الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الركن الثاني : اللبن ، ولا يشترط لثبوت التحريم بقاء اللبن على هيئته حالة انفصاله عن الثدي ، فلو تغير بحموضة ، أو انعقاد ، أو إغلاء أو صار جبنا ، أو أقطا ، أو زبدا ، أو مخيضا ، وأطعم الصبي ، حرم لوصول اللبن إلى الجوف ، وحصول التغذية . ولو ثرد فيه طعام ثبت التحريم . ولو عجن به دقيق وخبز ؛ تعلقت به الحرمة على الصحيح . ولو خلط بمائع إما دواء ، وإما غيره ، حلال كالماء ولبن الشاة ، أو حرام كالخمر ، نظر إن كان اللبن غالبا تعلقت الحرمة بالمخلوط ، فلو شرب الصبي منه خمس مرات ثبت التحريم ، وإن كان اللبن مغلوبا فقولان ، أحدهما : لا يتعلق به تحريم كالنجاسة المستهلكة في الماء الكثير لا أثر لها ، وكالخمر المستهلكة في غيرها لا يتعلق بها حد ، وكالمحرم يأكل طعاما استهلك فيه طيب ، لا فدية عليه . وأظهرهما : يتعلق به التحريم لوصول عين اللبن في الجوف ، وذلك هو المعتبر ، ولهذا يؤثر كثير اللبن وقليله ، وليس كالنجاسة ، فإنها تجنيب للاستقذار ، وهو مندفع بالكثرة ، ولا كالخمر ، فإن الحد منوط بالشدة المزيلة للعقل ، ولا كالمحرم ، فإنه ممنوع من التطيب ، وليس [ ص: 5 ] هذا بتطيب ، فعلى هذا إن شرب جميع المخلوط ، تعلق به التحريم ، وإن شرب بعضه فوجهان : أحدهما : يثبت التحريم أيضا إن شربه خمس دفعات ، أو شرب منه دفعة بعد أن شرب اللبن الصرف أربعا ، وهذا اختيار الصيمري ، والقاضي أبي الطيب ، وأصحهما ، وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق والماوردي : لا يتعلق به تحريم ، لأنا لم نتحقق وصول اللبن ، وهذا الخلاف فيما إذا لم يتحقق وصول اللبن ، مثل أن وقعت قطرة في جب ماء وشرب بعضه ، فإن تحققنا انتشاره في الخليط ، وحصول بعضه في المشروب ، أو كان الباقي من المخلوط أقل من قدر اللبن ، ثبت التحريم قطعا ، ذكره الإمام وغيره . وهل يشترط أن يكون اللبن قدرا يمكن أن يسقى منه خمس دفعات لو انفرد عن الخليط ؟ وجهان حكاهما السرخسي وقال : أصحهما الاشتراط ، هذا هو المذهب في بيان حكم اختلاط اللبن بالمائعات ، وسواء فيه اختلاط اللبن بالماء وبغيره ، وحكى الإمام طريقا آخر أنه إن كان الخليط غير الماء ، فعلى ما ذكرناه ، وإن كان ماء ، واللبن مغلوب ، فإن امتزج بما دون القلتين ، وشرب الصبي كله ، ففي ثبوت التحريم قولان ، وإن شرب بعضه ، فقولان مرتبان ، وأولى بأن لا يثبت . وإن امتزج بقلتين ، فصاعدا ، فإن لم يثبت التحريم بدون القلتين فهنا أولى ، وإن أثبتنا ، وتناول بعضه ، لم يؤثر ، وإن شربه كله ، فقولان مرتبان ، وأولى بأن لا يؤثر . وهذه الطريقة ضعيفة ، وفي المراد بمصير اللبن مغلوبا وجهان : أحدهما : خروجه عن كونه مغذيا ، والصحيح الذي قطع به الأكثرون أن الاعتبار بصفات اللبن الطعم واللون والرائحة ، فإن ظهر منها شيء في المخلوط ، فاللبن غالب ، وإلا فمغلوب . ونقل أبو الحسن العبادي في " الرقم " تفريعا على هذا عن الحليمي ما يفهم منه أنه لو زايلته الأوصاف الثلاثة ، اعتبر قدر اللبن بما له لون قوي يستولي على [ ص: 6 ] الخليط ، فإن كان ذلك القدر منه يظهر في الخليط ثبت التحريم ، وإلا فلا ، قال الحليمي : وهذا شيء استنبطته أنا وكان في قلبي منه شيء ، فعرضته على القفال الشاشي وابنه القاسم ، فارتضياه ، فسكنت ، ثم وجدته لابن سريج ، فسكن قلبي إليه كل السكون ، وقد سبق نظير هذا في اختلاط المائع بالماء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو وقعت قطرة في فمه ، واختلطت بريقه ، ثم وصل جوفه ، فطريقان : أحدهما : يعتبر كونه غالبا أو مغلوبا على ما ذكرناه . والثاني : القطع بالتحريم .

                                                                                                                                                                        إذا اختلط لبن امرأة بلبن أخرى ، وغلب أحدهما ، فإن علقنا التحريم بالمغلوب ، ثبتت الحرمة منهما ، وإلا فيختص بغالبة اللبن .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية