الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل ويستحب تعجيل الإفطار ، وتأخير السحور وأن يفطر على تمر ، فإن لم يجد فعلى الماء ، وأن يقول عند فطره : اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت ، سبحانك وبحمدك ، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم ويستحب التتابع في قضاء رمضان ، ولا يجب .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل ( ويستحب تعجيل الإفطار ) لما روى سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر متفق عليه . والمراد : إذا تحقق غروب الشمس إجماعا ، والمذهب : أن له الفطر بغلبة الظن لأنهم أفطروا في عهده - عليه السلام - ثم طلعت الشمس ، ولأن ما عليه أمارة يدخله الاجتهاد ، ويقبل فيه قول واحد كالقبلة ، خلافا لصاحب " التلخيص " فلم يجوزه إلا باليقين بخلاف أوله ، وإذا غاب حاجب الشمس الأعلى أفطر حكما ، وإن لم يطعم ، وفي الخبر ما يدل على أنه يفطر شرعا فلا يثاب على الوصال ، ويحتمل أنه يجوز له الفطر ، وهو قبل الصلاة أفضل لفعله - عليه السلام - ، ( وتأخير السحور ) ما لم يخش طلوع الفجر الثاني . قاله الأصحاب لأخبار منها ما روى زيد بن ثابت قال : تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة . قلت : كم كان بينهما ؛ قال : قدر خمسين آية متفق عليه ، ولأنه أقوى على الصوم ، والتحفظ من الخطأ ، والخروج من الخلاف . وظاهره أنه يستحب ، ولو شك في الفجر ، ونقله أبو داود عن الإمام أنه يأكل حتى يستيقن طلوعه ، وجزم به ابن الجوزي يؤيده ما قال الآجري لو قال لعالمين : ارقبا الفجر ، فقال أحدهما : طلع ، وقال الآخر : لا . أكل حتى يتفقا ، وقاله جمع من الصحابة وغيرهم ، وتحصل الفضيلة بأكل أو شرب لحديث أبي سعيد : ولو أن يجرع [ ص: 44 ] أحدكم جرعة من ماء رواه أحمد ، وفيه ضعف ، وكمال فضيلته بالأكل لقوله - عليه السلام - : بيننا وبينهم أكلة السحر رواه مسلم من حديث عمرو بن العاص . وظاهر ما سبق أنه لا يجب إمساك جزء من الليل من أوله ، وآخره ، وهو ظاهر كلام جماعة ، وذكر ابن الجوزي أنه أصح الوجهين ، وقطع آخرون بوجوبه ; لأنه مما لا يتم الواجب إلا به ، ولا يستحب تأخير الجماع وفاقا ; لأنه لا يتقوى به بل يكره مع الشك بخلاف الأكل ، والشرب نص على ذلك .

                                                                                                                          فائدة : السحور بفتح السين ما يؤكل في السحر ، وبالضم اسم الفعل على الأشهر ، وقيل : بالفتح ، والمراد في كلامه : الفعل فيكون بالضم على الأصح .

                                                                                                                          ( و ) يستحب ( أن يفطر على تمر ، فإن لم يجد فعلى الماء ) لما روى سلمان بن عامر مرفوعا : إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإن لم يجد فعلى ماء فإنه طهور رواه أبو داود ، والترمذي ، والمذهب أنه يقدم عليهما الرطب لحديث أنس المرفوع . رواه الترمذي ، وقال : حسن غريب ، واعتذر عنه ابن المنجا ، فقال : إن الرطب لا يوجد في بلاد الشام ، وفي " الوجيز " أنه مخير بينها تقديم لبعضها على بعض ، ( وأن يقول عند فطره : اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك ، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم ) اقتصر عليه جماعة رواه الدارقطني من حديث أنس ، وابن عباس ، وفيهما : تقبل منا ، وذكره أبو الخطاب ، وهو أولى ، وذكر بعضهم قول ابن عمر كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا أفطر ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله - تعالى - . رواه أبو داود ، والدارقطني ، وحسن إسناده ، والحاكم ، وقال على شرط البخاري ، والعمل بهذا الخبر أولى . ويدعو بما أحب لما روى أبو هريرة : ثلاثة لا ترد دعوتهم [ ص: 45 ] الإمام العادل ، والصائم حين يفطر ، ودعوة المظلوم . رواه الترمذي وحسنه ، وابن ماجه ، وله من حديث عبد الله بن عمر وللصائم عند فطره دعوة ما ترد .

                                                                                                                          ( ويستحب التتابع في قضاء رمضان ) وفاقا ; لأن القضاء يحكي الأداء ، وفيه خروج من الخلاف ، وأنجز لبراءة الذمة . وظاهره لا فرق بين أن يكون أفطر بسبب محرم أو لا ، ويجب العزم على الفعل في قول الجمهور ، وفي " الفروع " : يتوجه الخلاف كالصلاة ، ( ولا يجب ) في قول الأكثر . قال : البخاري قال ابن عباس : لا بأس أن يفرق لقول الله - تعالى - فعدة من أيام أخر ، وعن ابن عمر مرفوعا : قضاء رمضان إن شاء فرق ، وإن شاء تابع . رواه الدارقطني ، وقال لم يسنده غير سفيان بن بشر . قال المجد : لا نعلم أحدا طعن فيه ، والزيادة من الثقة مقبولة . ولأنه لا يتعلق بزمان معين فلم يجب فيه التتابع كالنذر المطلق ، ويستثنى منه ما إذا لم يبق من شعبان إلا بقدره فيتعين ، ويقضي من فاته رمضان تاما أو ناقصا لعذر أو غيره عدد أيامه مطلقا في اختيار الأكثر كأعداد الصلوات ، وقال القاضي : إن قضى شهرا هلاليا أجزأه مطلقا وإلا تمم ثلاثين يوما ، وهو ظاهر كلام أحمد ، ورده في " المغني " بأن القضاء يجب أن يكون بعدة ما فاته كالمريض ، والمسافر فعلى الأول من صام من أول شهر كامل أو من أثناء شهر تسعة وعشرين يوما ، وكان رمضان الفائت ناقصا أجزأه اعتبارا بعدد الأيام ، وعلى الثاني يقضي يوما تكميلا للشهر بالهلال أو العدد ثلاثين .




                                                                                                                          الخدمات العلمية