الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الحادية عشرة : إذا قال لمدخول بها : أنت طالق ثلاثا ، في كل سنة طلقة ، وقع في الحال طلقة ، ثم إن أراد السنين العربية ، وقعت أخرى في أول المحرم المستقبل ، وأخرى في أول المحرم الذي بعده . وإن أراد أن بين كل طلقتين سنة ، وقعت الثانية عند انقضاءه سنة كاملة من وقت التعليق ، والثالثة بعد انقضاء سنة كاملة بعد ذلك ، وهذا مفروض فيما إذا امتدت العدة أو راجعها ، فلو بانت وجدد نكاحها وهذه المدة باقية ، ففي وقوع الطلاق قولا عود الحنث فإن قلنا : يعود وكان التجديد في خلال السنة ، تطلق في الحال ، وإن أطلق السنين ، فهل ينزل على العربية أم على الاحتمال الثاني ؟ فيه وجهان . أصحهما : الثاني ، وإن قال : أنت طالق ثلاثا في ثلاثة أيام ، أو في كل يوم طلقة ، فإن قالها بالنهار ، وقع في الحال طلقة ، وبطلوع الفجر في اليوم الثاني أخرى ، وبطلوعه في الثالث أخرى . فلو قال : أردت أن يكون بين كل طلقتين يوم دين ، وفي قبوله ظاهرا وجهان ، أقيسهما : القبول ، وإن قاله بالليل ، وقع ثلاث طلقات بطلوع الفجر في الأيام الثلاثة التالية للتعليق .

                                                                                                                                                                        [ المسألة ] الثانية عشرة : قال : أنت طالق اليوم إن لم أطلقك اليوم ، فمضى اليوم ولم يطلقها ، فوجهان . قال ابن سريج وغيره : لا طلاق ، وقال الشيخ أبو حامد : تقع في آخر لحظة من اليوم ، وهو إذا بقي من اليوم زمن لا يسع التطليق .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الثاني : أفقه ، وهو المختار . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 125 ] [ المسألة ] الثالثة عشرة : قال : أنت طالق في أفضل الأوقات ، طلقت ليلة القدر ، ولو قال : أفضل الأيام ، طلقت يوم عرفة ، وفي وجه : يوم الجمعة عند غروب الشمس ، ذكره القفال في " الفتاوى " .

                                                                                                                                                                        قلت : تخصيصه ب " عند غروب الشمس " ضعيف أو غلط ، لأن اليوم يتحقق بطلوع الفجر ، فإن تخيل متخيل أن ساعة الإجابة ، قد قيل : إنها آخر النهار ، فهو وهم ظاهر لوجهين ، أحدهما : أن الصواب أن ساعة الإجابة ، من حين يجلس الإمام عند المنبر ، إلى أن تقضى الصلاة ، كذا صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم في " صحيح مسلم " : والثاني : أنه لم يعلق بأفضل أوقات اليوم ، بل اليوم الأفضل ، واسم اليوم الأفضل يحصل بطلوع الفجر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ المسألة ] الرابعة عشرة : في " فتاوى القفال " . لو قال : أنت طالق بين الليل والنهار ، لا تطلق ما لم تغرب الشمس .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا إذا كان نهارا ، فإن علق ليلا ، طلقت بطلوع الفجر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ المسألة ] الخامسة عشرة : في فتاوى القفال . لو قال : أنت طالق قبل موتي ، طلقت في الحال ، وإن قال : قبيل بضم القاف وفتح الياء أو قبيل بزيادة ياء ، لا تطلق إلا في آخر جزء من أجزاء حياته . ولو قال : بعد قبل موتي ، طلقت في الحال ، لأنه بعد قبل موته ، ويحتمل أن لا يقع ، لأن جميع عمره قبل الموت . ولو قال : أنت طالق قبل أن تدخلي الدار ، أو قبل أن أضربك ونحو ذلك مما لا يقع بوجوده ، قال إسماعيل البوشنجي : يحتمل وجهين ، أحدهما : وقوع الطلاق في الحال ، كقوله : قبل موتي أو موت فلان . وأصحهما : لا يقع حتى يوجد ذلك الفعل ، فحينئذ يقع الطلاق مستندا إلى حال اللفظ ، لأن الصيغة تقتضي وجود ذلك الفعل ، وربما لا يوجد ، ولو قال : أنت طالق تطليقة قبلها يوم الأضحى ، سألناه ، فإن أراد الأضحى الذي بين يديه ، لم تطلق حتى يجيء ذلك الأضحى وينقرض ، ليكون [ ص: 126 ] قبل التطليقة ، وإن أراد الأضحى الماضي طلقت في الحال كما لو قال : يوم السبت أنت طالق طلقة قبلها يوم الجمعة .

                                                                                                                                                                        قلت : فإن لم يكن له نية ، لم يقع حتى ينقضي الأضحى الذي بين يديه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق قبل موت فلان وفلان بشهر ، فمات أحدهما قبل شهر ، لم تطلق ، وإن مات أحدهما بعد مضي شهر ، فوجهان ، أحدهما : تطلق قبل موته بشهر ، لأنه وإن تأخر موت الآخر ، فيصدق عليه أنه وقع قبل موتهما بشهر ، والثاني : لا تطلق أصلا ، لأنه في العرف لا يقال : طلقت قبل موته بشهر ، إلا إذا لم يزد ولم ينقص ، وهذا الثاني خرجه البوشنجي ، ونظير المسألة ، قوله : أنت طالق قبل عيدي الفطر والأضحى بشهر ، فعلى الأول تطلق أول رمضان ، وعلى الثاني ، لا تطلق .

                                                                                                                                                                        قلت : الصواب الأول ، والثاني غلط ، ولا أطلق عليه اسم الضعيف ، وعجب ممن يخرج مثل هذا أو يحكيه ويسكت عليه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في فتاوى القاضي حسين : أنه لو قال : أنت طالق قبل ما بعده رمضان ، وأراد الشهر ، طلقت في آخر جزء من رجب ، وإن أراد اليوم بليلته ، ففي آخر جزء من التاسع والعشرين من شعبان ، وإن أراد مجرد اليوم ، فقبيل فجر يوم الثلاثين من شعبان ، وإن قال : بعد ما قبله رمضان وأراد الشهر ، طلقت عند استهلال ذي القعدة ، وإن أراد الأيام ، ففي اليوم الثاني من شوال .

                                                                                                                                                                        السادسة عشرة : قال : أنت طالق كل يوم ، فوجهان حكاهما أبو العباس [ ص: 127 ] الروياني ، أحدهما : تطلق كل يوم طلقة ، حتى يكمل الثلاث ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والثاني : لا يقع إلا واحدة ، والمعنى : أنت طالق أبدا .

                                                                                                                                                                        قلت : الأول أصح ، لأنه السابق إلى الفهم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو قال : أنت طالق يوما ويوما لا ، ولم ينو شيئا ، وقع واحدة ، وقال البوشنجي : المفهوم منه وقوع ثلاث طلقات آخرهن في اليوم الخامس . وإن قال : أردت طلقة ، يثبت حكمها في يوم دون يوم ، أو تقع في يوم دون يوم ، وقعت طلقة .

                                                                                                                                                                        السابعة عشرة : قال : أنت طالق إلى شهر ، قال المتولي وغيره : يقع الطلاق بعد مضي شهر ، ويتأبد إلا أن يريد تنجيز الطلاق وتوقيته ، فيقع في الحال مؤبدا ، قال البوشنجي : ويحتمل أن يقع في الحال عند الإطلاق .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الاحتمال ضعيف . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الثامنة عشرة : قال : أنت طالق غدا ، أو عبدي حر بعد غد ، قال البوشنجي : يؤمر بالتعيين ، فإذا عين الطلاق أو العتق ، يعين في اليوم الذي ذكره .

                                                                                                                                                                        قال : ولو قال : أنت طالق أمس وقد تزوجها اليوم ، كان الحكم كما لو تزوجها قبل الأمس .

                                                                                                                                                                        قال : ولو قال : أنت طالق طلقة ، لا تقع عليك إلا غدا ، طلقت بمجيء الغد ، كما لو قال : طلقة تقع عليك غدا . قال : ولو قال : أنت طالق اليوم ، وإن جاء رأس الشهر ، طلقت في الحال ، كقوله : أنت طالق اليوم وإن دخلت الدار .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية