الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1377 1339 - مالك ، عن عثمان بن حفص بن خلدة ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن عبد الله بن عمر ، أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل ، فيضع عنه صاحب الحق ، ويعجله الآخر . فكره ذلك عبد الله بن عمر . ونهى عنه .

                                                                                                                        1340 - مالك ، عن زيد بن أسلم ، أنه قال : كان الربا في الجاهلية ، أن يكون للرجل على الرجل الحق إلى أجل . فإذا حل الأجل ، قال : أتقضي أم تربي ؟ فإن قضى ، أخذ . وإلا زاده في حقه ، وأخر عنه في الأجل .

                                                                                                                        30102 - قال مالك : والأمر المكروه الذي لا اختلاف فيه عندنا ، أن يكون للرجل على الرجل الدين إلى أجل ، فيضع عنه الطالب ويعجله المطلوب ، قال مالك : وذلك عندنا بمنزلة الرجل الذي يؤخر دينه بعد محله ، عن غريمه ، ويزيده الغريم في حقه . قال : فهذا الربا بعينه ، لا شك فيه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        20103 - قال أبو عمر : قد بين مالك - رحمه الله - أن من وضع من حق له لم يحل أجله يستعجله ، فهو بمنزلة من أخذ حقه بعد حلول أجله لزيادة يزدادها من غريمه لتأخيره ذلك ؛ لأن المعنى الجامع لهما هو أن يكون بإزاء الأمد الساقط [ ص: 260 ] والزائد بدلا وعوضا يزداده الذي يزيد في الأجل ، ويسقط عن الذي يعجل الدين قبل محله . فهذان وإن كان أحدهما عكس الآخر ، فهما مجتمعان في المعنى الذي وصفنا .

                                                                                                                        30104 - وقد اختلف العلماء في معنى قوله : ضع عني ، وأعجل لك ، ولم يختلفوا في معنى قولهم : إما أن تقضي ، وإما أن تربي إنه الربا المجتمع عليه الذي نزل القرآن بتحريمه .

                                                                                                                        30105 - ولم تعرف العرب الربا إلا في السنة المذكورة ، فنزل القرآن بذلك ، ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذهب بالذهب ، والورق بالورق ، والوزن بالوزن ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، متفاضلا ربا ، وأن النسيئة في الذهب بالورق ، وفي البر بالبر ، وفي الشعير بالشعير ، وفي التمر بالتمر ، وفي الملح بالملح ربا ، وأن ذلك لا يجوز إلا هاء وهاء عند جماعة العلماء .

                                                                                                                        30106 - وقد أوضحنا مذاهب العلماء في معنى هذه السنة المذكورة المنصوص عليها في حديث عبادة ، وحديث عمر ، والحمد لله .

                                                                                                                        30107 - فكان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في الربا زيادة على معنى ما نزل به القرآن .

                                                                                                                        30108 - وأما اختلاف العلماء في : ضع وتعجل ، فإن ابن عباس خالف في ذلك عبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت .

                                                                                                                        [ ص: 261 ] 30109 - وكذلك اختلف فيها التابعون ، ومن بعدهم من العلماء .

                                                                                                                        30110 - ذكر عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : أخبرني أبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم ، قال : سألت ابن عمر عن رجل لي عليه حق إلى أجل . فقلت : عجل لي وأضع عنك ، فنهاني عنه ، وقال : نهانا أمير المؤمنين أن نبيع العين بالدين .

                                                                                                                        30111 - قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس أنه سئل عن الرجل يكون له الحق على الرجل ، فيقول : عجل لي وأضع عنك ، قال : لا بأس بذلك .

                                                                                                                        30112 - وعن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأسا أن يقول : عجل لي وأضع عنك .

                                                                                                                        30113 - قال ابن عيينة : وأخبرني عمرو ، قال : قال ابن عباس : إنما الربا : أخر لي وأنا أزيدك : وليس عجل لي وأضع عنك .

                                                                                                                        30114 - وروى ابن وهب ، عن سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن القاسم بن محمد ، عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأله ، فقال : إن لي دينا على رجل إلى أجل ، فأردت أن أضع عنه ، ويعجل لي ؟ فقال : لا تفعل .

                                                                                                                        [ ص: 262 ] 30115 - واتفق مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما إلا زفر على أن : ضع وتعجل ربا .

                                                                                                                        30116 - وقال سفيان بن عيينة : تفسير عجل لي وأضع عنك إذا كان لي عليك ألف درهم إلى أجل ، فقلت : أعطني من حقي الذي عندك تسعمائة ، ولك مائة ، فقال بعضهم : ليس به بأس ، والذين كرهوه قالوا : إنما بعت الألف بالتسعمائة .

                                                                                                                        30117 - واختلف في ذلك قول الشافعي :

                                                                                                                        30118 - فقال مرة : لا بأس فيه ، ورآه من المعروف .

                                                                                                                        30119 - ومرة قال : ضع وتعجل لا يجوز .

                                                                                                                        30120 - وأما زفر بن الهذيل فذكر الطحاوي عن محمد بن العباس ، عن يحيى بن سليمان الجحفي ، عن الحسن بن زياد ، عن زفر في رجل له على رجل ألف درهم إلى سنة ، من متاع أو ضمان ، فصالحه منهما على خمسمائة نقدا ، أن ذلك جائز .

                                                                                                                        30121 - وأجاز مالك ، وأصحابه أن يتعجل في دينه الأجل عوضا يأخذه ، وإن كانت قيمته أقل من دينه .

                                                                                                                        30122 - وأجاز الثوري ، والحسن ، وابن سيرين ، وطائفة ممن يرى : ضع [ ص: 263 ] وتعجل ربا .

                                                                                                                        30123 - وهو مذهب ابن عمر ، لم يختلف عنه أنه لا يقاطع المكاتب إلا بالعروض .

                                                                                                                        30124 - واختلف عن سعيد بن المسيب في ضع وتعجل :

                                                                                                                        30125 - فحدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثني أبي ، وحدثني عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن علي ، قال : أملى علي أبو عمر بن أبي زيد ، قال : حدثني ابن وضاح ، قال : حدثني زيد بن البشر ، قال : حدثني ابن وهب ، عن ليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد ، قال : كان الناس يخالفون سعيد بن المسيب في عشر خصال ، فذكرها سعيد ، قال : كان الناس وفيها ، وكان يقول : لا بأس أن تضع من دين لك إلى أجل ، فيعجل لك .

                                                                                                                        30126 - وذكر عبد الرزاق ، قال أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، وعن ابن عمر ، قال : من كان له على رجل دين إلى أجل معلوم ، فعجل بعضه ، وترك له بعضه ، فهو ربا .

                                                                                                                        [ ص: 264 ] 30127 - قال عبد الرزاق : وأخبرنا الثوري ، وابن عيينة ، عن داود بن أبي هند ، قال : سألت سعيد بن المسيب عن ذلك ؟ فقال : تلك الدراهم عاجلة بآجلة .

                                                                                                                        30128 - قال : وأخبرنا الثوري ، عن حماد ومنصور ، عن إبراهيم : في الرجل يكون له الحق على الرجل إلى أجل ، فيقول : ضع عني وأعجل لك ، كان لا يرى بذلك بأسا .

                                                                                                                        30129 - قال : وأخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : قلت للشعبي : إن إبراهيم قال في الرجل يكون له الدين على الرجل إلى أجل فيضع له بعضا ، ويعجل له بعضا ، أنه ليس به بأس .

                                                                                                                        30130 - وكرهه الحكم بن عتيبة .

                                                                                                                        30131 - فقال الشعبي : أصاب الحكم وأخطأ إبراهيم .

                                                                                                                        30132 - قال أبو عمر : احتج من لم ير بذلك بأسا بحديث رواه مسلم بن خالد الزنجي ، قال : أخبرنا علي بن يزيد بن ركانة ، عن داود بن الحصين ، عن [ ص: 265 ] عكرمة ، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لما أمرنا بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا : يا نبي الله : إنك أمرت بإخراجنا ، ولنا على الناس ديون لم تحل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ضعوا وتعجلوا " .

                                                                                                                        30133 - وقال من كره ذلك : جائز أن يكون ذلك قبل نزول القرآن بتحريم الربا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية