الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل وإن أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا ، ورثوا بجميع قراباتهم فإذا خلف أمه - وهي أخته من أبيه - وعما ، ورثت الثلث بكونها أما ، والنصف بكونها أختا ، والباقي للعم ، فإن كان معها أخت أخرى ، لم ترث بكونها أما إلا الثلث ; لأنها انحجبت بنفسها وبالأخرى ، ولا يرثون بنكاح ذوي المحارم ، ولا بنكاح لا يقرون عليه لو أسلموا .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وإن أسلم المجوس أو تحاكموا إلينا ، ورثوا بجميع قراباتهم ) إن أمكن ، نص عليه ، وهو قول عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وزيد في الصحيح عنه ، وجمع من التابعين وغيرهم ، واختاره ابن اللبان ; لأن الله تعالى فرض للأم الثلث ، وللأخت النصف ، فإذا كانت الأم أختا ، وجب إعطاؤها ما فرض الله لها في الآيتين كالشخصين ، ولأنهما قرابتان ترث كل واحد منهما منفردة ، ولا تحجب إحداهما الأخرى إذا كانا في شخصين ، ولا ترجيح فيهما ، فيرث بهما جميعا ، كزوج هو ابن عم ، وابن عم هو أخ لأم ، وعنه : يرث بأقوى القرابتين ، وهي التي لا تسقط بحال ، روي عن زيد ، وقاله الحسن والزهري ; لأنهما قرابتان لا يورث بهما في الإسلام ، فلا يورث بهما في غيره ، كما لو أسقطت إحداهما الأخرى ، وجوابه : أن أبا بكر أنكر هذه الرواية ، وقال : لم يحك حنبل عن أحمد لفظا ومعنى ، وبأن القرابتين في الأصل تسقط إحداهما الأخرى ، إذا كانا في شخصين ، فكذا إذا كانا في شخص واحد ، وقولهم : لا تورث بهما في الإسلام لعدم وجودهما فلو تصور وجودهما ، كزوج هو ابن عم ورث بهما .

                                                                                                                          تنبيه : اعلم أن المسائل التي يجتمع بها قرابتان ، ويصح الإرث بهما ست : إحداهن [ ص: 237 ] في الذكور ، وهي عم هو أخ لأم ، وخمس في الإناث ، وهي بنت ، هي أخت ، أو بنت ابن ، وأم هي أخت ، وأم أم هي أخت لأب ، وأم أب هي أخت لأم ، ومتى كانت البنت أختا ، والميت رجل ، فهي أخت لأم ، ومتى كان امرأة فهي أخت لأب ، فإن قيل : أم هي أخت لأم ، أو أم ، أو هي أخت لأم ، وأم أب هي أخت لأب ، فهو محال .

                                                                                                                          ( فإذا خلف أمه - وهي أخته من أبيه - وعما ، ورثت الثلث بكونها أما ، والنصف بكونها أختا ) لما تقدم ( والباقي للعم ) لخبر ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر .

                                                                                                                          ( فإن كان معهما أخت أخرى ، لم ترث بكونها أما إلا السدس ) وعلله ( لأنها انحجبت بنفسها وبالأخرى ) لأن الأم ترد من الثلث إلى السدس بالأختين ، ومن ورثها بأقوى القرابتين ، ورثها الثلث بكونها أما ، ولم يحجبها بنفسها ، وقد تحجب هي نفسها ، وهو ما إذا تزوج مجوسي أمه ، فأولدها بنتا ، ثم مات ، فلها السدس ، ولابنته النصف ، ولا يرث أمه بالزوجية ، ولا ابنته بالأخوة للأم ; لأن ولد الأم ، وهو موجود هنا ، فيكون إذا قد حجبت نفسها بنفسها .

                                                                                                                          مسألة : مجوسي تزوج ابنته ، فأولدها بنتا ، ثم مات عنها ، وعن عم ، فلها الثلثان ، والبقية للعم ، ولا ترث الكبرى بالزوجية في قول الجميع ، فإن ماتت الكبرى بعده ، فالمال للصغرى ; لأنها بنت وأخت ، فإن ماتت قبل الكبرى ، فلها نصف وثلث ، والبقية للعم ، ومن ورث بأقواهما لم يورثها بالأخوة شيئا في المسألتين ، ثم لو تزوج الصغرى ، فولدت بنتا ، وخلف معهن عما ، فلبناته الثلثان ، وما بقي للعم ، ولو ماتت بعده ابنته الكبرى ، فللوسطى النصف ; لأنها بنت ، وما [ ص: 238 ] بقي لها وللصغرى ; لأنهما أختان لأب ، وتصح من أربعة ، فهذه بنت بنت ، ورثت مع بنت فوق السدس ، ولو ماتت بعده الوسطى ، فالكبرى أم وأخت لأب ، والصغرى بنت وأخت لأب ، فللأم السدس ، وللبنت النصف ، وما بقي لهما بالتعصيب ، وإن ماتت الصغرى بعدها فأم أمها أخت لأب ، فلها الثلثان ، وما بقي للعم ، ولو ماتت بعده بنته الصغرى ، فللوسطى بأنها أم السدس ، وحجبت نفسها ، ولهما الثلثان ، بأنهما أختان لأب ، وما بقي للعم ، ولا ترث الكبرى بأنها جدة مع أم ، فهذه جدة حجبت أما ، وورثت معها ، ومن حجب نفسه عمل به .

                                                                                                                          ( ولا يرثون بنكاح ذوات المحارم ) لا نعلم فيه خلافا ( ولا بنكاح لا يقرون عليه ) كمن تزوج مطلقته ثلاثا ( لو أسلموا ) لأنه باطل لا يقر عليه ، والمجوس وغيرهم في هذا سواء ، وظاهره : أنهم إذا اعتقدوا صحته ، وأقروا عليه بعد الإسلام يرثون به ، سواء وجد بشروطه الصحيحة المعتبرة في نكاح المسلمين ، أو لا ، كمن تزوج بلا شهود ونحوه ; لأنه نكاح يقر عليه ، فترتب عليه الإرث كالنكاح الصحيح ، وفي بعض الأنكحة خلاف ، واستحقاق الإرث مبني على الخلاف ، في أنه يقر عليه أم لا ، فالمجوسي إذا تزوج امرأة في عدتها ، فظاهر كلام أحمد : أنهما يتوارثان ; لإقرارهم عليه بعد الإسلام ، وقال القاضي : إن أسلما بعد انقضاء العدة أقرا ، وإلا فلا ، فعليه لو مات أحدهما قبل انقضاء العدة ، لم يتوارثا ، وإن مات بعده توارثا ، ونأول كلام أحمد على من أسلم بعد انقضاء العدة .




                                                                                                                          الخدمات العلمية