الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني في التكرار : فيه مسائل :

                                                                                                                                                                        إحداها : قال لمدخول بها : أنت طالق أنت طالق ، نظر إن سكت بينهما سكتة فوق سكتة التنفس ونحوه ، وقع طلقتان ، فإن قال : أردت التأكيد ، لم يقبل ظاهرا ويدين ، وإن لم يسكت وقصد التأكيد قبل ولم يقع إلا طلقة ، وإن قصد الاستئناف ، وقع طلقتان ، وكذا إن أطلق على الأظهر . ولو قال : أنت طالق طالق ، فقال القاضي حسين : يقع عند الإطلاق طلقة قطعا ، وقال الجمهور : لا فرق بين اللفظين . ولو كرر اللفظة ثلاثا ، وأراد بالآخرتين تأكيد الأولى لم يقع إلا واحدة وإن أراد الاستئناف ، وقع الثلاث وإن أطلق فكذا على الأظهر . ولو قال : قصدت بالثالثة تأكيد الثانية ، وبالثانية تأكيد الأولى ، وبالثالثة الاستئناف ، وقع طلقتان .

                                                                                                                                                                        ولو قصد بالثالثة تأكيد الأولى ، وقع الثلاث على الأصح ، وقيل : طلقتان ، ولا يقدح هذا الفصل اليسير . وإن قصد بالثانية الاستئناف ، ولم يقصد بالثالثة شيئا أو بالثالثة الاستئناف ولم يقصد بالثانية شيئا ، وقع الثلاث على الأظهر ، وفي قول طلقتان .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت مطلقة ، أنت مسرحة ، أنت مفارقة ، فهو كقوله : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق على الأصح . وقيل : تقع هنا الثلاث قطعا ، حكاه الحناطي . ولو قال : أنت طالق ، وطالق ، وطالق ، وقال : قصدت بالثاني تأكيد الأول ، لم يقبل في الظاهر ، ويجوز أن يقصد بالثالث تأكيد الثاني لتساويهما ، [ ص: 79 ] ويجوز أن يقصد به الاستئناف ، وإن أطلق ، فعلى القولين . ولو قال : قصدت بالثالث تأكيد الأول ، لم يقبل . ولو قال : أنت طالق وأنت طالق ، أو أنت طالق بل طالق ، أو أنت طالق ثم طالق ، أو أنت طالق بل طالق بل طالق . فهو كقوله : طالق وطالق وطالق . ولو قال : أنت طالق ، فطالق ، فطالق ، أو أنت طالق ، ثم طالق ثم طالق ، فهو كقوله : طالق وطالق وطالق . ولو قال : أنت طالق وطالق فطالق ، أو أنت طالق ، ثم طالق ، بل طالق ، أو أنت طالق ، فطالق ثم طالق ، تعين الثلاث ولا مدخل للتأكيد لاختلاف الألفاظ . ونص في " الإملاء " ، أنه لو قال : طالق وطالق ، لا بل طالق . وقال : شككت في الثانية ، فاستدركت بقولي : لا بل طالق لأحقق إيقاع الثانية قبل ولم يقع إلا طلقتان ، فجعل الأصحاب المسألة على قولين : أحدهما هذا ، والثاني وهو المشهور وظاهر نصه في المختصر : لا يقبل ويقع الثلاث كسائر الألفاظ المتغايرة .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق وطالق ، بل طالق من غير لفظ " لا " ، فالمذهب وقوع الثلاث قطعا كما سبق . وقيل بطرد القولين .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال لها قبل الدخول : أنت طالق طالق ، أو أنت طالق وطالق ، أو طالق فطالق ، أو أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، أو أنت طالق بل طالق وطالق . . لم يقع إلا طلقة لأنها تبين بها ، فلا يقع ما بعدها . وحكي وجه وقول قديم أنه كما لو قال ذلك لمدخول بها على ما سبق ، لأنه كلام واحد فأشبه قوله لها : أنت طالق ثلاثا ، والمذهب الأول ، لأن قوله : ثلاثا ، بيان للأول بخلاف هذه الألفاظ .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال لمدخول بها : إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق وطالق ، أو قال : [ ص: 80 ] أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار ، فدخلت ، وقع الثلاث ، وإن قاله لغير المدخول بها ، فثلاثة أوجه ، أصحها : تقع الثلاث أيضا إذا دخلت . والثاني : لا يقع إلا واحدة . والثالث : إن قدم الجزاء فقال : أنت طالق وطالق وطالق إن دخلت الدار . وقع الثلاث . وإن عكس فواحدة . وإن قال : إن دخلت الدار فأنت طالق إن دخلت الدار ، فأنت طالق إن دخلت الدار ، فأنت طالق ، فدخلت ، فإن قصد التأكيد ، وقع طلقة . وإن قصد الاستئناف ، وقع الثلاث . وإن أطلق ، فعلى أيهما يحمل ؟ قال البغوي : فيه قولان بناء على ما لو حنث في أيمان بفعل واحد ، هل تتعدد الكفارة ؟ وقال المتولي : يحمل على التأكيد إذا لم يحصل فصل ، أو حصل واتحد المجلس . فإن اختلف فعلى أيهما يحمل ؟ وجهان . وإذا حمل على التأكيد ، فيقع عند الدخول طلقة أم يتعدد ؟ وجهان بناء على تعدد الكفارة وعدمه . ولو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة ، وإن دخلت الدار فأنت طالق طلقتين ، قال ابن الحداد والأصحاب : تطلق بالدخول ثلاثا سواء كان مدخولا بها أم غيرها لأن الجميع يقع دفعة . قال البغوي : وكذا في الصور المتقدمة لا فرق بين المدخول بها وغيرها ، لأن على تقدير التعدد يقع الجميع حال الدخول .

                                                                                                                                                                        ولو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، ثم طالق ، لم يقع بالدخول في غير المدخول بها إلا طلقة لأن " ثم " للتراخي . قال المتولي : وكذا لو أخر الشرط فقال : أنت طالق ، ثم طالق إن دخلت الدار .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : قال : أنت طالق طلقة فطلقة ، أو طالق فطالق ، وقع طلقتان على المذهب . وقيل : قولان . ولو قال : طلقة بل طلقتين ، وقع الثلاث فإن كانت غير مدخول بها ، بانت بالأولى ولم تقع الزيادة في الصورتين .

                                                                                                                                                                        المسألة الثالثة : قال لمدخول بها : أنت طالق طلقة معها طلقة ، أو مع [ ص: 81 ] طلقة ، وقع طلقتان . وهل يقعان معا بتمام الكلام ، أم متعاقبين ؟ وجهان . أصحهما : الأول . فإن قال ذلك لغير المدخول بها ، طلقت على الأول طلقتين ، وعلى الثاني طلقة .

                                                                                                                                                                        ولو قال : طلقة تحت طلقة ، أو تحتها طلقة ، أو فوق طلقة ، أو فوقها طلقة ، فقال الإمام والغزالي : حكمها حكم " مع " ، وقال المتولي كلاما يقتضي الجزم بأن غير المدخول بها لا يقع عليها إلا طلقة ، لأن وصف الطلاق بالفوقية والتحتية محال ، فيلغو ويصير كقوله : طالق طالق ، وفي المدخول بها وجه أنه لا يقع إلا واحدة ، كما لا يلزم في الإقرار إلا درهم ، واختاره ابن كج والحناطي . ولو قال لمدخول بها : أنت طالق طلقة قبل طلقة ، أو بعدها طلقة ، وقع طلقتان . إحداهما بعد الأخرى . ولو كانت غير مدخول بها ، وقعت واحدة وبانت .

                                                                                                                                                                        ولو قال لمدخول بها : أنت طالق طلقة بعد طلقة ، أو قبلها طلقة ، وقع طلقتان متعاقبتان على الصحيح الذي قطع به الجمهور . وفي كتاب ابن كج وجه أنه لا يقع إلا واحدة ، لاحتمال أن يكون المعنى : قبلها طلقة مملوكة أو ثابتة ، قال : وهذا عند الإطلاق ، ولو قال : أردت ذلك ، صدق بيمينه لا محالة . فإذا قلنا بالصحيح ، ففي كيفية تعاقبهما وجهان . أحدهما : تقع أولا المنجزة ، ثم المضمنة ، ويلغو قوله : قبلها ، كما لو قال : أنت طالق أمس ، يقع في الحال ، ويلغو قوله : أمس . وأصحهما : تقع أولا المضمنة ، ثم المنجزة ، لأن المعنى يقتضي ذلك ، وليس المراد أن المضمنة تقع قبل تمام اللفظ ، بل يقعان بعد تمام اللفظ ، فتقع المضمنة عقب اللفظ ، ثم المنجزة في لحظة عقبها . فإن قال ذلك لغير المدخول بها ، فأوجه . أصحها : يقع واحدة . والثاني : لا يقع شيء ، والثالث : يقع طلقتان ، ويلغو قوله : قبلها ، ويصير كأنه قال : طلقتين وهو ضعيف ، ولو قال للمدخول بها : أنت [ ص: 82 ] طالق طلقة ، قبلها طلقة وبعدها طلقة ، طلقت ثلاثا . ولو قال : قبلها وبعدها طلقة ، وقع الثلاث على الصحيح . وقيل : طلقتان ، ويلغو قوله : قبلها .

                                                                                                                                                                        ولو خاطب غير المدخول بها بأحد هذين اللفظين ، فهل يقع واحدة أم لا يقع شيء ؟ وجهان . أصحهما : الأول . ومتى قال : أردت بقولي : بعدها طلقة ، أي سأطلقها بعد هذا طلقة ، لم يقبل ظاهرا ويدين ، ولو قال : أردت بقولي : قبلها أن زوجا آخر طلقها في نكاح آخر ، فعلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى ، فيما إذا قال : أنت طالق في الشهر الماضي ، وفسر بهذا .

                                                                                                                                                                        المسألة الرابعة : قال لمدخول بها : أنت طالق وطالق ، وقع طلقتان على الترتيب .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق ثلاثا ، فالصحيح وقوع ثلاث عند فراغه من قوله : ثلاثا . وقيل : ثنتين بالفراغ

                                                                                                                                                                        [ من ] وقوع الثلاث بقوله : أنت طالق . قال الإمام : وقياس من قال : يقع طلقة ، إذا أراد بقوله : أنت طالق ثلاثا ، فماتت قبل قوله : ثلاثا : أن يقع هنا طلقة بقوله : أنت طالق ، ويتم الثلاث بقوله : ثلاثا ، لكنه ضعيف ، لأنه لا خلاف أنه لو قال لغير المدخول بها : أنت طالق ثلاثا وقع الثلاث ، وذلك يدل على أنها لا تقع مرتبة .

                                                                                                                                                                        المسألة الخامسة : قال لغير المدخول بها : أنت طالق خمسا ، أو قال : إحدى عشرة ، وقع الثلاث ، ولو قال لها : واحدة ومائة ، لم يقع إلا واحدة . ولو قال : إحدى وعشرين ، فهل يقع الثلاث أم واحدة ؟ وجهان لترددها بين الصورتين .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح ، أنه تقع واحدة لأنه معطوف كقوله : واحدة ومائة ، بخلاف إحدى عشرة ، فإنه مركب فهو بمعنى المفرد . والله أعلم . [ ص: 83 ] ولو قال : طلقة ونصفا ، لم يقع إلا واحدة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أنت طالق واحدة ، بل ثنتين أو ثلاثا ، فإن كانت مدخولا بها ، وقع ثلاث ، وإلا فواحدة .

                                                                                                                                                                        ولو قال : ثنتين بل واحدة ، طلقت المدخول بها ثلاثا ، وغيرها طلقتين . ولو قال : أنت طالق واحدة بل ثلاثا إن دخلت الدار ، فوجهان . أصحهما وبه قال ابن الحداد : يقع واحدة بقوله : أنت طالق ، ويتعلق طلقتان بدخول الدار . والثاني : يتعلق الثلاث بالدخول إلا أن يقول : أردت تخصيص الشرط بقولي : بل ثلاثا . فإن قاله لغير مدخول بها ، فعلى الوجه الأول تبين بالواحدة الواقعة في الحال ، فإن نكحها بعد ذلك ودخلت ، فقيل فيه قولا عود الحنث ، والمذهب ، أنه لا يقع قطعا ، لأنها إذا بانت كان التعليق بالدخول واقعا في حال البينونة ، فيلغو . وعلى الوجه الثاني يتعلق الثلاث بالدخول ، فإذا دخلت ، فعلى الوجهين السابقين ، فيما إذا قال لغير المدخول بها : إن دخلت الدار فأنت طالق وطالق ، فعلى وجه : لا يقع إلا واحدة ، وعلى الأصح : يقع الثلاث . ولو قال لغير المدخول بها : أنت طالق طلقتين ، بل ثلاثا إن دخلت الدار ، فعلى قول ابن الحداد : يقع طلقتان في الحال ، ولا يصح تعليق الثالثة . وعلى الثاني تتعلق الثلاث بالدخول ، فإذا دخلت ، ففي وجه يقع طلقة ، وعلى الأصح ثلاث .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : أنت طالق تطليقة ، قبلها كل تطليقة ، أو بعدها كل تطليقة ، قال إسماعيل البوشنجي : قياس المذهب أن يقال : إن كانت مدخولا بها ، وقع الثلاث مع ترتيب بين الواحدة وباقي الثلاث ، وإلا ، فوجهان . أصحهما : يقع واحدة . والثاني : لا شيء .

                                                                                                                                                                        [ ص: 84 ] فرع

                                                                                                                                                                        عن أبي العباس الروياني

                                                                                                                                                                        لو قال : أنت طالق كألف ، فإن نوى عددا ، وقع ، وإلا فواحدة ، وأنه لو قال : أنت طالق حتى تتم ثلاث ، فهل تقع ثلاث ، أم تعتبر نيته ، فإن لم ينو ، فواحدة ؟ فيه وجهان ، ويقرب منه ما إذا قال : أنت طالق حتى أكمل ثلاثا ، أو أوقع عليك ثلاثا ، وأنه لو قال : أنت طالق ألوانا من الطلاق ، تعتبر نيته ، فإن لم ينو ، فواحدة .

                                                                                                                                                                        وأنه لو قال : يا مطلقة : أنت طالق ، وكان طلقها قبل ذلك ، فقال : أردت تلك الطلقة ، فهل يقبل أم يقع أخرى ؟ وجهان . ذكر إسماعيل البوشنجي : أنه لو قالت له : طلقني وطلقني وطلقني ، أو طلقني طلقني طلقني ، أو قالت : طلقني ثلاثا ، فقال : طلقتك ، أو قد طلقتك ، أو أنت طالق . فإن نوى عددا ، وقع ، وإلا فواحدة ، وأنه لو طلقها واحدة رجعية ثم قال : جعلتها ثلاثا ، فهو لغو لا يقع به شيء .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية