الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 236 ] ويجب غسل نجاسة الكلب والخنزير سبعا إحداهن بالتراب ، فإن جعل مكانه أشنانا أو نحوه ، فعلى وجهين ، وفي سائر النجاسات ثلاث روايات ، إحداهن : يجب غسلها سبعا ، وهل يشترط التراب ؛ على وجهين . والثانية ثلاثا ، والثالثة : تكاثر بالماء من غير عدد كالنجاسات كلها إذا كانت على الأرض .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويجب غسل نجاسة الكلب والخنزير ) ومتولد من أحدهما لما روى أبو هريرة مرفوعا قال : إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا متفق عليه . ولمسلم : فليرقه ، ثم ليغسله سبع مرات وله أيضا : طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ولو كان سؤره طاهرا لم يجز إراقته ، ولا وجب غسله ، والأصل وجوبه عن نجاسة ، ولم يعهد التعبد إلا في غسل البدن ، والطهور لا يكون إلا في محل الطهارة ، ولأنه لو كان تعبدا لما اختص الغسل بموضع الولوغ لعموم اللفظ في الإناء كله ، وعنه : طهارة شعر ، اختاره أبو بكر والشيخ تقي الدين ، وعنه : طهارة سؤرهما ، واحتج بعضهم على طهارته بقوله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم [ المائدة : 4 ] ولم يأمر بغسل أثر فمه ، وجوابه أن الله تعالى أمر بأكله ، ورسوله - عليه السلام - أمر بغسله ، فيعمل بأمرهما ، وإن سلمنا أنه لا يجب غسله ، فلأنه يشق فعفي عنه .

                                                                                                                          ( سبعا ) تنبيه : إذا كانت على غير الأرض لما ذكرنا ، وعنه : يغسل ثمانيا بتراب لما روى عبد الله بن معقل مرفوعا : فاغسلوه سبعا ، وعفروه الثامنة بالتراب رواه مسلم . وحمل على أنه عد التراب ثامنة لكونه جنسا آخر ، وعنه : اختصاص العدد بالولوغ ، وعنه : لا يجب العدد في غير الآنية ، وإذا ثبت هذا في الكلب ، فالخنزير شر منه ، لنص الشارع عليه وحرمة اقتنائه ، فثبت الحكم فيه بطريق التنبيه ، وإنما لم ينص الشارع عليه ، لأنهم لم يكونوا يعتادونه . ولم يذكر أحمد في الخنزير عددا ، وعنه : لا يعتبر فيهما عدد ، ذكره القاضي في شرح المذهب .

                                                                                                                          [ ص: 237 ] ( إحداهن بالتراب ) أي : يجعله في أي غسلة شاء ، والأولى جعله في الأولى للخبر ، وليأتي الماء بعده فينظفه ، وعنه : في الأخيرة ، وعنه : إن غسله ثمانيا ، وعنه : سواء ، وظاهره يجب التراب ، وهو كذلك ، وفيه وجه في الآنية فقط ، وعنه : يستحب مطلقا ، ويعتبر كونه طهورا ، وقيل : أو طاهرا ، ولا يكفي ذره على المحل ، بل لا بد من مائع يوصله إليه ، وظاهر كلام جماعة يكفي ، ويتبعه الماء ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ( فإن جعل مكانه أشنانا أو نحوه كصابون ونخالة ، قال بعضهم : أو غسله غسلة زائدة ( فعلى وجهين ) أحدهما : وهو المذهب يجزئه ، لأن نصه على التراب تنبيه على ما هو أبلغ منه في التنظيف ، والثاني : لا ، للنص عليه ، فلم يقم غيره مقامه كالتيمم ، وفي ثالث : إن عدمه أو انضر المغسول به أجزأه ، وإلا فلا ، وفي رابع : يجزئ بغير الغسلة الزائدة ، لأن الأمر بالتراب معونة للماء في قطع النجاسة ، أو للتعبد ، ولا يحصل بالماء وحده ، وهو اختيار المؤلف ، وصححه في " الشرح " .

                                                                                                                          تنبيه : إذا ولغ في الإناء كلاب ، أو أصاب المحل نجاسات متساوية في الحكم ، فهي كنجاسة واحد ، وإلا فالحكم لأغلظها ، فلو ولغ فيه فغسل دون السبع ، ثم ولغ فيه مرة أخرى غسل ، ويغسل ما نجس ببعض الغسلات ما بقي بعد تلك الغسلة ، لأن المنفصل كالبلل الباقي ، وهو يطهر بباقي العدد ، كذلك هنا ، ثم إن كانت انفصلت عن محل غسل بالتراب غسل محلها بغير تراب ، وإلا غسل به ، وظاهر الخرقي ، واختاره ابن حامد أنه يغسل سبعا بتراب ، لأنها نجاسة كلب ، ويعتبر استيعاب المحل إلا فيما يضر ، فيكفي مسماه في الأشهر .

                                                                                                                          [ ص: 238 ] ( وفي سائر ) أي : باقي ( النجاسات ) حتى محل الاستنجاء ( ثلاث روايات ، إحداهن : يجب غسلها سبعا ) نقله واختاره الأكثر لقول ابن عمر : أمرنا أن نغسل الأنجاس سبعا فينصرف إلى أمره - صلى الله عليه وسلم - وقد أمر به في نجاسة الكلب ، فيلحق به سائر النجاسات ، لأنها في معناها ، والحكم لا يختص بمورد النص ، بدليل إلحاق البدن والثوب به ، والعرق والبول للريق ( وهل يشترط التراب على وجهين ) كذا في " المحرر " أحدهما : يشترط اختاره الخرقي ، لأنها مقيسة ، والفرع يأخذ حكم الأصل ، والثاني : لا ، وهو اختيار المجد قصرا له على مورد النص ، أو لأن ذلك للزوجة في ولوغ الكلب ، قال في " الشرح " : وفيه نظر ، لأنه غير موجود في نجاسة الكلب غير الولوغ ، وقد قالوا بوجوب التراب فيه .

                                                                                                                          ( والثانية ثلاثا ) منقية ، اختارها المؤلف ، وقدمها ابن تميم ، وجزم بها في " الوجيز " لأنه عليه السلام أمر القائم من نوم الليل أن يغسل يديه ثلاثا ، معللا بوهم النجاسة ، ولا يزيل وهم النجاسة إلا ما يزيل يقينها ، ولأنه إذا اكتفى بثلاثة أحجار في الاستجمار ، فالاجتزاء بثلاث غسلات أولى ، لأنه أبلغ ، وعليها : إذا غسله زائدا على الثلاثة ، فالزائد طهور في الأصح .

                                                                                                                          ( والثالثة تكاثر بالماء ) حتى تزول العين ( من غير عدد ) اختارها في " المغني " والطريق الأقرب ، وجزم بها في " الوجيز " في محل الاستنجاء لقوله عليه السلام في دم الحيضة : فلتقرصه ، ثم لتنضحه بالماء ، وقال في آنية المجوس : إن لم تجدوا غيرها فاغسلوها بالماء ولم يذكر عددا ، ولو كان واجبا لذكره في جواب السائل عن التطهير ، لأنه وقت حاجة ، فعلى الأشهر يغسل محل الاستنجاء [ ص: 239 ] سبعا كغيره ، صرح به القاضي ، والشيرازي ، وابن عقيل ، ونص عليه أحمد في رواية صالح ، لكن نص في رواية أبي داود ، واختاره في " المغني " أنه لا يجب فيه عدد اعتمادا على أنه لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ، لا من قوله ، ولا من فعله ، ويؤيده أنه لا يشترط فيه تراب ، وبه قطع المؤلف ، وابن تميم ، وغيرهما ، وعنه : لا عدد في بدن ، وعنه : يجب في السبيل من نجاسة ثلاثا ، وفي غيره سبعا ( كالنجاسات كلها ) سواء كانت بولا أو خمرا أو نجاسة كلب وخنزير ( إذا كانت على الأرض ) وما اتصل بها من الحيطان والأحواض ، فالواجب مكاثرتها بالماء لما روى أنس قال : جاء أعرابي ، فبال في طائفة المسجد ، فقام إليه الناس ليقعوا به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : دعوه ، وأريقوا على بوله سجلا من ماء ، أو ذنوبا من ماء متفق عليه . ولو لم يطهر بذلك لكان تكثيرا للنجاسة ، ولأن الأرض مصاب الفضلات ، ومطارح الأقذار ، فلم يعتبر فيه عدد دفعا للحرج والمشقة ، والمراد بالمكاثرة : صب الماء على النجاسة حتى يغمرها بحيث يذهب لونها وريحها ، فإن لم يذهبا لم يطهر ، وإن كان مما لا يزال إلا بمشقة سقط ، كالثوب ذكره في " الشرح " وكذا حكمها إذا غمرت بماء المطر والسيول ، لأن تطهير النجاسة لا تعتبر فيه النية ، فاستوى ما صبه الآدمي وغيره .

                                                                                                                          تذنيب : يجب الحت والقرص ، قال في " التلخيص " وغيره : إن لم يتضرر المحل بهما ، ولا يضر بقاء لون أو ريح ، أو هما عجزا في الأصح ، ويطهر ، بل بقاء طعمها في الأصح ، وقال القاضي : بقاء أثر النجاسة بعد استيفاء العدد معفو [ ص: 240 ] عنه ، ويعتبر العصر في كل غسلة مع إمكانه فيما يتشرب النجاسة ، أو دقه ، أو تثقيله وجفافه كعصره في الأصح ، وغمسه في ماء كثير راكد لم يطهر حتى ينفصل عنه ، ويعاد إليه العدد المعتبر ، وقيل : يكفي تحريكه ، وخضخضته فيه ، وفي " المغني " و " الشرح " أن تمر عليه أجزاء لم تلاقه ، كما لو مرت عليه جريات في الماء الجاري ، وإن عصر ثوبا نجسا في ماء ، ولم يرفعه منه ، فغسله يبني عليها ، ويطهر ، وإذا غمس ثوبا نجسا في ماء قليل ، نجس الماء ولم يطهر منه شيء ، ولا يعتد بها غسلة ، وإن وضعه فيه ، ثم صب عليه الماء فغمره ، ثم عصره مرارا متعددة طهر ، نص عليه ، لأنه وارد كصبه عليه في غير الإناء .




                                                                                                                          الخدمات العلمية