الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 133 ]

                واصطلاحا : قيل : العلم بالأحكام الشرعية الفرعية ، عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال .

                التالي السابق


                قوله : " واصطلاحا " أي : والفقه في الاصطلاح يعني في اصطلاح العلماء من الأصوليين والفقهاء .

                " قيل : العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالاستدلال " ، إنما قلت : قيل ، لأن هذا التعريف ترد عليه الأسئلة المذكورة بعد ، فلم أرتضه لذلك ، وقد ذكرت الأشبه عندي فيه ، كما سيأتي إن شاء الله سبحانه وتعالى .

                وهذا التعريف للفقه ، والتعريف السابق لأصول الفقه ، هما لابن الحاجب .

                وقد تضمن هذا من الألفاظ التي ينبغي الاعتناء ببيانها ، لفظ " العلم " ، وقد وعدت قبل أن أبينه بعد ، ولفظ " الأحكام " ، وسيأتي بيانه عند ذكرهما . إن شاء الله تعالى .

                ولفظ " الشرعية " و " الفرعية " وقد سبق بيانهما . بحمد الله تعالى .

                " والتفصيلية " هي المذكورة على جهة التفصيل ، وهو تمييز أفراد الأحكام بعضها عن بعض فيما تختص به ، كقولنا : إذا سخن الماء ، فإما أن يسخن بطاهر ، فلا يكره ، أو بنجس ، فإما أن يتحقق وصول النجاسة إليه ، فيمنع منه ، أو لا يتحقق ، فإن كان الحائل بين الماء والنجاسة حصينا ، لم يكره ، وإلا كره ، وأشباه ذلك من الأحكام المفصلة .

                وقد خطر لي هاهنا فائدة ، وإن لم تكن مما نحن فيه ، لكن لمناسبة اللفظ ، والحديث ذو شجون ، والشيء يذكر بالشيء ، وهي أن اجتهاد المجتهدين في الأحكام مقطوع به في كتاب الله عز وجل ، وذلك في قوله تعالى : وكل شيء فصلناه تفصيلا [ الإسراء : 12 ] ، فهذه قضية عامة تتناول الأحكام الشرعية ، لأنها أشياء ، [ ص: 134 ] فتقتضي أنها مفصلة في الشرع ، ثم إنا نرى كثيرا من الأحكام غير مفصل ، لا في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا في كلام الأئمة ، إذ قد تقع حوادث غرائب ، ليس لهم فيها كلام ، فدل على أن الله سبحانه وتعالى ، أحال بالتفصيل على مجتهدي كل عصر ، فكل مجتهد مطلق أو مقيد تمسك في حكم بما يصلح أن يتمسك به مثله في ذلك الحكم ، كان ما أفتى به حكما من الله تعالى ، وتفصيلا منه بمقتضى النص المذكور ، ولا يرد على هذا الاستدلال أن يقال : إن قوله : وكل شيء فصلناه عام مخصوص ، أو علمنا تفصيله ، وإن لم نذكره في الكتاب ، لكن هو تخصيص وتأويل يحتاج إلى دليل .

                وأما " الاستدلال " ، فهو استفعال من دل يدل ، ومقتضاه بحسب اللغة طلب الدليل ، ثم قد يكون طلبه من المجتهد أو غيره ، إذا أراد معرفة الحكم ليعمل به ، أو يعلمه غيره ، وقد يكون من السائل للمستدل ، كقول الحنبلي للحنفي : ما الدليل على صحة الوضوء بدون النية ؟ والمراد به هاهنا الأول ، وهو طلب الحكم بالدليل من نص أو إجماع أو قياس .

                وقد يطلق الاستدلال على ما أمكن التوصل به إلى معرفة الحكم ، وليس بواحد من الأدلة الثلاثة ، كما سيأتي عند ذكر الأدلة إن شاء الله تعالى .




                الخدمات العلمية