الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس : كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها ، ومن لا فلا ، ولا يجب إلا بمثل الموجب في النفس ، وهو العمد المحض . وهو نوعان : أحدهما : في الأطراف فتؤخذ العين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن والجفن بالجفن والشفة بالشفة واليد باليد ، والرجل بالرجل ، ويؤخذ كل واحد من الأصابع ، والكف ، والمرفق ، والذكر ، والأنثيين بمثله ، وهل يجري في الإلية ، والشفر ؛ على وجهين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب

                                                                                                                          ما يوجب القصاص فيما دون النفس

                                                                                                                          ( كل من أقيد بغيره في النفس أقيد به فيما دونها ) لأن من أقيد به في النفس إنما أقيد به لحصول المساواة المعتبرة للقود فوجب أن يقاد به فيما دونها ، فعلى هذا لو قطع مسلم يد مسلم قطعت يده ; لأنه يقاد به في النفس ( ومن لا فلا ) أي : من لا يقاد بغيره في النفس ، فلا يقاد به فيما دونها ، فلو قطع مسلم يد كافر لم تقطع يده ; لأنه لا يقاد به في النفس ، وعنه لا قود بين العبيد في الأطراف ; لأنها أموال ، وعنه : في النفس ، والطرف حتى تستوي القيمة ، ذكره في " الانتصار " ، والمذهب ما ذكره المؤلف ; لأن ما دون النفس كالنفس في وجوب القود ، فكان كالنفس فيما نذكره ، وهو قول الأكثر ( ولا يجب إلا بمثل الموجب في النفس ، وهو العمد المحض ) لقوله تعالى : والجروح قصاص [ المائدة : 45 ] وحديث أنس في قضية الربيع ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كتاب الله القصاص متفق عليه . وأجمعوا على جريان القصاص فيما دون النفس إذا أمكن ; لأن ما دون النفس كالنفس في الحاجة إلى حفظه بالقصاص ، فكان كالنفس في وجوبه ، وظاهره أنه لا يجب في الخطأ ، وهو [ ص: 307 ] كذلك إجماعا ، لا في شبه العمد ، وقاله السامري وصححه في " المغني " ، و " الشرح " ، وعنه : يجب فيه . اختارها ابن أبي موسى ، وأبو بكر لعموم الآية ، ولأن العضو يتلف بأيسر مما تتلف به النفس ، وجوابه : بأن الآية مخصوصة بالخطأ ، فكذا هذا ( وهو نوعان : أحدهما : في الأطراف ) لما ذكرنا ( فتؤخذ العين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ) للنص ، والخبر ( والجفن بالجفن ) لأنه في معنى المنصوص عليه فوجب أن يلحق به ويؤخذ جفن كل واحد من البصير ، والضرير بالآخر .

                                                                                                                          فائدة : الجفن بفتح الجيم ، وحكى ابن سيده كسرها .

                                                                                                                          ( والشفة بالشفة ) وهو ما جاوز الذقن ، والخدين علوا وسفلا ( واليد باليد ، والرجل بالرجل ) لما ذكرنا ، وظاهره لا فرق بين أن يقوى بطشها ، أو يضعف ( ويؤخذ كل واحد من الأصابع ، والكف ، والمرفق ، والذكر ، والأنثيين بمثله ) لأن المماثلة موجودة ، والقصاص ممكن فوجب كالعين بمثلها ( وهل يجري في الإلية ، والشفر ؛ على وجهين ) كذا في " المحرر " ، و " الفروع " أحدهما : يجب ، جزم به في " الوجيز " لظاهر الآية ; لأن الإلية متصلة باللحم ، والشفر لحم لا مفصل له ، والثاني : لا قود فيهما ، قدمه في " الرعاية " كلحم الفخذ .

                                                                                                                          فائدة : الشفر بضم الشين أحد شفري المرأة ، فأما شفر العين ، فهو منبت الهدب ، وقد حكي فيه الفتح .




                                                                                                                          الخدمات العلمية