الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        27921 - قال مالك ، في الرجل يبتاع العبد أو الوليدة بمائة دينار إلى أجل ، ثم يندم البائع ، فيسأل المبتاع أن يقيله بعشرة دنانير ، يدفعها إليه نقدا ، أو إلى أجل ويمحو عنه المائة دينار التي له .

                                                                                                                        27922 - قال مالك : لا بأس بذلك ، إن ندم المبتاع ، فسأل البائع أن يقيله في الجارية أو العبد ، ويزيده عشرة دنانير نقدا أو إلى أجل ، أبعد من الأجل الذي اشترى إليه العبد أو الوليدة ، فإن ذلك لا ينبغي ، وإنما كره ذلك ; لأن البائع كأنه باع منه مائة دينار له ، إلى سنة قبل أن تحل ، بجارية وبعشرة دنانير نقدا ، أو إلى أجل أبعد من السنة ، فدخل في ذلك بيع الذهب بالذهب إلى أجل .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        27923 - قال أبو عمر : أما المسألة الأولى التي ندم فيها البائع ، فأعطى المشتري عشرة دنانير نقدا ، أو إلى أجل ، وترد عليه يسقط عن المشتري ثمنها المائة الدينار المذكورة ، فهذا البيع مستأنف ، وإقالة لا يدخلها تهمة ; لأنها رجعت إليه سلعته بما اشتراها به من الزيادة ، ولم يدخل في ذلك ذهب بأكثر منها ، ولا ذهب بذهب إلى أجل ، فلذلك أجازه ، فقال : لا بأس به .

                                                                                                                        27924 - والمسألة الثانية : بين مالك - رحمه الله - ما يدخلها إعتاقه ، فذكر أنها بيع ذهب بذهب إلى أجل .

                                                                                                                        27925 - فأما الشافعي ، فليس في ذلك كله عنده شيء مكروه ، فلا يدخله [ ص: 17 ] عنده شيء يحرمه ; لأن الظاهر الجميل لا يظن به الظن السوء بالباطن ، والظن ليس بحقيقة ، ولا يقع التحريم بالظنون .

                                                                                                                        27926 - قال أبو عمر : لو كان البيع الأول نقدا لم يكن بذلك بأس عندهم ، إلا أن مالكا كرهها إذا كان صاحبها من أهل الغنيمة نقدا ، ولم ينفذ .

                                                                                                                        27927 - ذكر ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، والليث بن سعد ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار أنهما سئلا عن رجل اشترى سلعة ، ثم بدا له أن يتركها ، ويعطي صاحبها دينارا ؟ فقالا : لا بأس بذلك .

                                                                                                                        27928 - وعن مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن سليمان بن يسار مثل ذلك .

                                                                                                                        27929 - قال بكير : وقال ذلك ابن شهاب .

                                                                                                                        27930 - قال ابن وهب : وأخبرني ناجية بن بكير ، عن أبي الزناد ، وربيعة ، في رجل اشترى ثوبا ، فاستقاله ، فذهب ليرده إلى صاحبه ، فأبى أن يقيله ، فوضع من ثمنه على أن يقيله ، قالا : لا بأس بذلك .

                                                                                                                        27931 - قال أبو حنيفة : وأخبرني الحارث بن نبهان ، عن أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، أن شريحا كان يقول ذلك .

                                                                                                                        27932 - وقال : وإن ندم المبتاع ، فاستقال البائع ، وأعطاه دراهم ، فلا بأس به .

                                                                                                                        27933 - قال : وأخبرني عمر بن مالك أن يحيى بن سعيد ، قال : لو أن [ ص: 18 ] المشتري ندم ، فقال البائع : لا أقيلك إلا أن تنظرني بالذهب سنة لم يكن بذلك بأس .

                                                                                                                        27934 - قال يحيى : ولو قال له البائع : لا أقيلك إلا على أن تسلفني ذلك إلى سنة ، قال : لا يصلح ذلك .

                                                                                                                        27935 - قال ابن وهب : وقال لي مالك مثله .

                                                                                                                        27936 - قال مالك في الرجل يبيع الدابة من الرجل ، وينقده الثمن ، ثم يندم المشتري ، فيقول بائع الدابة منه : أقلني وخذ دابتك ، وأنظرك بثمنها سنة ، فقال مالك : هذا بيع جديد لا بأس به .

                                                                                                                        27937 - وذكر معمر ، عن علي بن بذيمة ، قال : سمعت سعيد بن جبير سأله رجل عن رجل اشترى سلعة من رجل ، فندم فيها ، فقال : أقلني ، ولك كذا وكذا ، فقال : لا بأس به .

                                                                                                                        27938 - وعن ابن طاوس ، عن أبيه أنه اشترى غلاما ، فأراد رده ، فلم يقيلوه منه حتى أعطاهم عشرة دنانير .

                                                                                                                        27939 - وعن قتادة أنه قال : لا بأس به .

                                                                                                                        27940 - قال معمر : وسألت حمادا عن رجل اشترى من رجل سلعة ، وندم فيها ، فقال : أقلني ، ولك كذا ، فكرهه .

                                                                                                                        [ ص: 19 ] 27941 - وشعبة ، عن الحكم بن عتيبة مثله .

                                                                                                                        27942 - وشعبة ، والثوري عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن الأسود أنه كره أن يردها ، ويرد معها شيئا .

                                                                                                                        27943 - وكرهه عطاء ، والشعبي .

                                                                                                                        27944 - ولم ير به ابن عمر بأسا .

                                                                                                                        27945 - قال أبو عمر : يدخل في هذا الباب مسألة حمار ربيعة ، ذكرها ابن وهب ، عنه في موطئه ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : كتب إلي ربيعة يقول في رجل باع حمارا بعشرة دنانير سنة ، ثم استقاله ، فأقاله بربح دينار ، عجله له ، وآخر باع حمارا نقدا ، فاستقاله المبتاع ، فأقاله بزيادة دينار أخره عنه إلى أجل ، فقال ربيعة : هذه ليست إقالة ; لأنه جميعا صار بيعها ; إنما الإقالة أن يتراد البائع والمبتاع ما كان بينهما من البيع على ما كان البائع عليه .

                                                                                                                        فأما الذي ابتاع حمارا إلى أجل ، ثم رده بفضل تعجله ، فإنما ذلك بمنزلة من اقتضى ذهبا يتعجلها من ذهب .

                                                                                                                        وأما الذي ابتاع الحمار بنقد ، ثم جاء باستقال صاحبه ، فقال الذي باعه : لا [ ص: 20 ] أقيلك إلا بربح دينار إلى أجل ، فإن هذا لا يصلح إلا أنه أخذ عنه الدينار ، وانتقدوا حق الحمار بما بقي من الثمن ، فصار ذهبا بذهب إلى أجل .




                                                                                                                        الخدمات العلمية