمر أنه كان يضرب بعض ولده إذا فعل ذلك .

                                                                                                                        27535 - وروى ابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب : أنه سئل عن العزل ; فقال : اختلف فيه أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ; إنما هو حرثك إن شئت أعطشته ، وإن شئت سقيته .

                                                                                                                        27536 - واختلف عن علي - رضي الله عنه - في هذه المسألة .

                                                                                                                        27537 - فروي عنه : أنه كره العزل من حديث عاصم ، عن زر بن حبيش ، عنه .

                                                                                                                        27538 - وروي عنه : أنه أجاز ذلك من حديث أهل المدينة .

                                                                                                                        27539 - وروى الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، قال : حدثني معمر بن [ ص: 208 ] أبي حبيبة ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، قال : تذاكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند عمر العزل ، فاختلفوا فيه :

                                                                                                                        فقال عمر : قد اختلفتم ، وأنتم أهل بدر الأخيار فكيف بالناس بعدكم ؟ إذ تناجى رجلان ، فقال عمر : ما هذه المناجاة ؟ فقال : إن اليهود تزعم أنها الموءودة الصغرى .

                                                                                                                        فقال علي : إنها لا تكون موءودة حتى يأتي عليها التارات السبع : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين [ المؤمنون : 12 ] إلى آخر الآية .

                                                                                                                        27540 - ذكره الطحاوي قال : حدثني روح بن الفرج ، قال : حدثني يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدثني الليث .

                                                                                                                        27541 - وروى ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن معمر بن أبي حبيبة ، عن عبيد بن رفاعة ، عن أبيه ، قال : جلس إلى عمر علي ، والزبير ، وسعد في نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فتذاكروا العزل ، فقالوا : لا بأس به ، [ ص: 209 ] فقال رجل : إنه يزعمون أنها الموءودة الصغرى .

                                                                                                                        فقال علي - رضي الله عنه : لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع تكون سلالة ، ثم تكون نطفة ، ثم تكون علقة ، ثم تكون مضغة ، ثم تكون عظما ، ثم تكون لحما ، ثم تكون خلقا آخر .

                                                                                                                        فقال له عمر : صدقت ، أطال الله بقاءك .

                                                                                                                        27542 - وهذه أيضا رواية زيد بن أبي الورقاء ، عن ابن لهيعة .

                                                                                                                        27543 - وقيل : إن أول من قال في الإسلام : أطال الله بقاءك عمر لعلي - رضي الله عنهما - في هذا الخبر .

                                                                                                                        27544 - ورواه المقرئ : عن ابن لهيعة مثله بإسناده ، وقال في آخره عمر : جزاك الله خيرا .

                                                                                                                        27545 - وفي هذا الحديث ، عن عمر خلاف ما رواه سعيد بن المسيب أن عمر وعثمان كانا يكرهان العزل .

                                                                                                                        27546 - وسنذكر أقوال الفقهاء في العزل على الزوجة الحرة ، وعن الزوجة الأمة في آخر هذا الباب - إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                        27547 - ففي هذا الحديث إثبات قدم العلم ، وأن الخلق يجزون في علم [ ص: 210 ] قد سبق وجف به القلم في كتاب مسطور .

                                                                                                                        27548 - على هذا أهل السنة ، وهم أهل الحديث والفقه .

                                                                                                                        27549 - وجملة القول في القدر أنه علم الله وسره لا يدرك بجدل ، ولا تشفى منه خصومة ، ولا احتجاج .

                                                                                                                        27550 - وحسب المؤمن بالقدر أنه لا يقوم بشيء دون إرادة الله - عز وجل - وأن الخلق كلهم خلقه ، وملكه ، لا يكون في ملكه إلا ما شاء ، وما نشاء إلا أن يشاء الله ، ولو شاء لهداكم أجمعين ، له الملك ، وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وله الخلق والأمر ، له ما في السماوات ، وما في الأرض ، وما بينهما ، وما تحت الثرى ، ولا يكون في شيء من ذلك إلا ما يشاء يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ، من عذبه فبذنبه ، ويعفو عمن يشاء من عباده ، ومن لم يوفقه فليس بظالم له ، لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ، وما ربك بظلام للعبيد .

                                                                                                                        27551 - روينا أن بلال بن أبي بردة قال لمحمد بن واسع : ما تقول في القضاء والقدر ؟ فقال : إن الله - عز وجل - لا يسأل عباده يوم القيامة عن قضائه وقدره ، وإنما يسألهم عن أعمالهم .

                                                                                                                        27552 - وإنما في هذا الحديث دليل على أن السبي يقطع العصمة بين الزوجين [ ص: 211 ] الكافرين ، ولذلك يحل لمن وقعت جارية من المغنم في سهمه أن يطأها إذا استبرأ رحمها بحيضة ، وكانت ممن يحل له وطؤها على ما تقدم ذكرنا له .

                                                                                                                        27553 - وأما أقاويل الفقهاء في العزل عن الزوجة الحرة والأمة :

                                                                                                                        27554 - فقال مالك : لا يعزل الرجل المرأة الحرة إلا بإذنها . ولا بأس أن يعزل عن أمته بغير إذنها . ومن كانت تحته أمة قوم فلا يعزل إلا بإذنهم .

                                                                                                                        27555 - قال أبو عمر : لا أعلم خلافا أن الحرة لا يعزل عنها زوجها إلا بإذنها ، وله أن يعزل عن أمته بغير إذنها ، كما له أن يمنعها الوطء جملة .

                                                                                                                        27556 - واختلفوا في العزل عن الزوجة الأمة .

                                                                                                                        27557 - فقال أبو حنيفة ، وأصحابه : الإذن في العزل عن الزوجة الأمة إلى مولاها ، كقول مالك .

                                                                                                                        27558 - وقال الشافعي : ليس له أن يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها .

                                                                                                                        27559 - وقد قيل : أن لا يعزل عن الزوجة الأمة دون إذنها ، ودون إذن مولاها ، وليس له العزل عن الحرة إلا بإذنها .

                                                                                                                        27560 - وقد قيل : إنه لا يعزل عن الزوجة الأمة إلا بإذنها .

                                                                                                                        [ ص: 212 ] 27561 - وفي حديث هذا الباب دليل على أن من أقر بوطء أمته ، وزعم أنه كان يعزل عنها أن الولد يلحق به .

                                                                                                                        27562 - وهذا مذهب مالك ، وأصحابه .

                                                                                                                        27563 - وسيأتي هذا المعنى بما فيه للعلماء في كتاب الأقضية - إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                        الخدمات العلمية