الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              فصل

              وقد يعرض للقسم الأول أن يعد من الثاني ، ويتصور ذلك في خلط بعض العلوم ببعض ، كالفقيه يبني فقهه على مسألة نحوية مثلا ، فيرجع إلى تقريرها مسألة - كما يقررها النحوي - لا مقدمة مسلمة ، ثم يرد مسألته الفقهية إليها ، والذي كان من شأنه أن يأتي بها على أنها مفروغ منها في علم النحو ، فيبني عليها ، فلما لم يفعل ذلك ، وأخذ يتكلم فيها ، وفي تصحيحها وضبطها ، والاستدلال عليها ، كما يفعله النحوي - صار الإتيان بذلك فضلا غير محتاج إليه ، وكذلك ; إذا افتقر إلى مسألة عددية ، فمن حقه أن يأتي بها مسلمة ليفرع عليها في علمه ; فإن أخذ يبسط القول فيها كما يفعله العددي في علم العدد ، كان فضلا معدودا من الملح إن عد منها ، وهكذا سائر العلوم التي يخدم بعضها بعضا .

              ويعرض أيضا للقسم الأول أن يصير من الثالث ، ويتصور ذلك فيمن يتبجح بذكر المسائل العلمية لمن ليس من أهلها ، أو ذكر كبار المسائل لمن لا يحتمل عقله إلا صغارها ، على ضد التربية المشروعة ، فمثل هذا يوقع في مصائب ، ومن أجلها قال علي - رضي الله عنه - " حدثوا الناس بما يفهمون ، [ ص: 124 ] أتحبون أن يكذب الله ورسوله " ، وقد يصير ذلك فتنة على بعض السامعين حسبما هو مذكور في موضعه من هذا الكتاب .

              وإذا عرض للقسم الأول أن يعد من الثالث ، فأولى أن يعرض للثاني أن يعد من الثالث ، لأنه أقرب إليه من الأول .

              فلا يصح للعالم في التربية العلمية إلا المحافظة على هذه المعاني ، وإلا لم يكن مربيا ، واحتاج هو إلى عالم يربيه .

              ومن هنا لا يسمح للناظر في هذا الكتاب أن ينظر فيه نظر مفيد أو مستفيد ; حتى يكون ريان من علم الشريعة ، أصولها وفروعها ، منقولها ومعقولها ، غير مخلد إلى التقليد ، والتعصب للمذهب ; فإنه إن كان هكذا خيف عليه أن ينقلب عليه ما أودع فيه فتنة بالعرض ، وإن كان حكمة بالذات ، والله الموفق للصواب .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية