الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الحكم الثاني : المساقاة عقد لازم كالإجارة ، ويملك العامل حصته من الثمرة بالظهور على المذهب . وقيل : قولان كالقراض . والفرق على المذهب : أن الربح في القراض وقاية لرأس المال ، بخلاف الثمر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا هرب العامل قبل تمام العمل ، نظر ، إن تبرع المالك بالعمل ، أو بمؤنة من يعمل ، بقي استحقاق العامل بحاله ، وإلا رفع الأمر إلى الحاكم ، وأثبت عنده المساقاة ليطلبه الحاكم ، فإن وجده ، أجبره على العمل ، وإلا استأجر عليه من يعمل . ومن أين يستأجر ؟ ينظر ، إن كان للعامل مال ، فمنه ، وإلا فإن كان بعد بدو الصلاح ، [ ص: 161 ] باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة للمالك أو غيره ، واستأجر بثمنه . وإن كان قبل بدو الصلاح ، إما قبل خروج الثمرة أو بعده ، استقرض عليه من المالك أو غيره ، أو من بيت المال ، واستأجر به ، ثم يقضيه العامل إذا رجع ، أو يقضى من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح ، أو الإدراك .

                                                                                                                                                                        ولو وجد من يستأجره بأجرة مؤجلة ، استغنى عن الاقتراض . وإن فعل المالك بنفسه ، أو أنفق عليه ليرجع ، ينظر ، إن قدر على مراجعة الحاكم ، أو لم يقدر وقدر على الإشهاد فلم يفعل ، لم يرجع . وإن لم يمكنه الإشهاد ، ففي رجوعه وجهان . أصحهما عند الجمهور : لا يرجع ، لأنه عذر نادر .

                                                                                                                                                                        وحكي وجه : أنه يرجع وإن تمكن من الإشهاد ، وهو شاذ . وإن أشهد ، رجع على الأصح ، للضرورة . وقيل : لا ، لئلا يصير حاكما لنفسه .

                                                                                                                                                                        ثم الإشهاد المعتبر ، أن يشهد على العمل أو الاستئجار ، وأنه بذل ذلك بشرط الرجوع . فأما الإشهاد على العمل أو الاستئجار من غير تعرض للرجوع ، فهو كترك الإشهاد ، قاله في " الشامل " . وإذا أنفق المالك بإذن الحاكم ليرجع ، فوجهان . وجه المنع : أنه متهم في حق نفسه . فطريقه : أن يسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالإنفاق . ولو استأجره لباقي العمل ، فوجهان بناء على ما لو أجر داره ، ثم استأجرها من المستأجر . ومتى تعذر إتمام العمل بالاستقراض وغيره ، فإن لم تكن الثمرة خرجت ، فللمالك فسخ العقد على الصحيح ، للتعذر والضرورة . وقال ابن أبي هريرة : لا يفسخ ، لكن يطلب الحاكم من يساقي عن العامل ، فربما فضل له شيء .

                                                                                                                                                                        وإن كانت الثمرة قد خرجت ، فهي مشتركة بينهما . فإن بدا صلاحها ، بيع نصيب العامل كله أو بعضه بقدر ما يستأجر به عامل . وإن لم يبد ، تعذر [ بيع ] نصيبه وحده ، لأن شرط القطع في المشاع لا يكفي . فإما أن يبيع المالك نصيبه معه ليشرط القطع في الجميع ، وإما أن يشتري المالك نصيبه ، فيصح على الأصح [ ص: 162 ] في أن بيع الثمار قبل بدو الصلاح لصاحب الشجرة يكفي عن اشتراط القطع .

                                                                                                                                                                        فإن لم يرغب في بيع ولا شراء ، وقف الأمر حتى يصطلحا . وهذا كله تفريع على أنه لا يثبت الفسخ بعد خروج الثمرة ، وهو الصحيح . وقال في " المهذب " : يفسخ ، وتكون الثمرة بينهما ، ولا يكاد يفرض للفسخ بعد خروج الثمرة فائدة .

                                                                                                                                                                        ويتفرع على ثبوت الفسخ قبل خروج الثمرة فرعان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : إذا فسخ ، غرم المالك للعامل أجرة مثل ما عمل ، ولا يقال بتوزيع الثمار على أجرة مثل جميع العمل ، إذ الثمار ليست موجودة عند العقد حتى يقتضي العقد التوزيع فيها .

                                                                                                                                                                        الثاني : جاء أجنبي وقال : لا تفسخ لأعمل نيابة عن العامل ، لم يلزم الإجابة ، لأنه قد لا يأتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه . لكن لو عمل نيابة بغير علم المالك ، وحصلت الثمار ، سلم للعامل نصيبه منها ، وكان الأجنبي متبرعا [ عليه ] ، هكذا قالوه .

                                                                                                                                                                        ولو قيل : وجود المتبرع كوجود مقرض حتى لا يجوز الفسخ ، لكان قريبا . والعجز عن العمل بمرض ونحوه كالهرب .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية