الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا قال : لله علي أن أضحي ببدنة أو أهدي بدنة . قال الإمام : البدنة في اللغة : الإبل ، ثم الشرع قد يقيم مقامها بقرة ، أو سبعا من الغنم . وقال الشيخ أبو حامد وجماعة : اسم البدنة يقع على الإبل والبقر والغنم جميعا . ثم له حالان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أن يطلق التزام البدنة ، فله إخراجها من الإبل . وهل له العدول إلى بقرة أو سبع من الغنم ؟ فيه ثلاثة أوجه : أحدها : لا . والثاني : نعم . والصحيح المنصوص : أنه إن وجدت الإبل ، لم يجز العدول ، وإلا جاز .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يقيد فيقول : علي أن أضحي ببدنة من الإبل أو ينويها ، فلا يجزئه غير الإبل إذا وجدت بلا خلاف ، فإن عدمت ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : يصبر إلى أن يجدها ولا يجزئه غيرها . والصحيح المنصوص : أن البقرة تجزئه بالقيمة . فإن كانت قيمة البقرة دون قيمة البدنة من الإبل ، فعليه إخراج الفاضل . وفي وجه : لا تعتبر القيمة كما في حالة الإطلاق . والصحيح : الأول .

                                                                                                                                                                        واختلفوا في كيفية إخراج الفاضل ، ففي الكافي للقاضي الروياني : أنه يشتري به بقرة أخرى إن أمكن ، وإلا ، فهل يشتري به شقصا ، أو يتصدق به على المساكين ؟ وجهان . وفي تعليق الشيخ أبي حامد : أنه يتصدق به . وقال [ ص: 331 ] المتولي : يشارك إنسانا في بدنة أو بقرة ، أو يشتري به شاة . وإذا عدل إلى الغنم في هذه الحالة ، اعتبرت القيمة أيضا . ثم نقل الروياني في جمع الجوامع : أنه إذا لم يجد الإبل في حالة التقييد ، يتخير بين البقرة والغنم ؛ لأن الاعتبار بالقيمة . والذي ذكره ابن كج والمتولي : أنه لا يعدل إلى الغنم مع القدرة على البقرة ؛ لأنها أقرب . ولو وجد ثلاث شياه بقيمة البدنة ، فوجهان . أصحهما : لا تجزئه ، بل عليه أن يتم السبع من عنده . والثاني : تجزئه لوفائهن بالقيمة ، قاله أبو الحسين النسوي من أصحابنا شيخ كان في زمن أبي إسحاق وابن خيران . ولو نذر شاة ، فجعل بدلها بدنة ، جاز . وهل يكون الكل فرضا ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        في الصفات المعتبرة في الحيوان المنذور مطلقا .

                                                                                                                                                                        فإذا قال : لله علي أن أهدي بعيرا ، أو بقرة ، أو شاة ، فهل يشترط فيه السن المجزئ في الأضحية والسلامة من العيوب ؟ قولان بناء على أن مطلق النذر يحمل على أقل ما وجب من ذلك الجنس ، أو على أقل ما يتقرب به . والأول : أظهر . ولو قال : أضحي ببعير ، أو بقرة ، ففيه مثل هذا الخلاف . قال الإمام : وبالاتفاق لا يجزئ الفصيل ؛ لأنه لا يسمى بعيرا ، ولا العجل إذا ذكر البقرة ، ولا السخلة إذا ذكر الشاة . ولو قال : أضحي ببدنة أو أهدي بدنة ، جرى الخلاف . ورأى الإمام هذه الصورة أولى باشتراط السن والسلامة . ولو قال : لله علي هدي ، أو أن أهدي ولم يسم شيئا ، ففيه القولان إن حملنا على أقل ما يتقرب به من جنسه ، خرج عن نذره بكل منحة حتى الدجاجة والبيضة وكل ما يتمول ، لوقوع الاسم عليه . وعلى هذا ، فالصحيح : أنه لا يجب إيصاله مكة ، وصرفه إلى فقرائها ، بل يجوز التصدق به على غيرهم . وينسب هذا القول إلى [ ص: 332 ] " الإملاء " والقديم . وإن حملنا على أقل ما يجب من جنسه ، حمل على ما يجزئ في الأضحية ، وينسب هذا إلى الجديد . وعلى هذا يجب إيصاله مكة ، فإن محل الهدي الحرم . وفيه وجه ضعيف : أنه لا يجب إلا أن يصرح به . ولو قال : علي أن أهدي الهدي ، حمل على المعهود الشرعي بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        ولو نذر أن يهدي مالا معينا ، وجب صرفه إلى مساكين الحرم . وفيه وجه ضعيف : أنهم لا يتعينون . ثم ينظر ، إن كان المعين من النعم ، بأن قال : أهدي هذه البدنة أو الشاة ، وجب التصدق بها بعد الذبح ، ولا يجوز التصدق بها حية ؛ لأن في ذبحها قربة ، ويجب الذبح في الحرم على الأصح . وعلى الثاني : يجوز أن يذبح خارج الحرم ، بشرط أن ينقل اللحم إليه قبل أن يتغير . وإن كان من غير النعم وتيسر نقله إلى الحرم ، بأن قال : أهدي هذه الظبية ، أو الطائر ، أو الحمار ، أو الثوب ، وجب حمله إلى الحرم . وأطلق مطلقون : أن مؤنة النقل على الناذر ، فإن لم يكن له مال ، بيع بعضه لنقل الباقي . وأستحسن ما حكي عن القفال : أنه إن قال : أهدي هذا ، فالمؤنة عليه ، وإن قال : جعلته هديا ، فالمؤنة فيه ، يباع بعضه . لكن مقتضى جعله هديا ، أن يوصل كله الحرم ، فيلتزم مؤنته ، كما لو قال : أهدي . ثم إذا بلغ الحرم ، فالصحيح : أنه يجب صرفه إلى مساكين الحرم . لكن لو نوى صرفه إلى تطييب الكعبة ، أو جعل الثوب سترا لها ، أو قربة أخرى هناك ، صرفه إلى ما نوى . وفيه وجه : أنه وإن أطلق ، فله صرفه إلى ما يرى . ووجه أضعف منه : أن الثوب الصالح للستر ، يحمل عليه عند الإطلاق . قال الإمام : قياس المذهب والذي صرح به الأئمة : أن ذلك المال المعين ، يمتنع بيعه وتفرقة ثمنه ، بل يتصدق بعينه ، وينزل تعيينه منزلة تعيين الأضحية والشاة [ ص: 333 ] في الزكاة ، فيتصدق بالظبية والطائر وما في معناهما حيا ، ولا يذبحه ، إذ لا قربة في ذبحه . ولو ذبحه فنقصت القيمة ، تصدق باللحم وغرم ما نقص . وفي " التتمة " وجه آخر ضعيف : أنه يذبح . وطردهما فيما إذا أطلق ذكر الحيوان وقلنا : لا يشترط أن يهدي ما يجزئ في الأضحية . أما إذا نذر إهداء بعير معيب ، فهل يذبحه ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : نعم ، نظرا إلى جنسه . وأصحهما : لا ؛ لأنه لا يصلح للتضحية كالظبية . أما إذا كان المال المعين مما لا يتيسر نقله ، كالدار ، والأرض ، والشجر ، وحجر الرحى ، فيباع وينقل ثمنه فيتصدق به على مساكين الحرم . قال في " التهذيب " : ويتولى الناذر البيع والنقل بنفسه .

                                                                                                                                                                        فرع :

                                                                                                                                                                        في مسائل من " الأم "

                                                                                                                                                                        لو قال : أنا أهدي هذه الشاة نذرا ، لزمه أن يهديها ، إلا أن تكون نيته : إني سأحدث نذرا ، أو سأهديها . ولو نذر أن يهدي هديا ، ونوى بهيمة ، أو جديا ، أو رضيعا ، أجزأه . والقولان السابقان فيما إذا أطلق نذر الهدي ، ولم ينو شيئا . ولو نذر أن يهدي شاة عوراء ، أو عمياء ، أو ما لا يجوز التضحية به ، أهداه ، ولو أهدى تاما ، كان أفضل .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية