الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 75 ] . وأسألك أن تصلي على سيد أصفيائك ، وخاتم أنبيائك ، وفاتح أوليائك ، محمد سيد معد بن عدنان .

                التالي السابق


                قوله : " وأسألك أن تصلي على سيد أصفيائك وخاتم أنبيائك وفاتح أوليائك محمد سيد معد بن عدنان " .

                " وأسألك " : معطوف على " أحمدك " ، أي : أحمدك وأسألك ، وتقديم الحمد قبل السؤال أجدر بالإجابة كما هو مشاهد بين الناس ، ولهذا وقع في الفاتحة : إياك نعبد وإياك نستعين ، قدمت العبادة لتكون وسيلة إلى حصول الإعانة ، والصلاة من الله سبحانه وتعالى : الرحمة ، ويلزمها معنى التعظيم والتشريف والتكريم ، خصوصا إذا كانت على الأنبياء صلوات الله عليهم .

                والسيد : هو الرئيس الذي يسود من دونه ، وهو فعيل بكسر العين من السيادة وهي التقدم والرئاسة .

                والأصفياء : جمع صفي ، وهو الصفوة المختار إليه تشبيه ماء دون الصافي أو الأصفى من الماء إليه ، فالأنبياء صلوات الله عليهم صفوة الله من الخلق ، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم سيد تلك الصفوة .

                والأنبياء جمع نبيء ، بالهمز وتركه ، فإذا همز فهو فعيل من النبأ ، وهو الخبر ، لأنه يأتي بالخبر عن الله سبحانه وتعالى ، وإذا لم يهمز فهو مخفف من المهموز في [ ص: 76 ] أحد الأقوال لأهل اللغة ، كما خففوا الذرية والبرية وأصلهما الهمز .

                والقول الثاني : أنه استعير له اسم النبي ، وهو الطريق ، لأن النبي يهدي الناس إلى الحق كما تهديهم الطريق إلى مقاصدهم .

                والثالث : أنه فعيل من نبا : إذا ارتفع مكانه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفيع المنزلة عند الله سبحانه وتعالى ، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم بنص الكتاب والسنة والإجماع ودليل العقل لمن يطالب به .

                والأولياء : جمع ولي ، وهو فعيل من : وليت الشيء أليه : إذا عنيت به ونظرت فيه كما ينظر الولي في مال اليتيم ونحوه ، لأن الله سبحانه وتعالى ينظر في أمر وليه بالرحمة والعناية ، والولي ينظر في أوامر الله سبحانه وتعالى بالطاعة ، ويجوز أن يكون فعيلا من : وليت الشيء ، ووليني الشيء : إذا لم يكن بيني وبينه واسطة ، كما في قوله سبحانه وتعالى : قاتلوا الذين يلونكم من الكفار [ التوبة : 123 ] ، وقوله عليه السلام : ليليني منكم ذوو الأحلام والنهى يعني في الصلاة ، وقوله [ ص: 77 ] عليه الصلاة والسلام : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، كل هذا المراد به نفي الواسطة ، والمعنى الأول آيل إلى هذا أيضا فهو الأصل ، فالولي يلي ربه سبحانه وتعالى ويليه ربه ، فالمعنى أن الولي يقطع الوسائط بينه وبين الله سبحانه وتعالى حين يصير في مقام المراقبة والمشاهدة ، وهو مقام الإحسان الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم ب : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك . والرب سبحانه يجعل عبده يليه ، بمعنى أنه يفيض عليه من المعارف واللطائف بغير واسطة ، كما أعطى الخضر تلك العلوم اللدنية بغير واسطة كتاب منزل ، ولا ملك مرسل ، وليس هذا موجبا لتفضيل الولي على النبي عليه السلام كما زعم بعض جهلة المتصوفة محتجا بقصة موسى والخضر ، وذلك لأن مقام الولي من الله سبحانه وتعالى مقام الرأفة والرحمة ، ومقام النبي عليه السلام مقام الشرف والتعظيم والقوة والعصمة ، ولهذا كان النبي عليه السلام مأمورا بإظهار المعجز وإشاعته على رءوس الأشهاد ، والولي مأمورا بكتمان الكرامة وسترها عن إدراك العباد ، ولا شك أن الملك العظيم قد يرى [ ص: 78 ] مسكينا أو يتيما ، فيرحمه ، فيمسح برأسه ، أو يعطيه من يده شيئا ، ولا يصل إنعامه إلى قائد جيوشه إلا بوسائط ، مع أن القائد عنده أعظم قدرا وأعلى محلا ، وكم بين من يعطيه الملك سيفا ، ويقول له : خذه في يدك مشهورا ، واضرب به من عصاك في أمر ، وبين من يعطيه سكينا ويقول له : اجعله تحت ثيابك ، لئلا يراك الوالي أو غيره ، هذا تفاوت كثير .

                ومن المعلوم أن الله سبحانه وتعالى كما ختم بمحمد صلى الله عليه وسلم الأنبياء كذلك افتتح به الأولياء ، والنبي يصدق عليه اسم الولي وإن كان أعم أوصافه ، وقد نظم المعنى الشيخ يحيى بن يوسف الصرصري حيث قال :


                هو خاتم الأنبياء وفاتح ال أولياء وشربهم من شربه

                أي : هو مادتهم ومنه يسقون .

                ومحمد اسمه - صلى الله عليه وسلم - هو مفعل من الحمد ، كما أن أحمد أفعل من ذلك أيضا ، ومعد مفعل بفتح الميم والعين وتخفيفهما ، أبو العرب ، وهل ميمه زائدة أو أصلية ؟ فيه قولان :

                الأول : اختيار الأكثرين ، ولهذا ذكره الجوهري في عدد . [ ص: 79 ]

                والثاني : اختيار سيبويه ، لقولهم تمعدد .

                وعدنان : فعلان من عدن بالمكان ، إذا لزمه وتوطنه إقامة .

                ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم : هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان . إلى هاهنا اتفق النسابون ، واختلفوا فيما بعد ذلك ، فبعضهم يقول : عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن حمل بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم ، وبعضهم يقول : عدنان بن أدد ولا يذكر أدا ، وبعضهم يقول غير ذلك ، وروى ابن سعد بإسناد فيه ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة ، قال : ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء عدنان ، قال عروة : وسمعت أبا بكر بن سليمان بن [ أبي ] حثمة يقول : ما وجدنا في علم عالم ، ولا شعر شاعر أحدا يعرف ما وراء معد بن عدنان [ يثبت ] .




                الخدمات العلمية