الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الرابع : في التعليق بالحيض . قال : إذا حضت حيضة فأنت طالق ، لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر ، وحينئذ يقع سنيا . ولو قال : إن حضت فأنت طالق ، ولم يبين ولم يزد عليه ، لم يعتبر تمام الحيضة ، ومتى يحكم بالطلاق ؟ فيه طريقان ، المذهب وبه قطع الجمهور : يقع برؤية الدم ، فإن انقطع قبل يوم وليلة ولم يعد إلى خمسة عشر ، تبينا أنه لم يقع . والطريق الثاني ، على وجهين . أحدهما : هذا ، والثاني ، وهو الراجح عند الإمام والغزالي : لا يحكم بوقوع الطلاق حتى يمضي يوم وليلة ، فحينئذ تبين وقوعه من حين رأت الدم . قال الإمام : وعلى هذا هل يحرم الاستمتاع بها [ ص: 152 ] ناجزا ؟ حكمه كما لو قال : إن كنت حاملا فأنت طالق وقد سبق . ولو قال : إن طهرت ، أو إذا طهرت فأنت طالق ، طلقت في أول الطهر . ولو قال : إذا طهرت طهرا واحدا ، فأنت طالق ، قال الحناطي : تطلق إذا انقضى الطهر ودخلت في الدم ، وحكى وجها : أنها تطلق إذا مضى جزء من الطهر ، والصحيح الأول ، ثم قوله : إن حضت ، أو إذا حضت ، يقتضي حيضا مستقبلا ، فلو كانت في الحال حائضا ، لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض . ولو قال والثمار مدركة : إذا أدركت الثمار ، فأنت طالق ، فهو تعليق بالإدراك المستأنف في العام المستقبل ، وعلى هذا قياس سائر الأوصاف ، إلا أنه سيأتي في " كتاب الأيمان " إن شاء الله تعالى . أن استدامة الركوب واللبس لبس وركوب ، فليكن الحكم كذلك في الطلاق . وفي " الشامل " و " التتمة " وجه : أنه إذا استمر الحيض بعد التعليق بساعة ، طلقت ، ويكون دوام الحيض حيضا ، والصحيح ما سبق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : كلما حضت فأنت طالق ، طلقت ثلاثا في أول ثلاث حيض مستقبلة ، ويكون الطلاق بدعيا . ولو قال : كلما حضت حيضة فأنت طالق ، طلقت ثلاثا في انتهاء ثلاث حيض مستقبلة ، ويكون طلاق سنة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : إن حضت حيضة ، فأنت طالق ، وإن حضت حيضتان ، فأنت طالق ، فإذا حاضت حيضة ، وقع طلقة ، فإذا حاضت أخرى ، طلقت ثانية ، ولو قال : إن حضت حيضة فأنت طالق ، ثم إن حضت حيضتين ، فأنت طالق ، فإنما تقع الثانية إذا حاضت بعد الأولى حيضتين ، ولو قال : كلما حضت حيضة ، فأنت طالق ، وكلما حضت حيضتين ، فأنت طالق ، فحاضت مرة ، طلقت طلقة ، وإذا حاضت أخرى ، طلقت ثانية وثالثة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 153 ] فرع

                                                                                                                                                                        قال لامرأتيه : إن حضتما حيضة فأنتما طالقان ، فثلاثة أوجه : أصحها : يلغى قوله : حيضة ، فإذا ابتدأ بهما الدم ، طلقتا . والثاني : إذا تمت الحيضتان ، طلقتا ، وهذا احتمال رآه الإمام . والثالث : أنه لغو ولا تطلقان وإن حاضتا ، ويجري الخلاف في قوله : إن ولدتما ولدا ، فعن ابن القاص : أنه لغو ، وعن غيره ، أنه كقوله : إذا ولدتما . قال الحناطي : فإن قال : إن ولدتما ولدا واحدا ، فأنتما طالقان ، فإنه محال ، ولا يقع الطلاق ، وعلى الوجه الذي يقول : يقع بالتعليق على محال ، يقع هنا في الحال وإن لم تلدا .

                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        علق طلاقها على حيضها ، فقالت : حضت ، فأنكر الزوج ، صدقت بيمينها ، وكذلك الحكم في كل ما لا يعرف إلا منها ، كقوله : إن أضمرت بغضي فأنت طالق ، فقالت : أضمرته ، تصدق بيمينها ، ويحكم بوقوع الطلاق . ولو علق بزناها ، فوجهان ، أحدهما : تصدق فيه ، لأنه خفي تندر معرفته ، فأشبه الحيض ، وأصحهما عند الإمام وآخرين : لا تصدق كالتعليق ونحوه ، لأن معرفته ممكنة ، والأصل النكاح ، وطرد الخلاف في الأفعال الخفية التي لا يكاد يطلع عليهما . ولو علق بالولادة ، فادعتها ، فأنكر وقال : هذا الولد مستعار ، لم يصدق على الأصح ، وتطالبه بالبينة كسائر الصفات . ولو علق طلاق غيرها بحيضها ، لم يقبل قولها فيه إلا بتصديق الزوج . ولو قال : إذا حضت ، فأنت وضرتك طالقان ، فقالت : حضت وكذبها فحلفت ، طلقت ولم تطلق الضرة على الصحيح . وعن صاحب [ ص: 154 ] " التقريب " : طلاق الضرة أيضا . ولو قال لهما : إن حضتما فأنتما طالقان ، فهو تعليق لطلاقهما على حيضهما جميعا ، فإن حاضتا معا أو مرتبا ، طلقتا ، فإن كذبهما ، صدق بيمينه ، ولم تطلقا ، وإن صدق إحداهما فقط ، طلقت المكذبة بيمينها على حيضها ، ولا تطلق المصدقة . وعلى قول صاحب " التقريب " : تطلقان . ولو قال لحفصة : إن حضت فعمرة طالق ، وقال لعمرة : إن حضت فحفصة طالق ، فقالتا : حضنا ، فإن صدقهما ، طلقتا ، وإن كذبهما ، لم تطلقا ، وإن كذب إحداهما ، طلقت المكذبة دون المصدقة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تحته ثلاث نسوة ، فقال : إذا حضتن فأنتن طوالق ، فقلن : حضنا ، وصدقهن ، طلقن ، وإن كذبهن أو كذب ثنتين ، لم تطلق واحدة منهن ، وإن كذب واحدة فقط ، طلقت فقط .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال لأربع نسوة : إن حضتن ، فأنتن طوالق ، فقلن : حضنا ، وصدقهن ، طلقن ، وإن كذبهن ، أو كذب ثنتين أو ثلاثا وحلف ، لم تطلق واحدة منهن ، وإن كذب واحدة فقط ، طلقت فقط ، وعلى قياس صاحب " التقريب " : تطلقن ، وكذا في صورة الثلاث .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال لأربع : كلما حاضت واحدة منكن فأنتن طوالق ، فإذا حاض ثلاث منهن ، طلقن كلهن ثلاثا [ ثلاثا ] وإن قلن : حضنا ، فكذبهن وحلف ، طلقت كل واحدة طلقة ، لأن يمينه تكفي في حيضها . ولو صدق واحدة فقط ، طلقت [ ص: 155 ] طلقة ، وطلقت المكذبات طلقتين طلقتين . ولو صدق ثنتين ، طلقتا طلقتين طلقتين ، وطلقت المكذبتان ثلاثا ثلاثا ، ولو صدق ثلاثا ، طلق الجميع ثلاثا ثلاثا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : كلما حاضت واحدة منكن فصواحبها طوالق ، فقلن : حضنا ، وصدقهن ، طلقن ثلاثا ثلاثا ، وإن كذبهن ، لم يقع شيء ، وإن صدق واحدة ، لم يقع عليها شيء ، وطلقت الباقيات طلقة طلقة ، وإن صدق ثنتين ، طلقتا طلقة طلقة ، وطلقت المكذبات طلقتين طلقتين ، وإن صدق ثلاثا ، طلقن طلقتين طلقتين ، وطلقت المكذبة ثلاثا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال : إذا رأيت الدم ، فأنت طالق ، فعن أبي العباس الروياني ، وجهان ، أصحهما : حمله على دم الحيض ، لأنه المعتاد . والثاني : على كل دم ، فعلى الأولى : لا تعتبر رؤيتها حقيقة ، بل المعتبر العلم كرؤية الهلال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ذكر إسماعيل البوشنجي ، أنه لو قال : أنت طالق ثلاثا ، في كل حيض طلقة ، وهي حائض في الحال ، فالذي يقتضيه اللفظ ، وقوع طلقة في الحال ، وثانية في أول الحيض الثاني ، وثالثة في أول الثالث . وأنه لو قال : إذا حضت نصف حيضة ، فأنت طالق ، وعادتها ستة أيام مثلا ، فإذا مضت ثلاثة أيام ، حكم بالطلاق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ذكر الإمام إشكالا على وقوع الطلاق ، بتصديق الزوج لها ، وقال : بم يعرف [ ص: 156 ] الزوج صدقها ؟ وكيف يقع الطلاق بقوله : صدقت وليس هو إقرارا ، فيؤاخذ به ؟ وغايته أن يظن صدقها بقرائن ، ومعلوم أنه لو قال : سمعتها تقول : حضت وأنا أجوز كذبها وأظن صدقها ، لا يحكم بوقوع الطلاق ، فليكن كذلك إذا أطلق التصديق ، إذ لا سند له إلا هذا . قال : وسمعت بعض أكابر العراق يحكي عن القاضي أبي الطيب ، عن الشيخ أبي حامد ، ترددا في وقوع الطلاق ، ولهذا الإشكال قال : وسبيل الجواب عما أطبق عليه الأصحاب ، أن الإقرار حجة شرعية كاليمين ، واليمين يستند إلى قرائن يفيد الظن القوي ، كما تحلف المرأة على نية الزوج في الكنايات ، فلا يبعد أن يستند الإقرار إليها ، فليحكم به .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا صدقناها في الولادة ، فإنما يقبل قولها في حقها دون غيرها كما قلنا في الحيض . فلو قال : إن ولدت فأنت طالق وعبدي حر ، فقالت : ولدت وحلفت ، طلقت على هذا الوجه ، ولم يعتق العبد قطعا ، ولو قال لأمته : إذا ولدت فأنت حرة وامرأتي طالق ، فقالت : ولدت ، عتقت ولم تطلق الزوجة . ولو قال : إذا ولدت فامرأتي طالق وولدك حر ، وكانت حاملا بمملوك له ، لم تطلق الزوجة ولم يعتق الولد بقولها : ولدت ، لأنه ليس في حقها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        ذكر القفال تفريعا على أنه لا يقبل قولها : زنيت ، إذا علق الطلاق بزناها ، وبه أجاب أنه ليس لها تحليفه على أنه لا يعلم أنها زنت ، ولكن إن ادعت وقوع الفرقة ، حلف أنه لم تقع فرقة ، وكذا في التعليق بالدخول وسائر الأفعال .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية