الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        31119 - قال مالك : والسنة في المساقاة التي يجوز لرب الحائط أن يشترطها على المساقي شد الحظار وخم العين وسرو الشرب وإبار [ ص: 223 ] النخل وقطع الجريد وجذ الثمر ، هذا وأشباهه على أن للمساقي شطر الثمر أو أقل من ذلك أو أكثر إذا تراضيا عليه ، غير أن صاحب الأصل لا يشترط ابتداء عمل جديد ، يحدثه العامل فيها ، من بئر يحتفرها ، أو عين يرفع رأسها أو غراس يغرسه فيها ، يأتي بأصل ذلك من عنده . أو ضفيرة يبنيها ، تعظم فيها نفقته ، وإنما ذلك بمنزلة أن يقول رب الحائط لرجل من الناس : ابن لي هاهنا بيتا ، أو احفر لي بئرا أو أجر لي عينا ، أو اعمل لي عملا بنصف ثمر حائطي هذا ، قبل أن يطيب ثمر الحائط ، ويحل بيعه ، فهذا بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها .

                                                                                                                        31120 - قال مالك : فأما إذا طاب الثمر وبدا صلاحه وحل بيعه ، ثم قال رجل لرجل : اعمل لي بعض هذه الأعمال ، لعمل يسميه له ، بنصف ثمر حائطي هذا ، فلا بأس بذلك ، إنما استأجره بشيء معروف معلوم ، قد رأه ورضيه فأما المساقاة ، فإنه إن لم يكن للحائط ثمر ، أو قل ثمره أو فسد ، فليس له إلا ذلك وأن الأجير لا يستأجر إلا بشيء مسمى ، لا تجوز الإجارة إلا بذلك ، وإنما الإجارة بيع من البيوع ، إنما يشتري منه عمله ، ولا يصلح ذلك إذا دخله الغرر ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الغرر .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        31121 - قال أبو عمر : أراد مالك - رحمه الله - بكلامه هذا بيان الفرق بين [ ص: 224 ] المساقاة ، والإجارة ، وأن المساقاة ليست من الإجارة في شيء ، فإنها أصل في نفسها كالقراض ، لا يقاس عنده عليها شيء من الإجارات .

                                                                                                                        31122 - إن الإجارة عنده بيع من البيوع ، لا يجوز فيها الغرر ، وقوله في ذلك كله هو قول جمهور العلماء .

                                                                                                                        31123 - ومنهم من يأبى أن يجعل الإجارة من باب البيوع وهو قول أهل الظاهر ; لأنها منافع لم تخلق .

                                                                                                                        31124 - وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما لم يخلق ، ولأنها ليست عينا وليست البيوع إلا في الأعيان ، وقالوا : الإجارة باب منفرد بسنته كالمساقاة ، وكالقراض .

                                                                                                                        31125 - وأما قوله في هذه المسألة " شد الحظار " ، فروي بالشين المنقوطة ، وهو الأكثر عن مالك في الرواية ، ويروى عنه بالسين على معنى سد الثلمة ، وأما بالشين معناه تحصين الزروب التي حول النخل ، والشجر ، وكل ذلك متقارب المعنى .

                                                                                                                        31126 - وأما " خم العين " ، فتنقيتها والمخموم : النقي ، ومنه يقال : رجل مخموم القلب إذا كان نقي القلب من الغل والحسد .

                                                                                                                        31127 - وأما " سرو الشرب " فالسرو : الكنس للحوض ، والشرب : جمع شربة ، وهي الحياض التي حول النخل ، والشجر وجمعها شرب ، وهي حياض [ ص: 225 ] يستنقع فيها الماء حول الشجر ، ويقال في القليل منها شربات ، كما قال زهير : "

                                                                                                                        يخرجن من شربات ماؤها طحل

                                                                                                                        " .

                                                                                                                        31128 - وإبار النخل تذكيرها بطلع الفحل .

                                                                                                                        31129 - و " قطع الجريد " : قطع جرائد النخل إذا كسرت ، وقد يصنع مثل ذلك بالشجر ، وهو ضرب من قطع قضبان الكرم .

                                                                                                                        31130 - و " جذ الثمر " : جمعه وهو مثل حصاد الزرع ، وقطع العنب .

                                                                                                                        31131 - واختلف الفقهاء في الذي عليه جذاذ الثمر منهما فقال مالك : ما وصفنا عليه جماعة أصحابه إلا أنهم قالوا : إن اشترط المساقي على رب المال جذاذ الثمر ، وعصر الزيتون جاز ، وإن لم يشترطه ، فهو على العامل ، ومن اشترط عليه منهما جاز .

                                                                                                                        31132 - وقال محمد بن الحسن الشيباني : والتلقيح ، والخبط حتى يصير تمرا على العامل ، فإذا بلغ الجذاذ كان عليهما بنصفين إن كان الشرط نصفين .

                                                                                                                        قال : ولو أن صاحب النخل اشترط في أصل المساقاة الجذاذ والخبط حتى يصير ثمرا على العامل ، فإذا بلغ الجذاذ ، والخبط بعد ما بلغ على العامل كانت المساقاة فاسدة .

                                                                                                                        [ ص: 226 ] 31133 - وقال الشافعي : إن اشترط المساقى على رب المال جذاذ الثمر ، أو قطف العنب لم يجز ، فكانت المساقاة فاسدة ، وإنما " شد الحظار " عند مالك على العامل كما عليه ، كما وصفنا من إبار النخل ، وقطع الجريدة ونوى النطيح ، والخبط حتى يصير تمرا .

                                                                                                                        31134 - وقال الشافعي : كل ما كان داعيته إلى الاستزادة في العدة من إصلاح الماء بطريقه ، وقطع الحشيش المضر بالنخل ، ونحوه فشرطه على العامل ، وأما " شد الحظار " فليس عنه مشترى في الثمن ، ولا صلاح لها ، ولا يجوز اشتراطه على العامل .

                                                                                                                        31135 - وقال محمد بن الحسن : لا يجوز اشتراط تنقية المسقاة ، والأنهار على العامل ، وإن اشترط ذلك عليه كانت المعاملة فاسدة .

                                                                                                                        31136 - قال أبو عمر : قول مالك في هذا الباب أولى بالصواب ; لأن ذلك كله عمل في الحائط يصلحه ، وينعقد ، وعلى ذلك يستحق المساقي نصيبه من عدمه ، فأما الذي لا يجوز اشتراطه على العامل ، مما لا يعود منه فائدة على العامل في حصته ما ينفرد به رب الحائط دونه ; لأنه حينئذ - يصير زيادة استأجره عليها المجهول من الثمن .




                                                                                                                        الخدمات العلمية