الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 50 ] باب ما يجب على المرء من القيام بالشهادة إذا دعي ليشهد أو يكتب

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : قال الله جل ثناؤه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه قال الشافعي : والذي أحفظ عن كل من سمعت من أهل العلم أن ذلك في الشاهد قد لزمته الشهادة وأن فرضا عليه أن يقوم بها على والده ، وولده ، والقريب ، والبعيد لا تكتم عن أحد ولا يحابى بها أحد ولا يمنعها أحد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الشهادة وثيقة تتم بالتحمل وتستوفى بالأداء فصارت جامعة للتحمل في الابتداء والأداء في الانتهاء ، والشاهد مأمور بها في التحمل والأداء ، قال الله تعالى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا [ البقرة : 282 ] .

                                                                                                                                            وفيه لأهل العلم ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : إذا دعوا لتحملها وإثباتها عند الحاكم ، وهو قول ابن عباس ، وقتادة ، والربيع .

                                                                                                                                            والتأويل الثاني : إذا دعوا لإقامتها وأدائها عند الحاكم ، وهو قول مجاهد ، وعطاء ، والشعبي .

                                                                                                                                            والتأويل الثالث : إذا دعوا للتحمل والأداء جميعا ، وهو قول الحسن البصري . واختلفوا في حكم هذا الأمر على ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه ندب ، وليس بفرض ، وهو قول عطاء ، وعطية .

                                                                                                                                            والقول الثاني : فرض على الكفاية ، وهو قول الشعبي .

                                                                                                                                            والقول الثالث : أنه فرض على الأعيان ، وهو قول قتادة ، والربيع بن أنس .

                                                                                                                                            فأما مذهب الشافعي في التحمل والأداء فهما من فروض الكفاية ، إن كثر من يتحمل ويؤدي كالجهاد ، وطلب العلم والصلاة على الجنائز ، وهما من فروض الأعيان ، إن لم يوجد غيرهما في التحمل والأداء ، وقد يكون فرض التحمل على الكفاية وفرض الأداء على الأعيان ، إذا كثر عددهم في التحمل وقل عددهم في الأداء ، [ ص: 51 ] ويمتنع أن يكون فرض التحمل على الأعيان وفرض الأداء على الكفاية ، لأن الأداء يكون بعد التحمل ، غير أن الأغلب من حال التحمل أنه من فروض الكفايات ، وربما تعين ، وفي الأغلب من حال الأداء أنه من فروض الأعيان ، وربما صار على الكفاية ، لأن التحمل عام والأداء خاص ، ولذلك كثر عدد المتحملين وقل عدد المؤدين ، ولذلك ما اختير أن يكون عدد المتحملين ثمانية ، اثنان يموتان ، واثنان يمرضان ، واثنان يغيبان ، واثنان يحضران فيؤديان ، وإذا استوى التحمل والأداء في فروض الكفاية ، وفروض الأعيان ، كان فرض الأداء أغلظ من فرض التحمل .

                                                                                                                                            قال تعالى : ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه [ البقرة : 283 ] .

                                                                                                                                            وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه فاجر قلبه فيحمل على فسقه بكتمها في العموم ، وهو معنى قول السدي .

                                                                                                                                            والثاني : أنه مكتسب لإثم كتمها ، فيحمل على مأثمه بها في الخصوص ، وخص القلب بها ، لأنه محل لاكتساب الآثام والأجور .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية