الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما ، فإن تبرع أو حابى ، أو زاد على النفقة عليهما ، أو على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن ، ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئا لنفسه ، ولا يبيعهما إلا الأب ولوليهما مكاتبة رقيقهما وعتقه على مال وتزويج إمائهما ، والسفر بمالهما ، والمضاربة به ، والربح كله لليتيم وله دفعه مضاربة بجزء من الربح وبيعه نساء وقرضه برهن وشراء العقار لهما وبناؤه بما جرت عادة أهل بلده به إذا رأى المصلحة في ذلك كله وله شراء الأضحية لليتيم الموسر ، نص عليه ، وتركه في المكتب وأداء الأجرة عنه ولا يبيع عقارهما إلا لضرورة ، أو غبطة ، وهو أن يزاد في ثمنه الثلث ، وإن وصى لأحدهما بمن يعتق عليه ، ولا تلزمه نفقته لإعسار الموصى له ، أو لغير ذلك وجب على الولي قبول الوصية ، وإلا لم يجز له قبولها .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما ) لقوله تعالى : ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [ الأنعام : 152 ] ، والمجنون في معناه ولقوله عليه السلام : لا ضرر ، ولا إضرار . رواه أحمد ( فإن تبرع ) بهبة ، أو صدقة ( أو حابى ) بزيادة ، أو نقصان ( أو زاد على النفقة عليها ، أو على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن ) ، لأنه مفرط فضمن كتصرفه في مال غيرهما ومراده - والله أعلم - أن يضمن القدر الزائد على الواجب لا مطلقا ( ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئا لنفسه ) ، لأنه عليه السلام نهى الوصي عن ذلك ، والحاكم في معناه ( ولا يبيعهما ) ، لأنه كالشراء معنى فيساويه حكما ( إلا الأب ) فيجوز اتفاقا ، لأنه يلي بنفسه فجاز أن يتولى طرفي العقد كالنكاح ، والتهمة بين الوالد وولده منتفية ، إذ من طبعه الشفقة عليه ، والميل إليه وترك حظ نفسه لحظه وبهذا فارق الوصي والحاكم ( ولوليهما مكاتبة رقيقهما ) ، لأن فيه تحصيلا لمصلحة الدنيا ، والآخرة ، وفي " الشرح " إذا كان الحظ فيه مثل أن تكون قيمته مائة فيكاتبه على مائتين ، وفي " الترغيب " أنها تجوز لغير الحاكم ( وعتقه على مال ) ، لأنه معاوضة لليتيم فيها حظ فملكها وليه كالبيع ، وظاهره مطلقا ، لكن في " الشرح " إذا أعتقه بمال بقدر قيمته ، أو أقل لم يجز لعدم الحظ فيه ، وظاهره أنه لا يجوز عتقه مجانا ، وعنه : بلى لمصلحة ، اختاره أبو بكر بأن تكون له أمة لها ولد يساويان [ ص: 338 ] مجتمعين مائة ، ولو أفردت ساوت مائتين ، ولا يمكن إفرادها بالبيع فتعتق الأخرى لتكثر قيمة الباقية .

                                                                                                                          فرع : له هبة ماله بعوض . قاله القاضي وجماعة ( وتزويج إمائهما ) إن كان فيه مصلحة ، لأن فيه إعفافهن وتحصينهن عن الزنا ووجوب نفقتهن على الأزواج ، والمراد إذا طلبن منه ذلك ، أو رأى المصلحة فيه ، لأنه نائب عن مالكهن ، وعبر في " المحرر " ، و " الفروع " بالرقيق ، وهو أعم ، وعنه : يجوز لخوف فساده ، وعنه : لا يزوج أمة لتأكد حاجته إليها فيتوجه على هذا إذا كان اليتيم مستغنيا عن خدمتها أنه يجوز تزويجها إذا كان فيه مصلحة ، وفي " الرعاية " له تزويج عبده بأمته وتزويجها بغير عبده ، ولا يزوج عبده بغير أمته ( والسفر بمالهما ) للتجارة ، وغيرها في مواضع آمنة في قول الجمهور لما روى عبد الله بن عمرو مرفوعا : من ولي يتيما له مال فليتجر به ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة . وروي موقوفا على عمر ، وهو أصح ، ولأنه أحظ للمولى عليه لكون نفقته في ربحه ، كما يفعله البالغون في أموالهم ، ولا يتجر إلا في المواضع الآمنة ، ومنع في " المجرد " ، و " المغني " ، و " الكافي " من السفر به إلا لضرورة ( والمضاربة به ، والربح كله لليتيم ) أي : إذا اتجر الولي بنفسه ، لأنه نماء ماء اليتيم ، فلا يستحقه غيره إلا بعقد ، ولا يعقدها الولي لنفسه للتهمة ، وفيه وجه يجوز أن يأخذ مضاربة لنفسه ، لأنه جاز له أن يدفعه بذلك فجاز له أخذه .

                                                                                                                          ( وله دفعه مضاربة بجزء من الربح ) ، لأن عائشة أبضعت مال محمد بن أبي بكر ، إذ الولي نائب عنه فيما فيه مصلحته ، وهذا مصلحة لما فيه من استبقاء ماله [ ص: 339 ] وحينئذ فللمضارب ما وافقه عليه الولي من الربح في قولهم جميعا ، وقيل : أجرة مثله ، وعند ابن عقيل بأقلهما ( وبيعه نساء ) أي : إلى أجل إذا كان الحظ فيه . قاله في " الشرح " ، لأنه قد يكون الثمن فيه أكثر ، لأن الأجل يأخذ قسطا من الثمن ( وقرضه ) على الأصح فيهما ( برهن ) ، لأنه أجود من إيداعه لما فيه من تعريضه للتلف ، وقوله : برهن يحتمل أنه شرط فيهما فيأخذ على الثمن في الأولى رهنا قال في " الشرح " : أو كفيلا موثقا به فيحفظ الثمن به ، وفي الثانية واضح ، وظاهره أنه لا يجوز بغير رهن ، لأنه قد لا يأمن عوده لفلس ونحوه ، وقاله أيضا في " الترغيب " ، والمذهب ، زاد في " المستوعب " : وإشهاد ، فيه روايتان ، فإن أمكنه أخذ الرهن وتركه فاحتمالان ، والمذهب جوازهما لمصلحة ، جزم به في " المحرر " ، و " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " ، وذكر في " المغني " ، و " الشرح " يقرضه لحاجة سفر ، أو خوف عليه ، أو غيرهما ، وعلى المذهب لا يقرضه إلا لمليء أمين ليأمن جحوده ويقدر على الإيفاء ، ذكره في " الشرح " ، ولا يقرضه لمودة ومكافأة ، نص عليه .

                                                                                                                          فرع : له إيداعه مع إمكان قرضه ، ذكره في " المغني " ، وظاهره متى جاز إيداعه ، وظاهر كلام الأكثر يجوز إيداعه لقولهم يتصرف بالمصلحة ، وقد يراه مصلحة ، ولا ضمان عليه إن تلف ، لعدم تفريطه ، وفي " الكافي " لا يودعه إلا لحاجة ، وأنه يقرضه لحظه بلا رهن ( وشراء العقار لهما ) ، لأنه مصلحة لكونه يحصل منه المغل مع بقاء الأصل وإذا جازت المضاربة فيه فهذا أولى ( وبناؤه ) ، لأنه في معنى الشراء إلا أن يكون الشراء أحظ ، وهو ممكن فيتعين تقديمه ( بما جرت عادة أهل بلده به ) ، وكذا في " الوجيز " ، لأنه [ ص: 340 ] العرف ، وقال الأصحاب يبنيه بالآجر دون اللبن ، لأنه إذا هدم فسد بخلاف الأول ، ولا بالجص ، لأنه يلتزق بالآجر ولو قدر فيفضي إلى كسره ، وفي " المغني " أن له بناءه بما يرى الحظ فيه ، وليس كل الأماكن يبنى فيها بالآجر ، ولا يقدر فيها على الجيد ، وإن وجد فبقيمة كثيرة جدا ، فلو قيد البناء بذلك أفضى إلى فوات الحظ فيحمل قولهم على من عادتهم البناء به كالعراق ونحوها ، ولا يصح حمله في حق غيرهم ( إذا رأى المصلحة في ذلك كله ) هذا راجع إلى قوله : ولوليهما إلى آخره ، لأن المصلحة إذا انتفت في شيء من ذلك لم يكن قربانا بالتي هي أحسن ، وقد نهي عنه وظاهر " الشرح " أنه راجع إلى الشراء ، والبناء ، وفيه شيء .

                                                                                                                          ( وله شراء الأضحية لليتيم الموسر ، نص عليه ) ، لأنه يوم عيد وفرح ، وجبر قلبه ، وإلحاقه بمن له أب كالثياب الحسنة مع استحباب التوسعة في هذا اليوم ، وهذا إذا كان موسرا لا يتضرر بشرائها ، فعلى هذا يحرم صدقته منها ، وفي " الانتصار " عن أحمد : يجب لقوله : للوصي التضحية عن اليتيم من ماله ، فدل أنها كزكاة ، وعنه : لا يجوز ذلك ، لأنها إخراج من ماله بغير عوض ، فلم يجز كالهدية وحمل في " المغني " كلام أحمد على حالين فيمنع منها إذا كان الطفل لا يعقلها ، ولا يفرح بها ، ولا ينكسر قلبه بتركها وعكسه بعكسه .

                                                                                                                          فائدة : ويفعل في مال اليتيم ما هو أرفق له من خلط وإفراد ، فلو مات من يتجر ليتيمه ولنفسه بماله ، وقد اشترى شيئا ، ولم يعرف لمن هو فالمذهب أنه يقرع فمن قرع حلف وأخذ وله الإذن لصغيرة في لعب بلعب مصورة وشراؤها بمالها ، نص عليهما ( وتركه في المكتب ) ليتعلم الخط ، وما ينفعه ( وأداء الأجرة عنه ) [ ص: 341 ] لأنه من مصالحه ، أشبه نفقة مأكوله وملبوسه ، وكذا مداواته بأجرة بغير إذن حاكم ، نص عليه ويجوز أن يسلمه في صناعة لمصلحته . قاله في " الشرح " وله حمله بأجرة ليشهد الجماعة . قاله في " المجرد " ، والفصول وإذنه في تصدقه بيسير . قاله في المذهب .

                                                                                                                          ( ولا يبيع عقارهما إلا لضرورة ) كحاجتهما إلى نفقة ، أو كسوة ، أو قضاء دين ، وليس له ما يدفع به حاجته ، لأن الضرورة لا بد من دفعها ( أو غبطة ) بأن يزاد في ثمنه زيادة على ثمن المثل . قاله القاضي في الموضعين المذكورين ، وذكر هذا في " الفروع " قولا ، ثم فسرها المؤلف تبعا لأبي الخطاب ( وهو أن يزاد في ثمنه الثلث ) لتكون المصلحة ظاهرة بينة ، والمذهب أن للولي البيع للمصلحة بدون ما ذكره المؤلف ، لأنه قد يكون بيعه أولى لكونه في مكان لا غلة فيه ، أو فيه غلة يسيرة ، أو لسوء الجار ، أو ليعمر به عقاره الآخر ، أو لمصلحة غير ذلك ، قال في " الشرح " : متى كان الحظ في بيعه جاز ، وإلا فلا ، وهذا اختيار شيخنا ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى وحاصله أنه لا يباع إلا بثمن المثل ، فلو نقص منه لم يصح ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " ( وإن وصى لأحدهما بمن يعتق عليه ، ولا تلزمه نفقته لإعسار الموصى له ، أو غير ذلك ، وجب على الولي قبول الوصية ) ، لأنه مصلحة محضة لا ضرر فيها ( وإلا لم يجز له قبولها ) أي : إذا لزمته النفقة حرم على الولي قبولها ، لما فيه من الضرر بتفويت ماله بالنفقة عليه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية