الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        30203 - قال مالك : الأمر عندنا ، أنه لا بأس بالشرك والتولية والإقالة منه في الطعام وغيره ، قبض ذلك أو لم يقبض ، إذا كان ذلك بالنقد ، ولم يكن فيه ربح ولا وضيعة ولا تأخير للثمن ، فإن دخل ذلك ربح أو وضيعة أو تأخير من واحد منهما ، صار بيعا يحله ما يحل البيع ، ويحرمه ما يحرم البيع ، وليس بشرك ولا تولية ولا إقالة .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        30204 - قال أبو عمر : لا خلاف بين العلماء أن الإقالة إذا كان فيها نقصان أو زيادة أو تأخير أنها بيع ، وكذلك التولية ، والشركة ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن [ ص: 11 ] بيع الطعام حتى يستوفى .

                                                                                                                        30205 - وإنما اختلفوا في الإقالة على وجهها بلا زيادة ، ولا نقصان ، لا نظرة ، ولا هي بيع ، فيحل فيها ، ويحرم ما يحل في البيع ويحرم ، أم هي معروف ، وإحسان ، وفعل خير ، وليست ببيع ، وكذلك الشركة ، والتولية .

                                                                                                                        30206 - وكذلك ذهب مالك إلى أن الشركة ، والتولية ، والإقالة جائز ذلك كله في السلم قبل قبضه ، وفي الطعام كله ; لأنه من فعل الخير وصنع المعروف .

                                                                                                                        30207 - والحجة له قوله عز وجل : وافعلوا الخير [ الحج : 77 ] .

                                                                                                                        30208 - وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل معروف صدقة " .

                                                                                                                        30209 - وقد لزم الإقالة ، والتولية والشركة اسم غير اسم البيع ، فكذلك جاز ذلك في السلم ، والطعام قبل الاستيفاء ، والقبض .

                                                                                                                        30210 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري ، والليث بن [ ص: 12 ] سعد : لا تجوز التولية ، والشركة في السلم قبل القبض ، ولا في الطعام المأخوذ بعوض قبل القبض .

                                                                                                                        30211 - وأما الإقالة ، فاختلافهم هل هي بيع أم فسخ على ما أضيف لك بقول مالك ما تقدم ذكره أنها معروف ، وإحسان .

                                                                                                                        30212 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : الإقالة قبل القبض فسخ بيع .

                                                                                                                        30213 - وقال أبو حنيفة : هي بعد القبض فسخ أيضا ، ولا تقع إلا بالثمن الأول لا زيادة ، ولا نقصان ، سواء تقابلا بزيادة ، أو نقصان ، أو ثمن غير الأول .

                                                                                                                        30214 - وهو قول الشافعي .

                                                                                                                        30215 - وقال أبو يوسف : هي بيع بعد القبض ، وتجوز بالزيادة ، والنقصان ، وبثمن آخر .

                                                                                                                        30216 - ولأبي حنيفة ، وأصحابه في هذا المعنى كثير مذكور في كتبهم ، قد ذكرنا كثيرا منه في غير هذا الموضع .

                                                                                                                        30217 - وقال الشافعي : إن أقاله على زيادة ، أو نقصان بعد القبض ، فلا خير فيه ; لأن الإقالة فسخ ، وليست ببيع .

                                                                                                                        30218 - قال أبو عمر : قد أجمعوا أن الإقالة بيع جائز في السلف برأس [ ص: 13 ] المال ، ولو كانت بيعا دخلها بيع الطعام قبل أن يستوفى ، وبيع ما ليس عند البائع ، فدل على أنهما فسخ بيع ما لم تكن فيها زيادة ، أو نقصان ، وإنما يستغنى عن ذكر الثمن ، وهو معروف عند مالك على ما تقدم ، إلا أن حكمها عند حكم البيع المستأنف ، والعهدة على المشتري فيما قبض وبان به إلى نفسه ، ثم ظهر به عيب عنده .

                                                                                                                        30219 - ولم يختلف قوله ، ولا قول أصحابه في الجارية المواضعة للحيضة إذا وقعت الإقالة بعد قبض سترها لها وعينه عليها أن العهدة عليه ، والمصيبة منه .

                                                                                                                        30220 - واختلف ابن القاسم ، وأشهب : لو ماتت الجارية ، ولم يبن بها حمل .

                                                                                                                        30221 - فقال ابن القاسم على أصله : المصيبة فيها على المشتري .

                                                                                                                        30222 - وقال أشهب : المصيبة فيها من البائع المقالي ، وليس هذا الموضع بموضع لذكر هذا المعنى ، وإنما يذكر في الباب معناه دون ما سواه ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                        30223 - وقال الأوزاعي : يجوز أن يقول المشتري للبائع : أقلني ، ولك دراهم ، ويقول له البائع : أقلني ، وأعطيك كذا بكذا درهما ، وأنه لا بأس [ ص: 14 ] بذلك .

                                                                                                                        30224 - وقال في رجل اشترى طعاما ، ولم يقبضه حتى قال : أقلني ، وأعطيك كذا وكذا درهما أنه لا بأس بذلك .

                                                                                                                        30225 - قال أبو عمر : قد مضى في صدر كتاب البيوع من الإقالة ما يوجب أن يكون قول الأوزاعي هذا فيه .

                                                                                                                        30226 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : لا بأس بالتولية ، إنما هو معروف .

                                                                                                                        30227 - قال : وأخبرنا معمر ، عن أيوب عن الحسن مثله .

                                                                                                                        30228 - قال : وقال ابن سيرين : لا حتى يقبض ويكال .

                                                                                                                        30229 - قال : وأخبرنا معمر ، عن ربيعة ، قال : التولية ، والإقالة ، والشركة سواء ، لا بأس به .

                                                                                                                        30230 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثا مستفاضا بالمدينة ، قال : من ابتاع طعاما ، فلا يبعه حتى يقبضه ويستوفيه ، إلا أن يشرك فيه أو يوليه ، أو يقيله .

                                                                                                                        [ ص: 15 ] 30231 - وروى داود بن عبد الرحمن ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، قال : كل بيع لا يجوز بيعه حتى يقبض إلا التولية ، والشركة ، والإقالة .

                                                                                                                        30232 - قال داود : وأخبرني رجل ، عن مجاهد مثله .

                                                                                                                        30233 - وأما الذين جعلوا ذلك بيعا ، فلم يجيزوا أشياء منه .

                                                                                                                        30234 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، قال : التولية بيع في الطعام ، وغيره .

                                                                                                                        30235 - قال : وأخبرنا الثوري ، عن جابر ، عن الشعبي ، وعن سليمان التيمي ، عن الحسن ، وابن سيرين ، وعن فطر ، عن الحكم ، قالوا : التولية بيع .

                                                                                                                        20236 - وقال الثوري : من اشترى شيئا فلا يؤله ، ولا يشرك فيه ، ولا يبعه حتى يقبضه مما يكال ، أو يوزن ، أو غير ذلك ; لأن كل هذا عندنا بيع .




                                                                                                                        الخدمات العلمية