الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة السادسة : قال : أنت طالق ثلاثا للسنة ، ثم قال : نويت تفريقها على الأقراء لم يقبل في الظاهر . قال المتولي : إلا أن يكون ممن يعتقد بتحريم جمع الثلاث في قرء ، فيقبل في الظاهر . وحكى الحناطي وجها في القبول مطلقا ، [ ص: 18 ] والصحيح المنصوص ، هو الأول . ولو قال : أنت طالق ثلاثا ولم يقل للسنة ، ثم فسر بالتفريق على الأقراء ، لم يقبل ظاهرا ، وهل يدين في الصورتين ؟ وجهان ، الصحيح المنصوص ، نعم . ومعنى التديين مع نفي القبول ظاهرا ، أن يقال للمرأة : أنت بائن منه بثلاث في ظاهر الحكم ، وليس لك تمكينه إلا إذا غلب على ظنك صدقه بقرينة ، ويقال للزوج : لا نمكنك من تتبعها ، ولك أن تتبعها ، والطلب فيما بينك وبين الله تعالى إن كنت صادقا ، وتحل لك إذا راجعتها . وعلى هذا القياس حكم بالقبول ظاهرا وباطنا ، فيما إذا قال لصغيرة : أنت طالق للسنة ، ثم قال : أردت إذا حاضت وطهرت ، وفيما إذا قال : أنت طالق ، ثم قال : أردت إن دخلت الدار ، أو إذا جاء رأس الشهر . وألحق القفال والغزالي بهذه الصورة ما إذا قال : أنت طالق ، ثم قال : أردت إن شاء الله تعالى . وكذلك كلما أحوج إلى تقييد الملفوظ به بقيد زائد . والصحيح الموجود في كتب الأصحاب ، أنه لا يدين في قوله : أردت إن شاء الله تعالى ، ويدين في قوله : أردت عن وثاق ، أو إن دخلت الدار أو إن شاء زيد . وفرقوا بين قوله : أردت إن شاء الله تعالى ، وبين سائر الصور بأن التعليق بمشيئة الله تعالى يرفع حكم الطلاق جملة ، فلا بد فيه من اللفظ والتعليق بالدخول ، ومشيئة زيد ، لا يرفعه ، لكن يخصصه بحال دون حال . وقوله : من وثاق ، تأويل وصرف للفظ من معنى إلى معنى ، فكيف فيه النية ، وإن كانت ضعيفة ، وشبهوه بالنسخ ، لما كان رفعا للحكم ، لم يجز إلا باللفظ ، والتخصيص يجوز بالقياس .

                                                                                                                                                                        [ ص: 19 ] وأما إذا أتى بلفظ عام ، وقال : أردت بعض الأفراد الداخلة تحته ، ففيه تفصيل ، فإن قال : كل امرأة لي ، فهي طالق ، وعزل بعضهن بالنية ، لم يقبل ظاهرا عند الأكثرين ، وقال ابن الوكيل وغيره : يقبل ظاهرا سواء كانت قرينة تصدقه - بأن خاصمته ، وقالت : تزوجت علي ، فقال : كل امرأة لي طالق ، ثم قال : أردت غير المخاصمة - أم لم تكن قرينة . والأصح عند القفال والمعتبرين ، أنه لا يقبل ظاهرا بغير قرينة ويقبل بها ، واختاره الروياني ، وعن القاضي حسين ، أنه إن قال : كل امرأة لي طالق ، ثم عزل بعضهن بالنية ، لا يقبل ، وإن قال : نسائي طوالق ، وقال : عزلت واحدة ، قبل . وعلى هذا ، لو عزل اثنتين ، ففي القبول وجهان ، ويجري الخلاف في القبول ظاهرا فيما لو قال : إن أكلت خبزا أو تمرا ، فأنت طالق ، ثم فسر بنوع خاص ، وطردهما الغزالي وغيره فيما إذا كان يحل وثاقا عنها ، فقال : أنت طالق ، ثم قال : أردت الإطلاق عن الوثاق ، وقال : الأصح القبول .

                                                                                                                                                                        ولو قال : إن كلمت زيدا ، فأنت طالق ، ثم قال : أردت التكليم شهرا ، فيقبل . كذا حكي عن نص الشافعي رحمه الله ، والمراد على ما نقل الغزالي ، القبول باطنا فلا تطلق إذا كلم بعد شهر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في ضبط ما يدين فيه ، وما يقبل ظاهرا

                                                                                                                                                                        قال القاضي حسين : لما يدعيه الشخص من النية مع ما أطلقه من اللفظ ، أربع مراتب :

                                                                                                                                                                        إحداها : أن يرفع ما صرح به ، بأن قال : أنت طالق ، ثم قال : أردت طلاقا لا يقع عليك ، أو لم أرد إيقاع الطلاق ، فلا تؤثر دعواه ظاهرا ، ولا يدين باطنا .

                                                                                                                                                                        [ ص: 20 ] الثانية : أن يكون ما يدعيه مقيدا لما تلفظ به مطلقا ، بأن قال : أنت طالق ، ثم قال : أردت عند دخول الدار ، فلا يقبل ظاهرا ، وفي التديين الخلاف .

                                                                                                                                                                        الثالثة : أن يرجع ما يدعيه إلى تخصيص عموم ، فيدين ، وفي القبول ، ظاهر الخلاف .

                                                                                                                                                                        الرابعة : أن يكون اللفظ محتملا للطلاق من غير شيوع وظهور ، وفي هذه المرتبة تقع الكنايات ويعمل فيها بالنية .

                                                                                                                                                                        وضبط الأصحاب بضبط آخر ، فقالوا : ينظر في التفسير بخلاف ظاهر اللفظ ، إن كان لو وصل باللفظ لا ينظم ، لم يقبل ولم يدين ، وإلا فلا يقبل ظاهرا ويدين .

                                                                                                                                                                        مثال الأول ، قال : أردت طلاقا لا يقع .

                                                                                                                                                                        مثال الثاني : أردت طلاقا عن وثاق ، أو إن دخلت الدار ، واستثنوا من هذا نية التعليق بمشيئة الله تعالى ، فقالوا : لا يدين فيه على المذهب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أنت طالق ثلاثا ثم قال : أردت إلا واحدة ، أو قال : أربعكن طوالق ، ثم قال : نويت بقلبي إلا فلانة ، لم يدين على الأصح ، لأنه نص في العدد . ولو قال : فلانة وفلانة وفلانة طوالق ، ثم قال : استثنيت بقلبي فلانة ، لم يدين قطعا لأنه رفع لما نص عليه ، لا تخصيص عموم ، ذكره القاضي أبو الطيب .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية