الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
خبر الطفيل بن عمرو الدوسي

روينا عن محمد بن سعد ، أخبرنا محمد بن عمر ، حدثني عبد الله بن جعفر ، عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسي ، وكان له حلف في قريش ، قال : كان الطفيل شريفا شاعرا نبيلا كثير الضيافة ، فقدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، فقالوا : يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وفرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وأبيه وبين الرجل [ ص: 240 ] وأخيه . قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ، ولا أكلمه ، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله ، فمكثت حتى انصرف إلى بيته ، فقلت : يا محمد ! إن قومك قالوا لي كذا وكذا حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك . فاعرض علي أمرك . فعرض عليه الإسلام وتلا عليه القرآن ، فقال : لا والله ما سمعت قولا قط أحسن من هذا ، ولا أمرا أعدل منه ، فأسلمت . فقلت : يا نبي الله إني امرؤ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يكون لي عونا عليهم . قال : اللهم اجعل له آية . فخرجت حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح ، فقلت اللهم في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة ، فتحول في رأس سوطي ، فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور كالقنديل المعلق . قال : فأتاني أبي ، فقلت له . قال : ديني دينك فأسلم . ثم أتتني صاحبتي ، فذكر مثل ذلك ، فأسلمت ، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام فأبطؤوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فقلت : يا رسول الله ! قد غلبتني دوس ، فادع الله عليهم . فقال : اللهم اهد دوسا ، فخرجت إليهم ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من قومي وهو بخيبر بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ، فأسهم لنا مع المسلمين ، وقلنا : يا رسول الله ! اجعلنا ميمنتك ، واجعل شعارنا "مبرور" .

ففعل ، ثم قلت بعد فتح مكة يا رسول الله ! ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه ، فبعثه . وجعل الطفيل يقول :


يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أكبر من ميلادكا


إني حشوت النار في فؤادكا

قال : فلما أحرقته أسلموا جميعا ، ثم قتل الطفيل باليمامة شهيدا
. والخبر عند ابن سعد طويل وأنا اختصرته .

[ ص: 241 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية