الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وأحب للصائم أن ينزه صيامه عن اللغط القبيح والمشاتمة وإن شوتم أن يقول إني صائم للخبر في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأما الكذب والغيبة والشتم والنميمة ، فكل واحد ممنوع منه غير أن الصائم بالمنع أولى لقوله تعالى : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا [ التوبة : 36 ] إلى قوله : منها أربعة حرم فلا تظلموا فيهن أنفسكم [ التوبة : 136 ] فالظلم وإن كان قبيحا في جميع السنة فهو في الأشهر الحرم أقبح ، وإنما كان الصائم بالمنع أولى ؛ لأن الصيام أفضل أعمال القرب . وروي عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صمت الصائم تسبيح ، ونومه عبادة ، ودعاؤه مستجاب ، وعمله مضاعف ، وللصائم فرحتان : فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك " وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من لم يدع قول الزور والعمل به فليس له حاجة أن يدع طعامه وشرابه " وروى المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رب صائم حظه من صومه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر " .

                                                                                                                                            وروى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصوم جنة ، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل ، وإن امرؤ شاتمه فليقل : إني صائم إني صائم " وفيه ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                            [ ص: 465 ] أحدها : أنه في قوله : إني صائم إني صائم شفاء لغيظه وسكون لنفسه ، فيمتنع عن جواب خصمه .

                                                                                                                                            والثالث : ليعلم خصمه صيامه ، فيكف عن شتمه وأذاه ، فلو خالف هذا فكذب أو اغتاب أو نم أو شتم كان آثما مسيئا وهو على صومه ، وبه قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي فإنه قال : قد أفطر ولزمه القضاء ؛ تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم : " خمس يفطرن الغيبة والنميمة والكذب والنظر بالشهوة واليمين الكاذبة " وهذا الخبر ورد على طريق الزجر والتغليظ ، وسقوط الثواب كقوله تعالى : ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا [ الحجرات : 12 ] والإنسان لا يأكل لحم أخيه ميتا بالغيبة وإنما أثم كإثمه لو أكل ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تكلم والإمام يخطب فلا جمعة " تشديد في سقوط الثواب وإنما حملناه على هذا ؛ لأن دليل الإجماع يدفعه ، ولأن كل شيء كان المباح منه لا يفطر ، فإن المحظور منه لا يفطر ، أصله القبلة وعكسه الأكل والجماع .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية