الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ويمنعها من شرب الخمر وأكل الخنزير إذا كان يتقذر به ، ومن أكل ما يحل إذا تأذى بريحه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الذمية ، فللزوج أن يمنعها أن تشرب الخمر والنبيذ وما يسكرها : لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : ربما أنه خاف على نفسه من سكرها .

                                                                                                                                            والثاني : أنه قد ربما منعته في السكر من الاستمتاع بها ، فصار بكل واحد من الأمرين غير ممكن من الاستمتاع ، فلذلك جاز أن يمنعها منه قولا واحدا ، فأما إن أرادت أن تشرب من الخمر والنبيذ ما لا يسكرها ، فقد اختلف أصحابنا فيه على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة - : إن له منعها من يسيره الذي لا يسكر ، كما يمنعها من كثيره الذي يسكر : لأن حد المسكر منه غير معلوم ، وربما أسكرها اليسير ، ولم يسكرها الكثير : لأن السكر يختلف باختلاف الأمزجة والأهوية ، فالمحرور يسكره القليل ، والمرطوب لا يسكره إلا الكثير ، وإذا برد الهواء واشتد أسكر القليل ، وإذا حمي الهواء لم يسكر إلا الكثير ، فلم يجز مع اختلافه أن يغترف حال قليله وكثيره .

                                                                                                                                            والثاني - وهو قول أبي حامد الإسفراييني - : لما لم يذكر أمارة تدل على أن الزيادة بعدها مسكرة ، وهذا القدر لا يمنع من الاستمتاع ، ولكن ربما عافته نفوس المسلمين ، لا سيما من قوي دينه ، وكثر تحرجه ، فيصير مانعا له من كمال الاستمتاع ، فيحرم جواز منعها منه على قولين .

                                                                                                                                            [ ص: 230 ] والثالث : ليس له منعها من شرب القليل الذي يرون شربه في أعيادهم عبادة ، وله أن يمنعها من الزيادة عليه سواء أسكر ، أو لم يسكر ، مراعاة فيه العبادة ، ولم يراعى فيه السكر ، وهذا الوجه أشبه .

                                                                                                                                            فأما المسلمة ، فللزوج منعها من شرب الخمر قليله وكثيره ، وكذلك من سائر المحرمات ، فأما النبيذ ، فإن كانا الزوجان شافعيين يعتقدان تحريم النبيذ كالخمر ، فله منعها من قليله وكثيره ، وإن كانا حنفيين يعتقدان إباحة النبيذ كان كالخمر في حق الذمية فله منعها أن تشرب منه قدر ما يسكرها . وهل يمنعها من قليله الذي لا يسكرها ، فعلى قول أبي علي بن أبي هريرة يمنعها منه قولا واحدا ، وعلى قول أبي حامد يكون على قولين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية