الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        31169 - قال : فأما الرجل الذي يعطي أرضه البيضاء ، بالثلث أو الربع مما يخرج منها . فذلك مما يدخله الغرر ; لأن الزرع يقل مرة ويكثر مرة ، وربما هلك رأسا ، فيكون صاحب الأرض قد ترك كراء معلوما يصلح له أن يكري أرضه به وأخذ أمرا غررا لا يدري أيتم أم لا ؟ فهذا مكروه ، وإنما ذلك مثل رجل استأجر أجيرا لسفر بشيء معلوم ، ثم قال الذي استأجر الأجير : هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك ؟ فهذا لا يحل ولا ينبغي .

                                                                                                                        31170 - قال مالك : ولا ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ولا أرضه ولا [ ص: 233 ] سفينته إلا بشيء معلوم لا يزول إلى غيره .

                                                                                                                        31171 - قال مالك : وإنما فرق بين المساقاة في النخل والأرض البيضاء ، أن صاحب النخل لا يقدر على أن يبيع ثمرها حتى يبدو صلاحه ، وصاحب الأرض يكريها وهي أرض بيضاء لا شيء فيها .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        31172 - قال أبو عمر : الفرق بين المساقاة ، وكراء الأرض البيضاء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزارعة ، وهي إعطاء الأرض بالثلث ، والربع ، وساقى أهل خيبر على نصف ما تخرج الثمرة .

                                                                                                                        31173 - فروى ثابت بن الضحاك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزارعة .

                                                                                                                        31174 - وروى يعلى بن حكيم ، عن سليمان بن يسار ، عن رافع بن خديج ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من كانت له أرض ، فليزرعها ، أو ليزرعها أخاه ولا يكريها بثلث ، ولا بربع " .

                                                                                                                        [ ص: 234 ] 31175 - وروى عطاء عن جابر ، قال : خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ولا يؤاجرها " .

                                                                                                                        31176 - وقد ذكرنا الأسانيد في " التمهيد " .

                                                                                                                        31177 - وفي حديث جابر ، ورافع ما يدل على أن النهي عن ذلك كان بعد خيبر ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساقاهم على نصف ما تخرج الأرض والثمرة على حسب ما كانوا عليه قبل أن ينهى ، ثم نهى عن ذلك ونهى عن المخابرة .

                                                                                                                        31178 - وقيل : إنما فعله بخيبر ، والله أعلم .

                                                                                                                        31179 - وقد قيل غير ذلك على ما ذكرناه في " التمهيد " .

                                                                                                                        31180 - وما ذهب إليه مالك في كراهية كراء الأرض بجزء مما تخرجه هو مذهب الشافعي .

                                                                                                                        31181 - وقد تقدم ذكر ذلك ، ولكنا كررناه كما كرره مالك .

                                                                                                                        31182 - واختلف عن الليثي في المزارعة بالثلث ، والربع ، ونحو ذلك : فروي عنه كراهتها .

                                                                                                                        [ ص: 235 ] وروي عنه إجازتها .

                                                                                                                        31183 - وروي عن يحيى ، عن الليث بن سعد أنه قال : إنما تكرى الأرض بشيء مما يخرج منها إذا كان ذلك ضامنا على المشتري دفع أو لم يدفع ، فأما أن يلزمها ببعض ما يخرج منها ، ويزرع فيها نصفا أو ثلثا أو ربعا فذلك حلال .

                                                                                                                        31184 - قال أبو عمر : يقول الليث : هذا في إجازته المزارعة بجزء ما تخرج الأرض ما يزرع فيها .

                                                                                                                        31185 - قال ابن أبي ليلى ، والحسن بن حي ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو يونس ، ومحمد ، وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                        31186 - وحجتهم في ذلك حديث عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ساقى أهل خيبر على نصف ما تخرج الأرض والثمرة .

                                                                                                                        31187 - قال أحمد : هذا حديث صحيح ، وأحاديث رافع مضطربة الألفاظ .

                                                                                                                        31188 - واحتج غيره على مالك في إجازته المزارعة في الأرض بين الشجر إذا كانت الثلث فأقل ، فإن ذلك لو لم يجز منفردا ما جاز بين النخل ، وإذ لم يجز [ ص: 236 ] منفردا لم يجز بين النخل .

                                                                                                                        31189 - قالوا : وتوقيت الثلث ، فما دونه حكم بغير حجة ; لأن التوقيت يحتاج إلى توقيت .

                                                                                                                        31190 - قالوا : وليس في أصول الشريعة ما يبيح العقد الفاسد للضرورة لمن ادعى في ذلك ضرورة .

                                                                                                                        31191 - فأما قول مالك : لا ينبغي لأحد أن يؤاجر نفسه ، ولا أرضه ، ولا سفينته إلا بشيء معلوم .

                                                                                                                        31192 - فهذا قول الشافعي والكوفي .

                                                                                                                        31193 - وقد أجازت طائفة من التابعين ومن بعدهم أن يعطي الرجل سفينته ، ودابته كما يعطي أرضه بجزء مما يرزقه الله - تعالى - في الصلاح بها ، وجعلوا أصلهم في ذلك بالقراض المجتمع عليه .




                                                                                                                        الخدمات العلمية