الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          باب

                                                                                                                          الطلاق في الماضي والمستقبل

                                                                                                                          إذا قال : أنت طالق أمس ، أو قبل أن أنكحك ، ينوي الإيقاع - وقع ، فإن لم ينو ، لم يقع في ظاهر كلامه وقال القاضي : يقع ، وحكي عن أبي بكر : لا يقع إذا قال : أنت طالق أمس ، ويقع إذا قال : قبل أن أنكحك ، فإن قال : أردت أن زوجا قبلي طلقها ، أو طلقتها في نكاح قبل هذا - قبل منه ، إذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد ، فإن مات ، أو جن ، أو خرس قبل العلم بمراده ، فهل تطلق ؛ على وجهين ، وإن قال : أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر ، فقدم قبل مضي شهر لم تطلق ، وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه ، تبينا وقوعه فيه ، فإن خالعها بعد اليمين بيوم ، وكان الطلاق بائنا ، ثم قدم زيد بعد الشهر بيومين ، صح الخلع ، وبطل الطلاق ، وإن قدم بعد شهر وساعة ، وقع الطلاق دون الخلع ، وإن قال : أنت طالق قبل موتي ، طلقت في الحال ، فإن قال : بعد موتي ، أو مع موتي - لم تطلق ، وإن تزوج أمة أبيه ، ثم قال : إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق ، فمات أبوه أو اشتراها - لم تطلق ، ويحتمل أن تطلق ، وإن كانت مدبرة فمات أبوه - وقع الطلاق والعتق .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب

                                                                                                                          الطلاق في الماضي والمستقبل

                                                                                                                          ( إذا قال : أنت طالق أمس ، أو قبل أن أنكحك ، ينوي الإيقاع - وقع ) ؛ لأنه اعترف على نفسه بما هو أغلظ ( فإن لم ينو ، لم يقع في ظاهر كلامه ) وجزم به في " الوجيز " وغيره ؛ لأنه أضافه إلى زمن يستحيل وقوعه فيه ، وهو الزمن الماضي وقبل نكاحه ، فلم يقع ، كما لو قال : أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين ، فقدم [ ص: 310 ] اليوم ، فإنه لا خلاف عند أصحابنا أنه لا يقع ( وقال القاضي : يقع ) ولو لم ينوه ، وهو رواية ؛ لأنه وصف الطلقة بما لا تتصف به ، فلغت الصفة ، ووقع الطلاق ، كما لو قال لآيسة : أنت طالق للبدعة ( وحكي عن أبي بكر : لا يقع إذا قال : أنت طالق أمس ) ؛ لعدم إمكان وقوع الطلاق فيه ( ويقع إذا قال : قبل أن أنكحك ) ؛ لأنه يمكن أن يتزوجها ثانيا ، وهذا الوقت قبله ، فيقع فيه بخلاف الأولى ، قاله القاضي ، وعنه : في الأولى إن كانت زوجته أمس ، فإن قال : أردت أني طلقتها أمس - طلقت بإقراره ، ولزمتها العدة في يومها ؛ لاعترافها أن أمس لم يكن من عدتها ( فإن قال : أردت أن زوجا قبلي طلقها ، أو طلقتها في نكاح قبل هذا - قبل منه ، إذا احتمل الصدق في ظاهر كلام أحمد ) ؛ لأنه فسر كلامه بما يحتمله ، وقوله : إذا احتمل الصدق مشعر بأنه يشترط أن يكون قد وجد ؛ لأنه إذا لم يوجد ، لم يكن كلامه محتملا للصدق ، وفي " المغني " : إن لم يكن وجد ، وقع طلاقه ، ذكره أبو الخطاب ، وقال القاضي : يقبل ظاهر كلامه ، ولم يشترط الوجود ، فإذن فيه وجهان ، وعلى الأول ما لم تكذبه من غضب ، أو سؤالها الطلاق ونحوه ( فإن مات ) القائل ( أو جن ، أو خرس قبل العلم بمراده ، فهل تطلق ) المقول لها ؛ ( على وجهين ) بناء على الخلاف في اشتراط النية في وقوع الطلاق المتقدم ذكره ، فإن قيل باشتراطه ، لم تطلق ؛ لأن شرط الطلاق النية ، ولم يتحقق وجودها ، وإن قيل بعدم اشتراطها ، طلقت ؛ لأن المقتضي للوقوع قد وجد ، فوجب العمل به .



                                                                                                                          ( وإن قال : أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر ) فلها النفقة ( فقدم قبل مضي [ ص: 311 ] شهر لم تطلق ) بغير خلاف بين أصحابنا ؛ لأنه تعليق للطلاق على صفة ممكنة الوجود ، فوجب اعتبارها ، ذكره في " الشرح " وغيره ، وفيه وجه : تطلق بناء على قوله : أنت طالق أمس ، وجزم به الحلواني ، فلو قدم مع مضي الشهر لم تطلق ؛ لأنه لا بد من جزء يقع الطلاق فيه ( وإن قدم بعد شهر وجزء يقع الطلاق فيه ، تبينا وقوعه فيه ) ؛ لأنه أوقع الطلاق في زمن على الصفة ، فإذا حصلت ، وقع ، كما لو قال : أنت طالق قبل شهر رمضان بشهر ، أو قبل موتك بشهر ، فلو وطئها ، كان محرما ، ولها المهر ( فإن خالعها بعد اليمين بيوم ) فأكثر ( وكان الطلاق بائنا ، ثم قدم زيد بعد الشهر بيومين ، صح الخلع ) ؛ لأنه وقع مع زوجه ( وبطل الطلاق ) ؛ لأنه صادفها بائنا ، ولا إرث لها ؛ لعدم التهمة ( وإن قدم بعد شهر وساعة ) فأقل ( وقع الطلاق ) ؛ لأنها طلقت في الساعة وهي زوجة ، ( دون الخلع ) ؛ لأنه صادفها بائنا ، وخلع البائن غير صحيح ، وحينئذ لها الرجوع بالعوض إلا أن يكون الطلاق رجعيا ؛ لأن الرجعية يصح خلعها .

                                                                                                                          فرع : إذا قال لعبده : أنت حر قبل قدوم زيد بشهر ، ثم باعه بعد عقد الصفة ، فأعتقه المشتري ، ثم قدم زيد بعد عقدها بشهر ويوم ، نحكم بوقوع عتق البائع وبطلان البيع وما ترتب عليه ، ونقل مهنا عنه إذا قال : أنت طالق ثلاثا قبل موتي بشهر أنها تطلق في الحال ، وهذه تعطي أنه علقه بشرط يأتي لا محالة أنه يقع في الحال ، والأول أصح .



                                                                                                                          ( وإن قال : أنت طالق قبل موتي طلقت في الحال ) ؛ لأنه قبل موته ، وكذا إن قال : قبل موتك أو موت زيد ، فإن قاله بالتصغير لم يقع إلا في الجزء الذي يليه الموت ؛ لأن ذلك تصغير يقتضي الجزء اليسير ( فإن قال : بعد موتي ، أو [ ص: 312 ] مع موتي - لم تطلق ) نص عليه ، وكذا إن قال : بعد موتك ، أو مع موتك - بغير خلاف علمناه ؛ لأنها تبين بموت أحدهما ، فلم يصادف الطلاق نكاحا يزيله ، فإن قال : مع موتي ، فوجهان .

                                                                                                                          فرع : إذا قال : إن مت فأنت طالق قبله بشهر ونحو ذلك - لم يصح ، ذكره في " الانتصار " ؛ لأنه أوقعه بعده ، فلا يقع قبله لمضيه ، وإن لم يقل بشهر وقع إذن ، وفي " التبصرة " : في جزء يليه موته كقبل موتي ، وإن قال : أطولكما حياة طالق ، فبموت إحداهما يقع بالأخرى إذن ، وقيل : وقت يمينه ، فإن قال : أنت طالق قبل موت زيد وعمرو بشهر ، تعلقت بالصفة بأولهما موتا .

                                                                                                                          ( وإن تزوج أمة أبيه ، ثم قال : إذا مات أبي أو اشتريتك فأنت طالق ، فمات أبوه أو اشتراها - لم تطلق ) اختاره القاضي ، وقدمه في " الكافي " ، وجزم به في " الوجيز " ؛ لأنه بالموت والشراء يملكها ، فينفسخ نكاحها بالملك وهو زمن الطلاق ، فلم يقع ، كما لو قال : أنت طالق مع موتي ، وكقوله : إذا ملكتك فأنت طالق - في الأصح ( ويحتمل أن تطلق ) اختاره في " الجامع " ، والشريف ، وأبو الخطاب ، وقدمه في " المحرر " و " الفروع " ، وهو رواية في التبصرة ؛ لأن الموت سبب ملكها وطلاقها ، وفسخ النكاح يترتب على الملك ، فيوجد الطلاق في زمن الملك السابق على الفسخ ، فيثبت حكمه ، وفي " المستوعب " : إذا علق طلاقها على الشراء ، لم تطلق حتى يتفرقا في أظهر الوجهين ، وفي الآخر : تطلق ، وهو احتمال في " عيون المسائل " بناء على انتقال الملك زمن الخيار .

                                                                                                                          ( وإن كانت مدبرة ) أي : دبرها أبوه ( فمات أبوه وقع الطلاق ) ؛ لأن الحرية [ ص: 313 ] تمنع ثبوت الملك له ، فلا ينفسخ نكاحه ، فيقع طلاقه ( والعتق ) ؛ لأنه معلق بالموت وقد وجدا معا ؛ لأن كل واحد منهما معلق بالموت ، وهذا إذا كانت تخرج من الثلث ، فإن أجاز الابن ، وقلنا : إجازته عطية مبتدأة - فهل يقع الطلاق ؛ على وجهين ، وإن قلنا : تنفيذ ، وقعا معا ، فإن كان على الأب دين يستغرق تركته لم يعتق ، والأصح : أن ذلك لا يمنع نقل التركة إلى الورثة ، فهو كما لو لم يكن عليه دين في فسخ النكاح ، وإن كانت تخرج من الثلث بعد أداء الدين ، وقعا ، وإلا حكمها في فسخ النكاح ومنع الطلاق ، كما لو كان مستغرقا لها ، فإن أسقط الغريم الدين بعد الموت لم يقع الطلاق ؛ لأن النكاح انفسخ قبل إسقاطه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية