الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في الفدية .

                                                                                                                                                                        وهي مد من الطعام ، لكل يوم من أيام رمضان . وجنسه جنس زكاة الفطر . فيعتبر غالب قوت البلد على الأصح .

                                                                                                                                                                        ولا يجزئ الدقيق والسويق ، كما سبق . ومصرفها ، الفقراء أو المساكين . وكل مد منها ككفارة تامة . فيجوز [ ص: 381 ] صرف عدد منها إلى مسكين واحد ، بخلاف أمداد الكفارة ، فإنه يجب صرف كل مد منها إلى مسكين ، وتجب الفدية بثلاثة طرق .

                                                                                                                                                                        الأول : فوات نفس الصوم ، فمن فاته صوم يوم من رمضان ومات قبل قضائه فله حالان . أحدهما : أن يموت بعد تمكنه من القضاء ، سواء ترك الأداء بعذر أم بغيره ، فلا بد من تداركه بعد موته . وفي صفة التدارك قولان .

                                                                                                                                                                        الجديد : أنه يطعم من تركته عن كل يوم مد . والقديم : أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه ، ولا يلزمه . فعلى القديم : لو أمر الولي أجنبيا فصام عنه بأجرة أو بغيرها ، جاز كالحج . ولو استقل به الأجنبي ، لم يجزه على الأصح .

                                                                                                                                                                        وهل المعتبر على القديم الولاية ، أم مطلق القرابة ، أم تشترط العصوبة ، أم الإرث ؟ توقف فيه الإمام وقال : لا نقل فيه عندي .

                                                                                                                                                                        قال الرافعي : وإذا فحصت عن نظائره ، وجدت الأشبه اعتبار الإرث .

                                                                                                                                                                        قلت : المختار ، أن المراد مطلق القرابة . وفي " صحيح مسلم " : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لامرأة تصوم عن أمها وهذا يبطل احتمال العصوبة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو مات وعليه صلاة أو اعتكاف ، لم يقض عنه وليه ، ولا يسقط عنه بالفدية . ونقل البويطي : أن الشافعي - رحمه الله - قال في الاعتكاف : يعتكف عنه وليه .

                                                                                                                                                                        وفي رواية : يطعم عنه . قال صاحب " التهذيب " : ولا يبعد تخريج هذا في الصلاة ، فيطعم عن كل صلاة مد . وإذا قلنا بالإطعام في الاعتكاف ، فالقدر المقابل بالمد اعتكاف يوم بليلته .

                                                                                                                                                                        هكذا ذكره الإمام عن رواية شيخه قال : وهو مشكل ، فإن اعتكاف لحظة ، عبادة تامة .

                                                                                                                                                                        قلت : لم يصحح الإمام الرافعي واحدا من الجديد والقديم في صوم الولي ، وكأنه [ ص: 382 ] تركه لاضطراب الأصحاب فيه ، فإن المشهور في المذهب : تصحيح الجديد . وذهب جماعة من محققي أصحابنا ، إلى تصحيح القديم . وهذا هو الصواب . بل ينبغي أن يجزم بالقديم ، فإن الأحاديث الصحيحة ثبتت فيه .

                                                                                                                                                                        وليس للجديد حجة من السنة . والحديث الوارد بالإطعام ، ضعيف ، فيتعين القول بالقديم . ثم من جوز الصيام ، جوز الإطعام . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وحكم صوم الكفارة والنذر ، حكم صوم رمضان .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يكون موته قبل التمكن من القضاء ، بأن لا يزال مريضا ، أو مسافرا من أول شوال حتى يموت ، فلا شيء في تركته ولا على ورثته .

                                                                                                                                                                        قلت : قال أصحابنا : ولا يصح الصيام من أحد في حياته بلا خلاف ، سواء كان عاجزا أو غيره . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الشيخ الهرم الذي لا يطيق الصوم ، أو تلحقه به مشقة شديدة ، لا صوم عليه . وفي وجوب الفدية عليه ، قولان . أظهرهما : الوجوب .

                                                                                                                                                                        ويجري القولان في المريض الذي لا يرجى برؤه . ولو نذر في خلال العجز صوما ، ففي انعقاده وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما : لا ينعقد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإذا أوجبنا الفدية على الشيخ ، فكان معسرا ، هل تلزمه إذا قدر ؟ قولان ، كالكفارة . ولو كان رقيقا فعتق ، ففيه خلاف مرتب على المعسر ، والأولى : بأن لا تجب ، لأنه لم يكن أهلا .

                                                                                                                                                                        ولو قدر الشيخ على الصوم بعدما أفطر ، فهل يلزمه الصوم قضاء ؟ نقل صاحب " التهذيب " : أنه لا يلزمه ، لأنه لم يكن [ ص: 383 ] مخاطبا بالصوم ، بل كان مخاطبا بالفدية ، بخلاف المعضوب إذا حج عنه غيره ، ثم قدر ، يلزمه الحج في قول ، لأنه كان مخاطبا به . ثم قال صاحب " التهذيب " من عند نفسه : إذا قدر قبل أن يفدي ، فعليه أن يصوم ، وإن قدر بعد الفدية ، فيحتمل أن يكون كالحج ، لأنه كان مخاطبا بالفدية على توهم أن عذره غير زائل ، وقد بان خلافه .

                                                                                                                                                                        واعلم أن صاحب " التتمة " في آخرين نقلوا خلافا في أن الشيخ يتوجه عليه الخطاب بالصوم ، ثم ينتقل إلى الفدية بالعجز ، أم يخاطب بالفدية ابتداء ؟ وبنوا عليه الوجهين في انعقاد نذره .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية