الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          والمستحاضة تغسل فرجها وتعصبه ، وتتوضأ لوقت كل صلاة ، وتصلي ما شاءت من الصلوات ، وكذلك من به سلس البول ، والمذي والريح ، والجريح الذي لا يرقأ دمه ، والرعاف الدائم . وهل يباح وطء المستحاضة في الفرج من غير خوف العنت ؛ على روايتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( والمستحاضة ) هي التي ترى دما لا يصلح أن يكون حيضا ، ولا نفاسا ، حكمها حكم الطاهرات في وجوب العبادات وفعلها ، لأنها نجاسة غير معتادة ، أشبهت سلس البول ( تغسل فرجها ) لإزالة ما عليه من الدم ( وتعصبه ) بما يمنع الدم على حسب الإمكان من حشو بقطن ، أو شد بخرقة طاهرة مشقوقة الطرفين ، لقول حمنة : أنعت لك الكرسف يعني : القطن - تحتشين به المكان قالت : إنه أكثر قال : فتلجمي . وظاهره ، ولو كانت صائمة ، لكن يتوجه أن يقصر على التعصيب فقط ، والأصح أنه لا يلزمها غسل الدم ، وإعادة شده لكل صلاة ، فإن خرج الدم بعد الوضوء لتفريط في الشد ، أعادت الوضوء ، لأنه حدث أمكن التحرز منه ، وإن خرج بغير تفريط ، فلا شيء عليها .

                                                                                                                          ( وتتوضأ لوقت كل صلاة ) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة : توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه ، وفي لفظ قال لها : توضئي لوقت كل صلاة قال الترمذي : حديث حسن صحيح [ ص: 291 ] لا يقال : فيه ، وفي غالب الروايات : وتوضئي لكل صلاة لأنه مقيد فيجب حمله على المقيد به ، ولأنها طهارة عن عذر وضرورة ، فتقيدت بالوقت كالتيمم ، وظاهره يجب ، ولو لم يخرج شيء ، وهو ظاهر كلام جماعة ، لكن قال في " الشرح " و " الفروع " : إنه لا يجب إذا لم يخرج شيء ، نص عليه فيمن به سلس البول ، وعليه إذا توضأت قبل الوقت بطل بدخوله كالتيمم ، لأنه لا حاجة إليه إذن ، واقتضى ذلك صحة طهارتها بعد دخول الوقت ، فتنوي استباحة الصلاة ، لا رفع الحدث ، فإن نوته فقال في " التلخيص " : لا أعلم لأصحابنا فيه قولا ، وقياس المذهب أنه لا يكفي ، ولا تعيين النية للفرض في ظاهر كلامهم .

                                                                                                                          ( وتصلي ) بوضوئها ( ما شاءت من الصلوات ) إذا كانت ، أو قضاء أو جمعا أو نذرا ، ما لم يخرج الوقت ، كما يجمع بين فرض ونوافل اتفاقا ، لأنها متطهرة ، أشبهت المتيمم ، وعنه : يبطل بدخوله ، وهو اختيار المجد ، وعنه : لا يجمع به بين فرضين أطلقها جماعة ، وقيدها في " المحرر " بوضوء للأمر به لكل صلاة ، قال القاضي في " الخلاف " : تجمع بالغسل لا تختلف الرواية فيه ، وفي " الجامع الكبير " : تجمع وقت الثانية ، وتصلي عقيب طهرها ، وظاهره أن لها التأخير ، فإن أخرت لحاجة ، وقيل : لمصلحة ، وفي " الرعاية " : أو تنفل جاز ، فإن كان لغير ذلك صلت به في وجه ، وصححه ابن تميم ، كالمتيمم ، وفي آخر : لا ، لأنه إنما أبيح لها الصلاة بهذه الطهارة مع وجود الحدث للضرورة ، ولا ضرورة هنا ، ومحل هذا ما إذا كان دمها مستمرا ، فلو كان لها عادة بانقطاعه زمنا يتسع للفعل ، تعين فيه ، فإن توضأت زمن انقطاعه ، ثم عاد بطل ، ولو عرض هذا [ ص: 292 ] الانقطاع لمن عادتها الاتصال ، ففي بقاء طهارتها وجهان ، وعنه : لا عبرة بانقطاع الدم مع بقاء الاستحاضة بحال ، لعدم ورود الشرع به للمشقة ، قال في " الشرح " : وهو أولى ، وصححه ابن تميم .

                                                                                                                          ( وكذلك من به سلس البول ، والمذي والريح ، والجريح الذي لا يرقأ دمه ، والرعاف الدائم ) يعني : أن حكم هؤلاء حكم المستحاضة ، لتساويهم معنى ، وهو عدم التحرز من ذلك ، فوجب المساواة حكما ، قال إسحاق بن راهويه : كان بيزيد بن ثابت سلس البول ، وكان يداويه ما استطاع ، فإذا غلبه ، صلى ولا يبالي ما أصاب ثوبه ، ولم ير أحمد حشو الذكر في ظاهر ما نقله عبد الله ، وأنه لو احتشى فصلى ، ثم أخرجه فوجد بللا ، فلا بأس ما لم يظهر خارجا ، ونقل الميموني فيمن به رعاف دائم : إنه يحتشي ، ونقل ابن هاني خلافه ، فإن كان مما لا يمكن عصبه كالجرح الذي لا يمكن شده ، أو من به باسور أو ناصور ، ولا يمكن عصبه ، صلى على حسب حاله لفعل عمر ، رواه أحمد . فإن قدر على حبسه حال القيام وحده ركع وسجد ، وأجزأته صلاته ، نص عليه ، كالمكان النجس ، وقال أبو المعالي : يومئ ، لأن فوات الشرط لا بدل له قال : ولو امتنعت القراءة ، أو لحقه السلس إن صلى قائما ، صلى قاعدا قال : ولو كان قام وقعد لم يحبسه ، ولو استلقى ، حبسه ، صلى قائما وقاعدا ، لأن المستلقي لا نظير له اختيارا .

                                                                                                                          ( وهل يباح ، وطء المستحاضة في الفرج من غير خوف العنت ؛ على روايتين ) إحداهما : يحرم إلا لخوف العنت ، قدمه غير واحد ، وذكر في " الكافي " و " الفروع " أنه قول الأصحاب قيل : وبعدم الطول لنكاح حرة ، أو ثمن [ ص: 293 ] أمة ذكره في " الرعاية " لقول عائشة : المستحاضة لا يغشاها زوجها ، ولأن بها أذى كالحائض ، فإن وطئ أثم ، ولا كفارة عليه في الأشهر ، والثانية : يباح مطلقا ، وهو قول أكثر العلماء ، لأن حمنة كانت تستحاض ، وكان زوجها طلحة بن عبيد الله يجامعها ، وأم حبيبة تستحاض ، وكان زوجها عبد الرحمن بن عوف يغشاها ، رواهما أبو داود ، وللعموم في حل وطء الزوجة ، وقد قيل : وطء الحائض يتعدى إلى الولد فيكون مجذوما ، وعنه : يكره ، وظاهره إذا خاف العنت أو خافته هي ، وطلبته منه أبيح له ، لأن حكمه أخف من حكم الحيض ، ومدته تطول .

                                                                                                                          فائدة : لا بأس بشرب دواء مباح لقطع الحيض إذا أمن ضرره ، نص عليه ، واعتبر القاضي إذن الزوج كالعزل ، وشربه يجوز لإلقاء نطفة ، ذكره في " الوجيز " ويجوز لحصول الحيض ، إلا قرب رمضان لتفطر . ذكره أبو يعلى الصغير .




                                                                                                                          الخدمات العلمية