الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا باع الرجل في مرضه شقصا بألف درهم وهو يساوي ثلاثة آلاف درهم إلا أنه حاباه في ثمنه بألفي درهم فللمشتري وللشفيع ثلاثة أحوال : [ ص: 237 ] إحداهن : أن يكونا أجنبيين من البائع ، والثانية : أن يكون المشتري وارثا ، والشفيع أجنبيا ، والثالثة : أن يكون المشتري أجنبيا ، والشفيع وارثا .

                                                                                                                                            فأما الحالة الأولى : وهو أن يكونا أجنبيين فلا يخلو حال البائع من أن يملك مالا غير الشقص ، أو لا ، فإن كان يملك مالا تخرج المحاباة من ثلثه صحت المحاباة وأخذ المشتري الشقص بألف درهم وللشفيع أن يأخذه منه بالألف ؛ لأنه يملك الشفعة بالثمن مسترخصا كان ، أو غاليا ، وإن كان البائع لا يملك غير الشقص ، فللمشتري الخيار في أن يأخذ الشقص بألف درهم ، أو يرد ليحصل له نصف المحاباة وبين ألف تكون ثلث التركة ويرجع إلى الورثة ثلث الشقص وقيمة ألف مع ألف حصلت لهم ثمنا فيصير مثلي المحاباة بالألف ثم للشفيع أن يأخذ بالألف ثلثي الشقص العائد للمشتري بالألف .

                                                                                                                                            وأما الحالة الثانية : وهو أن يكون المشتري وارثا ، والشفيع أجنبيا ، فالمحاباة باطلة وإن خرجت من الثلث ؛ لأنها وصية لوارث ، والمشتري بالخيار بين أن يأخذ ثلث الشقص بألف وبين أن يرده فإن أخذ ثلثه بالألف فللشفيع أخذ الثلث منه بالألف وإن رده المشتري عرض على الشفيع قبل رده فإن رضي أن يأخذ ثلث الشقص بالألف كان أحق وبطل رد المشتري ؛ لأنه يرده ليحصل له الثمن الخارج من يده ، وقد حصل له ذلك من جهة الشفيع فوصل إلى حقه ، ومنع من إبطال حق الشفيع برده كما يمنع من رده بعيب لو ظهر إذا رضي الشفيع به وتكون عهدة الشفيع على المشتري . فلو أن باقي الورثة أجازوا للوارث محاباته ، وأعطوه الشقص كله بالألف جاز ، وفيما يأخذه الشفيع قولان مبنيان على اختلاف قوليه في إجازة الورثة هل تكون عطية ، أو إمضاء :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه إمضاء ، فعلى هذا للشفيع أن يأخذ الشقص كله بالألف .

                                                                                                                                            والثاني : أنه ابتداء عطية ، فعلى هذا يأخذ ثلث الشقص بالألف ويخلص للمشتري ثلثاه ؛ لأنها عطية له خالصة .

                                                                                                                                            وأما الحالة الثالثة : وهو أن يكون المشتري أجنبيا ، والشفيع وارثا فللمحاباة وهي ألف درهم ثلاثة أحوال : حال يحتمل الثلث جميعها ، وحال لا يحتمل الثلث شيئا منها ، وحال يحتمل الثلث بعضها . فإن لم يحتمل الثلث شيئا منها لإحاطة الدين بالتركة بطلت المحاباة ، وكان للمشتري الخيار في أخذ ثلث الشقص بالألف ، أو رده فإن أخذه كان الشفيع أحق به ، وإن كان وارثا ؛ لأنه لا محاباة فيه . وإن احتمل الثلث جميع المحاباة ؛ لأنه ذو مال يخرج الألفان من ثلثه ، فالمحاباة بثلثي الشقص ، وإن احتمل الثلث بعضها وهو أن لا يملك غير الشقص [ ص: 238 ] المقوم بثلاثة آلاف درهم احتمل الثلث نصف المحاباة وهو ثلث الشقص ، وفيها أربعة أوجه حكاها ابن سريج :

                                                                                                                                            الوجه الأول : أنها جائزة للمشتري والشفيع ؛ لأن المشتري مقصود بها فصحت له ، والشفيع داخل عليه فوجبت له ، فعلى هذا يأخذ المشترى ثلثي الشقص بألف درهم ، وللشفيع أخذ هذين الثلثين بالألف ، ويرجع الثلث على الورثة مع الألف الصائرة إليهم ثمنا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن المحاباة جائزة للمشتري دون الشفيع ؛ لأن المشتري ممن يصح محاباته وهو بها مقصود ، والشفيع ممن لا تصح محاباته وهو بها غير مقصود ، فعلى هذا يأخذ المشتري ثلثي الشقص بألف ، وللشفيع أن يأخذ منه ثلثه بألف ، ويرجع إلى الورثة الثلث فيصير الشقص أثلاثا : ثلثه للورثة ؛ لأن الشك لا يحتمله ، وثلثه للمشتري ؛ لأنها محاباة له ، وثلثه للشفيع بعد رد المحاباة التي لا تصح له .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أن المحاباة باطلة للمشتري وللشفيع جميعا ؛ لأنها قد تفضى إلى الشفيع الذي لا يصح له أن يملكها ، وهي مقترنة بالمبيع الذي لا يجوز أن يفرد عنها ، فعلى هذا للمشتري أن يأخذ ثلث الشقص بالألف ، وللشفيع أن يأخذ منه بالألف ، ويرجع الثلثان على الورثة .

                                                                                                                                            والوجه الرابع : أن المحاباة موقوفة مراعاة فإن عفا الشفيع عن شفعته صحت المحاباة للمشتري وأخذ ثلثي الشقص بالألف ورجع الثلث إلى الورثة ، وإن طالب بالشفعة بطلت المحاباة للمشتري وأخذ ثلث الشقص بالألف ويأخذه الشفيع منه بالألف ويرجع الثلثان إلى الورثة .

                                                                                                                                            فأما إذا كان الشفيع وارث المشتري وهما أجنبيان من البائع صحت المحاباة للمشتري واستحق الشفيع المحاباة بشفعته ؛ لأنها ليست محاباة من المشتري ألا ترى أنه يأخذها منه جبرا بلا اختيار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية