الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد:

فهذا تعليق لطيف على مسند الإمام الهمام أحمد بن حنبل - رضي الله تعالى عنه - مقتصر على ذكر ما يحتاج إليه القارئ والمدرس من ضبط اللفظ، وإيضاح الغريب والإعراب قدر ما يتيسر - إن شاء الله تعالى - رزقنا الله الختم على الإيمان بعد التوفيق للإتمام، آمين رب العالمين.

ولنبدأ قبل الشروع في المقصود بذكر بعض أحوال الإمام المؤلف تبركا به، وإن كان هو لشهرته غنيا عن ذلك.

* * *

[ ص: 4 ] ترجمة الإمام أحمد بن حنبل

قال النووي - رحمه الله تعالى - في "التهذيب": هو الإمام البارع المجمع على إمامته وجلالته وورعه وزهده وحفظه، ووفور علمه وسيادته، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي ثم البغدادي، خرج من "مرو" حملا، وولد ببغداد، ونشأ بها إلى أن توفي بها، ودخل مكة والمدينة والشام واليمن والكوفة والبصرة والجزيرة، سمع سفيان بن عيينة، وابن علية، وابن مهدي، ويزيد بن هارون بن المديني، وعبد الرزاق، وخلائق.

روى عنه شيخه عبد الرزاق، ويحيى بن آدم، وأبو الوليد، وابن مهدي، - ويزيد بن هارون بن المديني، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة الرازي، وخلائق.

وروينا عن إبراهيم الحربي أنه قال: جمع الله له علم الأولين من كل صنف.

وعن أبي مسهر قال: ما أعلم أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها إلا شابا بالمشرق - يعني: أحمد بن حنبل - .

[ ص: 5 ] وعن أبي زرعة قال: ما رأيت من المشايخ أحفظ من أحمد بن حنبل، حزرت كتبه اثني عشر جملا وعدلا، كل ذلك كان يحفظه عن ظهر قلبه.

وعنه - أيضا - : ما رأيت أحدا أجمع من أحمد بن حنبل، وما رأيت أحدا أكمل منه، اجتمع فيه زهد وثقة وفضل وأشياء كثيرة.

وقال قتيبة: أحمد إمام الدنيا.

وقال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - : ما رأيت أعقل من أحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي.

وقال أبو حاتم: كان أحمد بن حنبل بارع الفهم بمعرفة صحيح الحديث وسقيمه.

وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قال أبي: حججت خمس حجج، ثلاثا منها راجلا، قال: وما رأيت أبي قط اشترى رمانا ولا سفرجلا، ولا شيئا من الفاكهة، إلا أن يشتري بطيخة فيأكلها بخبز، أو عنبا أو تمرا، قال: وكثيرا ما كان يأتدم بالخل.

قال: وربما اشترينا الشيء فنستره عنه; لئلا يوبخنا عليه.

وقال بعضهم: ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من أحمد، ولا اتباعا للسنن - رضي الله تعالى عنه - .

[ ص: 6 ] وقيل لبشر بن الحارث حين ضرب أحمد بن حنبل في المحنة: لو قمت مقامه، تكلمت كما تكلم؟ قال: لا أقوى عليه; إن أحمد قام مقام الأنبياء.

وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة يقول: بلغني أن المتوكل أمر أن يمسح الموضع الذي وقف الناس فيه للصلاة على أحمد بن حنبل، فبلغ مقام ألفي ألف وخمس مئة ألف.

قال: وقال الوركاني: أسلم يوم وفاة أحمد بن حنبل عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس.

ومناقبه أكثر من أن تحصر، وقد صنف فيها جماعة، والمقصود الإشارة إلى طرف منها تبركا.

ولد - رحمه الله تعالى - في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومئة، وتوفي ضحوة يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومئتين، ودفن ببغداد - رحمه الله تعالى - .

* * *

[ ص: 7 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية