الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " وإن أنكر أن يكون قذفها فجاءت بشاهدين لاعن ، وليس جحوده القذف إكذابا لنفسه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : هذا كما قال ، إذا قامت عليه البينة بالقذف بعد إنكاره ، لم يكن إنكاره إكذابا لنفسه في لعانه ؛ لأنه بالإنكار يقول : لم أقذفها بالزنا وقد تكون زانية وإن لم يقذفها ، فلذلك لاعن ، ولو أكذب نفسه في إنكاره فقال : ما زنت لم يكن له أن يلاعن بعد قيام البينة عليه بالقذف .

                                                                                                                                            مثال ذلك من الوديعة إذا ادعيت عليه ، فإن قال : ليس لك في يدي وديعة ، أو لا تستحق معي وديعة ، فقامت عليه البينة بأنه قد أودعه فادعى تلفها قبل قوله ؛ لأنه لم يكذب نفسه في الأول ، ولو قال : لم تودعني ، ثم قال بعد قيام البينة عليه بالوديعة قد أودعتني وتلفت لم يقبل قوله ؛ لأنه مكذب لنفسه في الأول . كذلك حكم اللعان بعد إنكار القذف لا يكون مكذبا لنفسه بإنكار القذف فلذلك لاعن ، واختلف أصحابنا ، هل يكون إنكاره إكذابا للبينة أم لا ؟ على وجهين : حكاهما ابن أبي هريرة .

                                                                                                                                            [ ص: 34 ] أحدهما : لا يكون إكذابا لها كما لا يكون إكذابا لنفسه ؛ لأنه يقول : إن القذف ما احتمل الصدق والكذب ، وأنا صادق في أنها زنت ، فلم أكن قاذفا ، والشهود قد صدقوا فيما شهدوا به علي من قولي أنها زنت ، فعلى هذا يجوز أن يلاعنها بعد قيام البينة عليه من غير قذف يستجده .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يكون مكذبا للبينة بإنكار القذف ؛ لأنها شهدت عليه بقول قد نفاه عن نفسه بإنكاره ، وما ذكره من معنى القذف تأويل لا يقبل في حق غيره ، فلذلك كان إكذابا للبينة وإن لم يكن إكذابا لنفسه ، فعلى هذا ليس له أن يلاعن بعد قيام البينة إلا بقذف يستجده ، وهذا هو فائدة هذين الوجهين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية