الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الثالثة : يستحب للإمام أن يأذن للقاضي في الاستخلاف ، فإن لم يأذن ، فله حالان أحدهما : أن يطلق التولية ، ولا ينهاه عن الاستخلاف ، فإن أمكنه القيام بما تولاه ، كقضاء بلدة صغيرة ، فليس له الاستخلاف على الأصح ، وإن لم يمكنه كقضاء بلدتين أو بلد كبير ، فله الاستخلاف في القدر الزائد على ما يمكنه ، وليس له الاستخلاف في الممكن على الأصح ، والقياس فيما إذا أذن له أن يكون في القدر [ ص: 119 ] المستخلف فيه هذان الوجهان إلا أن يصرح بالاستخلاف في الجميع ، وقطع ابن كج بالجواز في الكل عند مطلق الإذن .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن ينهاه عن الاستخلاف ، فلا يجوز الاستخلاف ، فإن كان ما فوضه إليه لا يمكنه القيام به ، فقال القاضي أبو الطيب : هذا النهي كالعدم ، والأقرب أحد أمرين إما بطلان التولية ، وبه قال ابن القطان ، وإما اقتصاره على الممكن ، وترك الاستخلاف .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا أرجحهما ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وجميع ما ذكرناه في الاستخلاف العام ، أما في الأمور الخاصة ، كتحليف وسماع بينة ، فقطع القفال بجوازه للضرورة ، وقال غيره : هو على الخلاف ، وهو مقتضى إطلاق الأكثرين .

                                                                                                                                                                        فروع

                                                                                                                                                                        أحدها : يشترط في الذي يستخلفه ما يشترط في القاضي ، قال الشيخ أبو محمد وغيره : فإن فوض إليه أمرا خاصا ، كفاه من العلم ما يحتاج إليه في ذلك الباب حتى إن نائب القاضي في القرى إذا كان المفوض إليه سماع البينة ونقلها دون الحكم ، كفاه العلم بشروط سماع البينة ولا يشترط فيه رتبة الاجتهاد .

                                                                                                                                                                        الثاني : قال الروياني في " التجربة " : نص الشافعي - رحمه الله - في " المبسوط " يدل على أن الحاكم الشافعي لا يجوز أن يستخلف من يخالفه ، والمعروف في المذهب خلافه ؛ لأن الحاكم يعمل باجتهاده حتى لو شرط على النائب أن يخالف اجتهاده ، ويحكم باجتهاد المنيب لم يجز ، وكذا إذا جوزنا تولية المقلد للضرورة ، فاعتقاد المقلد في حقه كاجتهاد المجتهد ، فلا يجوز أن يشرط عليه الحكم بخلاف اعتقاد مقلده ، [ ص: 120 ] فلو خالف وشرط القاضي الحنفي على النائب الشافعي الحكم بمذهب أبي حنيفة قال في " الوسيط " : له الحكم في المسائل التي اتفق عليها الإمامان دون المختلف فيها ، وهذا حكم منه بصحة الاستخلاف ، لكن قال الماوردي وصاحبا " المهذب " و " التهذيب " وغيرهم : لو قلد الإمام رجلا القضاء على أن يقضي بمذهب عينه ، بطل التقليد . ومقتضى هذا بطلان الاستخلاف هناك ، وفي فتاوى القاضي حسين أن الإمام الحنفي لو ولى شافعيا بشرط أن لا يقضي بشاهد ويمين ، ولا على غائب ، صحت التولية ، ولغا الشرط ، فيقضي بما أدى إليه اجتهاده ، ومقتضى هذا أن لا يراعى الشرط هناك ، قال الماوردي : ولو لم تجر صيغة الشرط ، بل قال الإمام : قلدتك القضاء ، فاحكم بمذهب الشافعي ، ولا تحكم بمذهب أبي حنيفة ، صح التقليد ، ولغا الأمر والنهي ، وفيه احتمال ، قال : ولو قال : لا تحكم في قتل المسلم بالكافر والحر بالعبد ، جاز ، وقد قصر عمله على باقي الحوادث ، وحكى وجهين فيما لو قال : لا تقض فيهما بقصاص أنه يلغو أم يكون منعا له في الحكم في القصاص نفيا وإثباتا .

                                                                                                                                                                        الثالث : حيث منعنا الاستخلاف ، فاستخلف فحكم الخليفة باطل ، لكن لو تراضى خصمان بحكمه ، كان كالمحكم وليس للقاضي إنفاذ حكمه ، بل يستأنف الحكم بينهما ، وإذا جوزنا الاستخلاف ، فاستخلف من لا يصلح للقضاء ، فحكمه باطل أيضا ، ولا يجوز إنفاذه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية