الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في كفالة البدن

                                                                                                                                                                        ويسمى أيضا ، كفالة الوجه ، وهي صحيحة على المشهور . وقيل : تصح قطعا ، فتجوز ببدن من عليه مال ، ولا يشترط العلم بقدره على الأصح . والثاني : يشترط بناء على أنه لو مات ، غرم الكفيل المال . ويشترط أن يكون المال مما يصح ضمانه . فلو تكفل ببدن مكاتب للنجوم التي عليه ، لم يصح . فإن كان عليه عقوبة ، فإن كانت لآدمي كالقصاص وحد القذف ، صحت الكفالة على الأظهر . وقيل : لا تصح قطعا . وإن كانت حدا لله تعالى ، لم تصح على المذهب . وقيل : قولان . وضبط الإمام والغزالي من تكفل ببدنه فقالا : حاصل كفالة البدن التزام إحضار المكفول ببدنه ، فكل من يلزمه حضور مجلس الحكم عند الاستعداء أو يستحق إحضاره ، تجوز الكفالة ببدنه ، فيخرج على هذا الضابط صور ، منها : الكفالة ببدن امرأة يدعي رجل زوجيتها ، صحيحة . وكذلك الكفالة بها ، لمن تثبت زوجيته . قال في " التتمة " والظاهر ، أن حكم هذه الكفالة حكم الكفالة ببدن من ادعي عليه القصاص ؛ لأن المستحق عليها لا يقبل النيابة . ومنها : لو تكفل ببدن عبد آبق لمالكه ، قال ابن سريج : يصح ويلزمه السعي في رده . ويجئ فيه مثلما حكينا في الزوجة . ومنها : الميت قد يستحق إحضاره ليقيم الشهود الشهادة على صورته إذا تحملوها كذلك ولم يعرفوا اسمه ونسبه . وإذا كان كذلك ، صحت الكفالة ببدنه .

                                                                                                                                                                        ومنها : الصبي ، والمجنون ، قد يستحق إحضارهما لإقامة الشهادة على صورتها في الإتلاف ، وغيره ، فتجوز الكفالة فيهما . ثم إن كفل بإذن وليها ، فله مطالبة الولي بإحضارهما عند الحاجة ، وإن كفل بغير إذنه ، فهو كالكفالة ببدن العاقل البالغ بغير إذنه . ومنها : قال الإمام : لو تكفل رجل ببغداد ببدن رجل بالبصرة ، [ ص: 254 ] فالكفالة باطلة ؛ لأن من بالبصرة لا يلزمه الحضور ببغداد للخصومات ، والكفيل فرع المكفول به . وإذا لم يجب حضوره ، لا يمكن إيجاب الإحضار على الكفيل . وهذا الذي قاله ، تفريع على أنه لا يلزم إحضار من هو على مسافة القصر ، وفيه خلاف يأتي إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الحق الذي تجوز بسببه الكفالة ، إن ثبت على المكفول ببدنه بإقرار أو بينة ، فذاك . وإن لم يثبت ، لكنه ادعى عليه ، فلم ينكر وسكت ، صحت الكفالة أيضا . وإن أنكر ، فوجهان . أحدهما : أنها باطلة . لأن الأصل البراءة ، والكفالة بمن لا حق عليه باطلة . وأصحهما : الصحة لأن الحضور مستحق . ومعظم الكفالات إنما تقع قبل ثبوت الحق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        تجوز الكفالة ببدن الغائب ، والمحبوس ، وإن تعذر تحصيل الغرض في الحال ، كما يجوز للمعسر ضمان المال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يشترط كون المكفول ببدنه معينا . فلو قال : كفلت بدن أحد هذين ، لم يصح كما لو ضمن أحد الدينين .

                                                                                                                                                                        [ ص: 255 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية