الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإن وطئ في الدم استغفر الله تعالى ولا يعود " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال إذا وطئ الحائض في قبلها فقد أثم ، وعليه أن يستغفر الله تعالى ولا كفارة عليه . وهو قول أبي حنيفة وأكثر الفقهاء .

                                                                                                                                            وقال الحسن البصري : عليه ما على المظاهر .

                                                                                                                                            وقال سعيد بن جبير : عليه عتق نسمة ، وقال الأوزاعي : عليه أن يتصدق بدينار إن وطئ في الدم ، ونصف دينار إن وطئ قبل الغسل . وبه قال ابن جرير الطبري : استدلالا برواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن وطئ في الدم فعليه دينار ، وإن وطئ قبل الغسل فنصف دينار " . وروي هذا الحديث للشافعي ، وكان إسناده ضعيفا .

                                                                                                                                            قال : إن صح قلت به ، فإن لم يصح فلا شيء عليه ، وإن صح فقد اختلف أصحابنا فيه مع الصحة هل يكون محمولا على الإيجاب أو على الاستحباب ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما - وهو قول كثير منهم - : أن يكون محمولا على الإيجاب أو على الاستحباب على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : اعتبارا بظاهره ، وقد حكى الربيع عن الشافعي ، أنه قال : ما ورد من سنة الرسول بخلاف مذهبي ، فاتركوا له مذهبي ، فإن ذلك مذهبي ، وقد فعل أصحابنا مثل ذلك في التصويب في الصلاة الوسطى .

                                                                                                                                            والوجه الثاني - وهو قول أبي العباس بن سريج - : أنه يكون محمولا على الاستحباب دون الوجوب : لأن الزنا والوطء في الدبر أغلظ تحريما ، ولا كفارة فيه ، فلأن لا يكون في وطء الحائض كفارة أولى ، ولأن كفارة الوطء إنما تجب بما تعلق به من إفساده عبادة كالحج والصيام ، وليس فيه كفارة إذا لم يتعلق به إفساد عبادة ، وقد رويأن رجلا قال لأبي بكر - رضي الله تعالى عنه - رأيت في منامي كأنني أبول الدم ، فقال : لعلك تطأ امرأتك حائضا ؟ قال : نعم ، قال : استغفر الله ولا تعد ، ولم يلزمه كفارة ، فأما المستحاضة فلا يحرم وطئها : لأنها كالطاهرة فيما يحل ويحرم ، ولأن دم الاستحاضة رقيق وهو دم عرق قليل الأذى ، وليس كدم الحيض في ثخنه ونتنه وآذاه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية